انطلقت سفينة (تيتانيك) Titanic في رحلتها الأولى من ساوثهامبتون في إنجلترا إلى نيويورك يوم 10 أبريل 1912، وبعد ذلك بأربعة أيام اصطدمت السفينة بجبل جليدي، مما أدى إلى غرقها ومقتل أكثر من 1500 من الركاب وأفراد الطاقم الذين كانوا على متنها.
أصبحت هذه السفينة موضوع اهتمام كبير منذ غرقها منذ أكثر من 100 عام، ويقع حطامها الآن في قاع المحيط الأطلسي، حيث يوجد ضغط شديد، ودرجات حرارة منخفضة جدًا، ولا يوجد أي ضوء. ولاستكشاف بقايا حطام تيتانيك، انطلقت غواصة تُسمى (تيتان) Titan إلى أعماق المحيط الأطلسي يوم الأحد الماضي، وعلى متنها خمسة أشخاص.
وقال خفر السواحل الأمريكي إن طاقم الغواصة تيتان فقد الاتصال بسفينة الأبحاث الكندية (بولار برنس) Polar Prince بعد حوالي ساعة و 45 دقيقة من الغطس.
ما الذي حدث للغواصة تيتان؟
أعلن خفر السواحل الأمريكي يوم الخميس الماضي أن الغواصة تيتان المفقودة انفجرت بالقرب من حطام سفينة تيتانيك، مما أسفر عن مقتل جميع الأشخاص الخمسة الذين كانوا على متنها، وبذلك انتهت الرحلة التي كان من المفترض أن تكون مدتها 10 ساعات لاستكشاف حطام سفينة تيتانيك بمأساة، بعد رحلة بحث عن الغواصة المفقودة استمرت أسبوع وتابعها العالم عن كثب.
ونقلت شبكة (سي إن إن) عن عناصر الإنقاذ أنهم استخدموا روبوتات تُدار عن بعد – تحمل اسم (ROV) – للبحث تحت سطح البحر، وقد عثر روبوت منها على حطام قرب موقع السفينة تيتانيك. وأفاد خفر السواحل الأمريكي بأن الحطام الذي عُثر عليه هو من الجسم الخارجي للغواصة تيتان المفقودة.
الجدير بالذكر أن استخدام روبوتات (ROV) في استكشاف أعماق البحار أصبح سائدًا بشكل متزايد بسبب قدرتها على التنقل تحت الضغط الشديد للماء، وجمع البيانات القيمة دون المخاطرة بحياة البشر.
وقد جُهزت هذه الروبوتات المتطورة بكاميرات عالية الدقة وأجهزة استشعار متطورة، مما يسمح لها بالتقاط صور مفصلة وجمع عينات مهمة من أعماق المحيطات.
وقال الأدميرال (جون موجير) John Mauger، عضو القيادة الموحدة للبحث عن الغواصة تيتان إن الحطام الذي عُثر عليه أثناء البحث عن الغواصة يتوافق مع الانفجار الداخلي الكارثي لها.
إذ اكتشفت البحرية الأمريكية صوتًا يطابق انفجار داخلي يوم الأحد، وهو اليوم الذي اختفت فيه الغواصة، وعثرت فرق البحث منذ ذلك الحين، على شظايا من غواصة تيتان، مما يؤكد مقتل من كانوا على متنها.
لكن لا تزال هناك العديد من الأسئلة بينما تواصل السلطات البحث عن الحطام، وتشمل: متى حدث الانفجار الداخلي، وما هو الخطأ الذي حدث بالضبط في الغواصة أدى إلى هذا الانفجار؟
من الأشخاص الذين كانوا على متن الغواصة تيتان؟
كانت الغواصة تيتان تحمل خمسة أشخاص؛ هم: (ستوكتون راش) الرئيس التنفيذي لشركة (OceanGate) للرحلات السياحية التي صنعت الغواصة تيتان، و(هاميش هاردينج) طيار بريطاني، و(شهزاده داود) رجل أعمال باكستاني بريطاني، ونجله (سليمان شهزاده داود)، و(بول هنري نارجوليت) غواص فرنسي ويشغل منصب مدير الأبحاث تحت الماء في (RMS Titanic Inc)، وهي الشركة التي لديها حقوق حصرية لإنقاذ القطع الأثرية من سفينة تيتانيك.
وقد كان للغواص الفرنسي (بول هنري نارجوليت) عقود من الخبرة في استكشاف تيتانيك، فبحسب سيرته الذاتية على موقع الشركة، كانت المرة الأولى التي غاص فيها إلى تيتانيك في يوليو 1987، وأكمل هنري 35 رحلة غوص إلى حطام تيتانيك وأشرف على استعادة 5000 قطعة أثرية، كما أمضى 22 عامًا في البحرية الفرنسية.
