قضية الأسيرة “أربيل”.. تعنت إسرائيلي لخرق وقف إطلاق النار
يتوقع موسى أن يعمل الوسطاء خلال الوقت القريب على إنهاء الخلاف حول الأسيرة أربيل
تواصل سلطات الاحتلال الإسرائيلية خرق اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، حيث تمنع عودة النازحين من جنوب القطاع إلى شماله، رغم أن الاتفاق ينص على بدء العودة بعد تسليم “كتائب القسام”، الجناح العسكري لحركة “حماس”، أربع أسيرات يوم السبت 25 يناير.
التعنت الإسرائيلي المستمر يهدد بشكل مباشر الاتفاق الهش، ويفتح الباب أمام احتمال عودة التصعيد العسكري بين المقاومة الفلسطينية و”إسرائيل” من جديد.
يشكل التهرب الإسرائيلي من استحقاقات اتفاق وقف إطلاق النار وعدم الالتزام بتنفيذ بنوده تحدياً خطيراً قد يؤدي إلى انهيار الاتفاق بالكامل.
من بين العواقب المحتملة لذلك، استمرار معاناة النازحين الفلسطينيين، وتعقيد عملية تبادل الأسرى التي تشمل إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة مقابل فلسطينيين محتجزين لدى الاحتلال.
ويبدو واضحاً أن “إسرائيل” تستغل ذرائع واهية لعرقلة تنفيذ الاتفاق، مما يزيد من حالة التوتر الميداني والسياسي.
الذريعة الإسرائيلية
تذرعت “إسرائيل” برفضها الالتزام ببند عودة النازحين الفلسطينيين من جنوب قطاع غزة إلى شماله، بحجة عدم إطلاق سراح الأسيرة أربيل يهود في الموعد المحدد، وهو يوم السبت 25 يناير الجاري.
تشير المصادر إلى أن أربيل كانت واحدة من أربع أسيرات وردت أسماؤهن في الاتفاق، ورغم ذلك، فإن المقاومة الفلسطينية أكدت أن الأسيرة على قيد الحياة، وستطلق سراحها ضمن المرحلة الثالثة من عملية تبادل الأسرى يوم السبت المقبل.
أربيل يهود، التي تسببت قضيتها في تعقيد تنفيذ الاتفاق، هي إسرائيلية تبلغ من العمر 29 عاماً، وتعمل كمدربة لاستكشاف الفضاء وعلم الفلك في مجلس “أشكول” الإقليمي في غلاف غزة.
وكانت “يهود” تعيش في كيبوتس نير عوز قرب قطاع غزة، وتم أسرها من منزلها مع صديقها أرييل كونيو، وتشير تقارير إعلامية إسرائيلية إلى أنها ليست بحوزة حركة “حماس”، وإنما لدى فصيل آخر، وهو ما أكدته حركة “الجهاد الإسلامي”، التي أعلنت أن أربيل أسيرة لدى ذراعها العسكري “سرايا القدس”، وأكدت أنها على قيد الحياة وستفرج عنها في الموعد المتفق عليه.
على الأرض، تزداد معاناة النازحين الفلسطينيين العالقين في مناطق مؤقتة وسط القطاع، تحديداً عند منطقة “تبة النويري” غرب مخيم النصيرات، وهي آخر نقطة يمكن لسكان الجنوب الوصول إليها قبل التوجه إلى الشمال.
حيث يحتشد مئات الآلاف من النازحين في ظروف إنسانية صعبة، منتظرين السماح لهم بالعودة إلى منازلهم، إلا أن جيش الاحتلال يواصل استهداف النازحين الذين يقتربون من حاجز “نيتساريم”، ما يزيد من تعقيد الوضع الإنساني ويعرقل عودتهم.
وأكد مستشفى العودة في مخيم النصيرات، الأحد 26 يناير، سقوط شهيد و15 جريحاً جراء إطلاق الاحتلال الرصاص تجاه المواطنين الذين ينتظرون العودة إلى الشمال.
موقف المقاومة
من جهتها، تواصل حركة “حماس” متابعة ملف النازحين مع الوسطاء، مؤكدة أن منع الاحتلال لعودتهم يشكل خرقاً واضحاً لاتفاق وقف إطلاق النار.
وأوضحت الحركة أنها أبلغت الوسطاء أن الأسيرة أربيل على قيد الحياة، وأنه سيتم الإفراج عنها كما هو متفق عليه، وحملت “إسرائيل” المسؤولية الكاملة عن تعطيل تنفيذ الاتفاق، متهمة إياها بالتلكؤ والمماطلة لتحقيق أهداف سياسية على حساب المعاناة الإنسانية.
ويعمل الوسطاء الدوليون والإقليميون على محاولة حل الخلاف بين الطرفين، بما يشمل الأزمة المتعلقة بقائمة الأحياء والأموات لدى المقاومة، وضمان تنفيذ جميع بنود اتفاق وقف إطلاق النار، بما فيها عودة النازحين وإتمام عملية تبادل الأسرى.
