هل العدل في التعامل مقتصر على التعامل مع المسلمين فقط
جدول ال
هل العدل في التعامل مقتصر على التعامل مع المسلمين فقط هو التّساؤل الذي سيجيب عنه هذا المقال، فإنّ الله سبحانه وتعالى حكيم والحكمة من أعظم صفاتها وهو لم يخلق شيئاً عبثاً فالله سبحانه وتعالى لم يخلق البشر للهباء، فلم يخلق الإنسان ليأكل ويشرب وينام ويلعب بل كرّمه وفضّله على سائر الخلق وأمره بأن يعبده ويوحّده فالإنسان خُلق للعبادة.[1]
مفهوم العدل
خلق الله سبحانه وتعالى البشر وسخّر لهم الأرض ليسعوا فيها فكانت الحياة الدّنيا دار ابتلاءٍ واختبار وفيها ما يترتب عليه السّعي من معاملاتٍ واحتكاكاتٍ بين البشر، والله سبحانه وتعالى أمر المسلمين بالعدل فيما بينهم وأمرهم بأن لا يتظالموا فما هو مفهوم العدل، يعتبر العدل من القيم الإنسانيّة التي حثّ عليها الإسلام وجعلها من أساسيات الحياة والمجتمع، فالعدل لغةً هو القصد في الأمور وما قام في النّفوس ومعناه اصطلاحاً الاستقامة على طريق الحقّ واستعمال الأمور في مواضعها وأوقاتها ومقاديرها من غير تقصيرٍ ولا تأخير، فالعدل منهجٌ يأخذ المسلم من خلاله حقوقه ويعطي غيره حقوقه من غير ظلمٍ ولا نقصان وهذا بين المسلمين فهل العدل في التعامل مقتصر على التعامل مع المسلمين فقط.[2]
هل العدل في التعامل مقتصر على التعامل مع المسلمين فقط
لقد جعل الإسلام في تشريعه الحكيم تنظيماً لعلاقة المسلمين ببعضهم البعض كما نظّم أيضاً علاقة المسلمين بغيرهم من الذّميّين من أهل الكتاب، وجعل للتّعامل بين النّاس قوانين وقواعد تتّسم بالعدل وقد يتسائل أحدهم هل العدل في التعامل مقتصر على التعامل مع المسلمين فقط، إنّ الإسلام جعل للمسلم شرعاً قويماً يسير عليه وينتهج نهجه وقد حدّد الشّرع أموراً عديدة في تعامل المسلم مع غير المسلم، فمن باب العدل والإحسان مع غير المسلم أن يدعوه إلى الإسلام ويدعوه إلى الله ويبيّن له ماهية الإسلام وحقيقته فمن دلّ على الخير كفاعله، ويمتدّ عدل الإسلام بأن يوصي المسلمين بأن لا يظلموا أحداً من غير المسلمين لا في أموالهم ولا في أنفسهم ولا في أعراضهم ولا حتّى في أيّ جانبٍ من جوانب الحياة، بل امتدّ الأمر إلى جواز معاملتهم في البيع والشّراء من أمور التّجارة وحرّم الإسلام غشّهم وخيانتهم وقد صّح عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم أنه اشترى من اليهود والكفّار، فالإسلام يدعو إلى كلّ خير ويدعو للإبتعاد عن كلّ شر ولا فرق في الإسلام بالتعامل بين مسلمٍ أو غيره فالنّاس في نظر الإسلام سواسيةٌ كأسنان المشط، والاختلاف باللون والجنس واللغة ليس مدعاةً للتّنافر والتّباغض بل للتّعارف والتّقابل والدّعوة للخير، فالإسلام ينظر للإنسان على أنّه مكرّم ولا فضل لأحدٍ من النّاس على أحد إلا بالتّقوى، وقد أمر الإسلام باحترام الغير من النّاس قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ۖ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَٰهُنَا وَإِلَٰهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}،[3] فلقد قامت مبادئ الإسلام على احترام الكرامة الإنسانيّة والعدل بين النّاس وكلّ هذا لصون مشاعر الإنسان وصون كرامته فالعدل في التعامل لا يقتصر على التعامل مع المسلمين بل مع النّاس كافّة والله ورسوله أعلم.[4]
شاهد أيضًا: معنى هادوا تدينوا
صور من عدل الرسول مع غير المسلمين
بعد نزول الوحي على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهجرته من مكة إلى المدينة وقيام الدّولة الإسلاميّة، لم يكن من بدٍّ من وجود اليهود في المدينة المنورة وعيشهم بين المسلمين وكان منهم ثلاث قبائل كبيرة، مشكّلين قوّة اقتصاديّة ودينيّة كبيرتين وكان من غير الممكن على المسلمين أن لا يحتكّوا بهم ويعاملوهم بالتجارة وغيرها وقد أمر الإسلام بالعدل فهل العدل مقتصر في التعامل على التعامل مع المسلمين فقط، لا بل إنّ الإسلام أمر بالعدل في التّعامل بين المسلمين بعضهم ببعض والعدل مع غير المسلمين أيضاً وقد طبّق النّبيّ عليه الصّلاة والسّلامفي الكثير من المواقف وهذه صور من عدل الرسول مع غير المسلمين:[5]
- اختصم رجلان إلى النّبي عليه الصّلاة والسّلام الأول صحابيّ والثّاني يهوديّ، فلم يجد النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام إلا أن يطبّق العدل دون تمييز أو ميل لصاحبه على اليهوديّ، فالبيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر فلم يتمكّن الصّحابيّ الجليل بأن يمتلك بيّنة فما كان من النّبيذ إلا إن يطلب من اليهوديّ الحلف وهو يعلم أنّه سيحلف كذباً دون تردد وهذا من العدل المطلق الذي أمر به الإسلام.
- ومن صور عدل الرسول مع غير المسلمين أيضاً أنّه لمّا هُزم اليهود في خيبر وقبولهم الصّلح مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكان اليهود في موضع ضعفٍ والمسلمين موضع قوّة في ذلك الوقت قُتل رجلٌ من الأنصار في أرض اليهود والغالب أنّ اليهود هم من قتلوه لكن لم يكن هنالك بيّنة على ذلك فما كان من النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام إلا أن يطلب من اليهود أن يحلفوا بأنهم لم يقتلوا الرجل، فشعر الأنصار أنّ حقهم سيذهب فما كان من النّبيً إلا أن يدفع ديّة الرجل بنفسه لكي يهدئ روع الأنصار ولا يظلم اليهود، وذلك قمة العدل بين النّاس من المسلمين وغير المسلمين والله ورسوله أعلم.
شاهد أيضًا: حكم التطبيع مع إسرائيل
هل العدل في التعامل مقتصر على التعامل مع المسلمين فقط هو الموضوع الذي تناوله هذا المقال، حيث ورد فيه تعريف مفهوم العدل وأجاب عن التّساؤل حول العدل في التعامل مع غير المسلمين، وذكر صوراً من صور عدل الرسول مع غير المسلمين.
المصدر: السعادة فور