تهجير أهالي غزة.. مخطط قديم جديد أفشله الفلسطينيون

طرح الرئيس الأمريكي خطة لـ”تطهير” غزة، قائلاً إنه يريد من مصر والأردن، استقبال الفلسطينيين من القطاع من أجل إحلال السلام في الشرق الأوسط
لا تعد فكرة تهجير أهل غزة وإعادة توطينهم وليدة اليوم، إذ كثر الحديث من جانب الاحتلال الإسرائيلي حولها بسيناريوهات وصيغ عدة سواء بشكل دائم أو مؤقت، حيث يعود تاريخ طرح الفكرة على الرئيس المصري الراحل أنور السادات، مروراً بسلفه محمد حسني مبارك وحتى الآن مع الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي، وقد قوبلت دائماً برفض فلسطيني ومصري.
وأُعيد تسويق الفكرة أخيراً، لا سيما في إطار خطة “صفقة القرن” التي جاء بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال ولايته الأولى، والتي كانت تنص على توطين اللاجئين الفلسطينيين في دول اللجوء مقابل حوافز اقتصادية ومادية كبيرة لتلك الدول.
واليوم يعود ترامب مرة أخرى بطرح خطة وصفت بـ”الخبيثة” ترتكز على نقل سكان غزة إلى مصر والأردن من أجل إعادة الإعمار، واجهها رفض وإدانة لهذا المقترح، وتزامنت مع زحف كبير لسكان شمال القطاع الذين عادوا إلى مناطقهم المدمرة ويحذوهم الأمل في تعميرها.
مقترح ترامب
بعد أيام من دخول وقف إطلاق النار في غزة حيز التنفيذ، طرح الرئيس الأمريكي خطة لـ”تطهير” غزة، قائلاً إنه يريد من مصر والأردن، استقبال الفلسطينيين من القطاع من أجل إحلال السلام في الشرق الأوسط.
وقال ترامب، الذي وصف غزة بأنها “مكان مدمر” بعد الحرب، إنه ناقش مع ملك الأردن عبد الله الثاني المسألة، ومن المقرر بأن يبحثها أيضاً مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
وأشار الرئيس الأمريكي، إلى “أننا نتحدث عن مليون ونصف مليون شخص لتطهير المنطقة برمتها. كما تعلمون، على مر القرون، شهدت هذه المنطقة نزاعات عديدة. لا أعرف ولكن يجب أن يحصل أمر ما”.
وأوضح أن نقل سكان غزة يمكن أن يكون “موقتاً أو طويل الأجل”، مضيفاً: “أنه مكان مدمّر حرفياً الآن، كل شيء مدمّر والناس يموتون هناك”.
رفض واضح
تصريحات ترامب قابلها رفض مصري على لسان خارجيتها التي قالت (26 يناير 2025)، إنها ترفض أي محاولات تستهدف المساس بحقوق الشعب الفلسطيني، سواء من خلال الاستيطان وضم الأراضي، أو تهجير السكان من قطاع غزة.
وأشارت الخارجية المصرية إلى أن تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، سواء بشكل مؤقت أو دائم، يمثل تهديداً لاستقرار المنطقة ويزيد تعقيد الصراع، مما يقوض فرص تحقيق السلام والتعايش بين شعوبها.
وفي السياق نفسه جدد وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي تأكيد موقف بلاده الرافض لأي مخطط يهدف إلى تهجير الفلسطينيين، مشدداً على أن حل الدولتين هو الطريق الوحيد لتحقيق السلام في المنطقة، وأشار إلى أن الأردن لن يقبل بأي حلول للقضية الفلسطينية تأتي على حساب مصالحه الوطنية.
وتعليقاً على مقترح ترامب، توعد عضو المكتب السياسي لـ”حماس” باسم نعيم، بـ”إفشال” الخطة، قائلاً إن “شعبنا كما أفشل على مدار عقود كل خطط التهجير والوطن البديل، سيفشل كذلك مثل هذه المشاريع”.
من جهتها، أدانت حركة “الجهاد الإسلامي” المقترح، معتبرةً أن ذلك يشجع على ارتكاب “جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية”.
لن يتحقق
يرى الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني جهاد أبو العيس أن تصريحات ترامب “لن تتحقق”، مضيفاً: “القصة ليست لعبة بلايستيشن يتم الفوز بها بضغطة زر، لقد فشل ترامب طوال 4 سنوات هي فترة رئاسته الأولى في تطبيق ما سمي بصفقة القرن وفي تطويع الفلسطينيين”.
ويضيف في حديثه لـ”الخليج أونلاين”:
– ترامب فشل في فرض التطبيع وفي منع دخول المهاجرين من المكسيك وفي وضع قواعد جديدة في بحر الصين، وكل ما سبق سبقه وعيد وتهديد ووعود وعين حمراء.