بدوره، صرح مصدر مسؤول في حركة “الجهاد الإسلامي” لقناة “الجزيرة”، أنه يتوقع “انفراجة بخصوص أزمة الأسيرة أربيل يهود الليلة”، موضحاً أن “هناك مساع للوسطاء لحل الأزمة قد تفضي للإفراج عن الأسيرة يهود قبل السبت”.
التصعيد المحتمل
تعكس هذه التطورات هشاشة الأوضاع في قطاع غزة، حيث يشير تعنت الاحتلال الإسرائيلي إلى احتمال عودة التصعيد العسكري في حال فشل الوسطاء في تذليل العقبات، ومما يزيد من خطورة الموقف، أن هذه الانتهاكات الإسرائيلية تضعف الثقة في أي جهود سلام مستقبلية، وتضعف فرص تحقيق الاستقرار في المنطقة.
في ظل استمرار المماطلة الإسرائيلية وعدم تنفيذ بنود اتفاق وقف إطلاق النار، يبقى مصير النازحين معلقاً، مع تصاعد التوترات السياسية والميدانية، ويحتاج الوضع إلى تدخل حاسم من قبل الوسطاء الدوليين والإقليميين، لإلزام الاحتلال بتنفيذ الاتفاق وحماية المدنيين الفلسطينيين من تداعيات أي تصعيد محتمل.
المختص في الشأن الإسرائيلي، إسماعيل موسى، يستبعد أن تشكل قضية الأسيرة الإسرائيلية “يهود” سبباً في انهيار اتفاق وقف إطلاق النار بين “إسرائيل” وحركة “حماس”، بسبب قوة الوسطاء الذين رعوا الاتفاق، تحديداً قطر والولايات المتحدة.
يعتقد موسى في حديثه لـ”الخليج أونلاين”، أن يعمل الوسطاء خلال الوقت القريب على إنهاء الخلاف حول الأسيرة والعمل على تقريب وجهات النظر بين الطرفين، وإنهاء قضية عودة النازحين من جنوب قطاع غزة إلى شماله.
لكن موسى يتخوف من أن تكون قضية الأسيرة “حجة لدى رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو من أجل عرقلة الاتفاق وعدم الاستمرار فيه، والتذرع بذرائع جديدة في حل قضيتها وإنهاء الأزمة حولها، خلال الساعات القادمة”.
وأوضح المختص في الشأن الإسرائيلي، أن المقاومة الفلسطينية “لن تخسر شيئاً في حالة أفرجت عن الأسيرة يهود مقابل إخراج جيش الاحتلال عن مجموعة من الأسرى القدامى الذين تطلبهم، ولكن التعنت موجود عند نتنياهو الذي ذهب إلى الاتفاق تحت ضغط الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب”.
ويشير إلى أن سيناريو العودة للحرب من جديد بسبب هذا الخلاف “مستبعد في هذه المرحلة لأن جيش الاحتلال الإسرائيلي أنهك خلال شهور الحرب الطويلة، إضافة إلى أن الجبهة الداخلية الإسرائيلي غير مستعدة للعودة من جديد بسبب الضغوطات الكبيرة ضد حكومة نتنياهو، خاصة بعد مشاهد تسليم الأسرى من قبل المقاومة في قطاع غزة”.
بدوره، يرى المختص في الشأن الإسرائيلي، عصمت منصور، أن “أزمة أربيل يهود هي أزمة مفتعلة من قبل نتنياهو، الذي يسعى من خلالها إلى إثبات قدرته على فرض شروطه بالقوة وتنفيذ الاتفاق بما يخدم مصالحه السياسية”.
وأوضح منصور، في حديثه لـ”الخليج أونلاين”، أن نتنياهو يستخدم تأخير عودة النازحين الفلسطينيين واستمرار بقائهم في العراء كورقة ضغط كبيرة لإحراج حركة “حماس”، وإظهارها بمظهر العاجزة عن تنفيذ التزاماتها في اتفاق وقف إطلاق النار.
ولفت إلى أن “تعنت نتنياهو ورفضه منح أي هامش لتبديل الأسماء الواردة في قوائم الأسرى، يعد مؤشراً على أن المراحل القادمة ستكون محفوفة بالمخاطر، وأن احتمالات المضي قدماً في تنفيذ الاتفاق ستتضاءل مع استمرار هذا النهج”.
وتوقع منصور أن تحل أزمة الأسيرة أربيل في موعد أقصاه يوم السبت المقبل، لكنه أشار إلى أن هذه الأزمة تظهر مدى تعقيد الأوضاع، حيث ستبقى قدرة “حماس” على الوفاء بالتزاماتها تحت المجهر، وأي إخفاق قد يؤدي إلى إعادة تفجير الأوضاع وعودة الحرب.
وأكد في ختام حديثه أن المرحلة المقبلة ستشهد تحديات كبيرة، وأي خلل في تطبيق الاتفاق قد يعيد الأمور إلى نقطة الصفر، ما يجعل الوضع برمته شديد الحساسية.