– أعتقد أن ترامب ما زال يعيش نشوة الفوز الكبير على الرجل الهرم جو بايدن، وما يزال الأدرنالين مرتفع والتصفيق في ذروته لكن كل ذلك يختلف حين ننزل للحقيقة والواقع حين تصطدم التصريحات مع التعقيدات.
– رفضت كل من مصر والأردن التصريحات على الرغم من أن البلدين حليفين للولايات المتحدة، ما يعني أن ترامب لا يعي ما سيحدث من ارتدادات خطرة على واقع ومستقبل دولتين يعدان من الحزام القوي للسياسة الأمريكية في المنطقة واستقرارهما مسألة حساسة لـ”إسرائيل”.
– المطلوب أن تصر القاهرة وعمان على موقفهما الرافض وأن تكثفان من المساعي الدبلوماسية لدفع ترامب لترك هذه الأفكار المجنونة.
– إن ما يجري يعطي دلالة واضحة على أن كونك حليفاً للولايات المتحدة فهذا لن يحميك من أن تكون يوماً ضحية لها.
– بالخلاصة الشعب الغزي نجح في رهان الصمود على أرضه، والباقي على كل الدول التي تركته وحيداً يواجه المشروع الإسرائيلي.
رؤية ترامب
بدوره، يرى المحلل السياسي ناصر الخطري، أن خطة تهجير الفلسطينيين تعد جزءاً من رؤية ترامب للشرق الأوسط ضمن “مفهوم الإبراهيمية والتطبيع، وتوسيع حدود الاحتلال الإسرائيلي”.
لكنه مع ذلك يقول لـ”الخليج أونلاين”، إن هذه الخطوة “محاولة بائسة للقفز على الواقع الجيوسياسي الذي تشكل بعد الطوفان (عملية طوفان الأقصى)”، مضيفاً: “فرص إمكانية إنعاش التهجير بالسياسة ضئيلة بعد فشل فرضه عبر الحرب التي شاركت فيها جيوش العالم بالأسلحة والاستخبارات واستخدمت آلاف الأطنان لدكها، فيما نرى سكانها يعودن لشمالها المدمر وهم فرحون”.
وأكمل: “ترامب ورث تحديات كثيرة لكن التحدي الأكبر هو في طريقة تفكيره، حيث يرى أن أزمات العالم بكل تعقيداتها فرص يمكن استثمارها”.
وتابع: “يظن بأن كثير من المسائل السياسية التي لا تحلها السياسة يحلها المال، وأن السيسي سيقبل مقابل حفنة من الدولارات، لكنه لا يعلم أن المشكلة ليست في السيسي، بل المشكلة في الفلسطيني الذي يحكمه ميراث مؤتمن عليه بأنه لن يغادر أرضه مهما حدث وأنه متشبث بها”.
مخططات التهجير
عرف الفلسطينيون التهجير القسري عن وطنهم عام 1948، مع إعلان قيام دولة “إسرائيل”، وفي العام التالي أسست الأمم المتحدة وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) من أجل الاستجابة لاحتياجات لما يقرب من ثلاثة أرباع مليون فلسطيني.
وشهد عام 1953 طرح “خطة سيناء”، التي دعمتها واشنطن، وتشمل “تهجير فلسطينيين” لتلك البقعة المصرية، ولم تر النور، وفي عام 1970، تبنى قائد المنطقة الجنوبية بالجيش الإسرائيلي، أرئيل شارون، الذي أصبح لاحقاً رئيساً للوزراء، خطة لتفريغ قطاع غزة من سكانه، ولم تنجح في الاستمرار.
واستمرت المخططات مع عام 2000، مع تقديم القائد العسكري الإسرائيلي، غيورا أيلاند، مشروعاً يتضمن تقديم القاهرة تنازلات عن أراض في سيناء لصالح دولة فلسطينية مقترحة، مقابل امتيازات لمصر، ولم يكتب له النجاح.
وفي ولاية ترامب الأولى (2017 – 2021)، بدأ الحديث إعلامياً في 2018، عن خطة أمريكية لتهجير الفلسطينيين تحت ما سمي بـ”صفقة القرن”، وفي مارس 2019، أعلن ملك الأردن، عبد الله الثاني، رفض فكرة “الوطن البديل” والتوطين.
وكانت “حرب غزة”، محطة جديدة لعودة إسرائيلية لـ”مخطط التهجير”، حيث كُشف عن وثيقة في 17 أكتوبر 2023، تدعو لإبعاد الفلسطينيين إلى مصر، وفي 14 من الشهر التالي، دعا وزير المالية المتطرف، بتسلئيل سموتريتش، إلى “الهجرة الطوعية واستيعاب عرب غزة في دول العالم”.
وبعد يومين من إعلان ترامب خطته، تدفق مئات الآلاف من النازحين إلى مدينة غزة وشمال القطاع عبر شارع الرشيد الساحلي سيراً على الأقدام؛ بما يشبه السيل البشري في مشهد مهيب اختلطت فيه مشاعر الحنين بذكريات المعاناة.