تعود ملكية الغواصة (تيتان) إلى شركة (OceanGate)، وهي شركة خاصة مقرها في العاصمة الأمريكية واشنطن، أسسها مهندس الطيران (ستوكتون راش) في عام 2009. وبحسب نيويورك تايمز تعمل الشركة على تسيير رحلات استكشافية عبر غواصاتها إلى الأماكن المجهولة.
وتتركز رحلات الشركة على استكشاف حطام السفن، والأودية العميقة تحت الماء، وبالإضافة إلى ذلك؛ تملك الشركة أيضًا غواصات مخصصة لأغراض البحث العلمي والمشاريع التجارية.
ما هي مواصفات الغواصة تيتان؟
تيتان هي غواصة صغيرة على هيئة كبسولة للبحث ومسح أعماق البحار، يمكنها حمل خمسة أشخاص، عادة ما يكونوا قائد الغواصة وأربعة متخصصين في المهمات، مثل: علماء الآثار أو علماء الأحياء البحرية أو أي شخص يمكنه تحمل تكلفة التجربة كسائح.
صُنع جسم الغواصة تيتان من التيتانيوم وألياف الكربون، ويصل وزنها إلى نحو 10 آلاف كيلوجرام، وهو وزن خفيف جدًا بالنسبة لغواصة، ويبلغ طولها نحو 6.7 أمتار، وتتحرك بسرعة ثلاث عقد بحرية تقريبًا، ويمكنها حمل 5 أشخاص لمدة 96 ساعة وهذا هو وقت نفاد الأكسجين المعبأ فيها.
ويمكنها الغوص حتى 4000 متر تحت سطح الماء، وذلك بهدف الاستكشاف والبحث وجمع البيانات وتصوير الأفلام وغيرها، ولا توجد مساحة كافية للركاب على متن الغواصة للجلوس باعتدال أو الوقوف نظرا للمساحة الصغيرة.
تقع تيتانيك في قاع المحيط على عمق 12500 قدم – أي 3800 متر – تحت مستوى سطح البحر، والغواصة تيتان يمكنها الغوص إلى عمق 13120 قدم أي 4000 متر تقريبًا.
إليك المواصفات الكاملة للغواصة تيتان:
- تزن نحو 10 آلاف كيلوجرام، ويبلغ طولها نحو 6.7 أمتار.
- تصل سرعتها إلى 3 عُقد بحرية، وهو ما يساوي 5.6 كم/ساعة.
- تحمل 5 أشخاص.
- يمكنها الغوص إلى أعماق تصل إلى 4000 متر.
- مصنوعة من ألياف الكربون والتيتانيوم، مما يجعلها خفيفة الوزن عن الغواصات العادية.
- مزودة بمجموعة متنوعة من أجهزة الاستشعار
- لديها نظام أكسجين معبأ يمكنه أن يحافظ على حياة الطاقم لمدة تصل إلى 96 ساعة.
- تبلغ تكلفة المقعد في غواصة تيتان 250 ألف دولار للشخص الواحد.
ما مدى أمان الغواصة تيتان؟
بعد اختفاء الغواصة تيتان وأثناء رحلة البحث عنها؛ ظهرت تقارير قديمة عن وثائق المحكمة من قضية في عام 2018 كشفت أن شركة (OceanGate) المُصنعة للغواصة، طردت الموظف (ديفيد لوكريدج) David Lochridge بعد أن أعرب عن مخاوفه بشأن سلامة تصميم الغواصة، وبروتوكول الشركة لاختبار موثوقية الهيكل.
اختلف (لوكريدج) مع شركة (OceanGate) حول أفضل طريقة لإثبات مدى أمان الغواصة، واعترض على قرار الشركة بالغوص دون إجراء “اختبار غير تدميري (NDT )” لهيكل الغواصة لإثبات سلامتها.
كان (لوكريدج) مدير العمليات البحرية في الشركة في ذلك الوقت، ومسؤولًا عن سلامة جميع الطاقم والعملاء، وقد أعرب في البداية عن مخاوفه بشأن سلامة الغواصة وجودتها شفهيًا للإدارة التنفيذية للشركة، ولكن الإدارة تجاهلت كل هذه المخاوف.
ثم قدم (لوكريدج) تقريرًا مكتوبًا إلى الإدارة يحذرهم من المشكلات التقنية الموجودة في الغواصة، وأكد تقريره على وجود عيوب في الغواصة تشمل عيوبًا في الهيكل والتصميم، مع الإشارة إلى أن الغواصة لا تحتمل الغوص لأكثر من 1300 متر، في حين تخطط الشركة إلى الغوص بها إلى 4000 متر.
ثم بعد ذلك؛ فصلت الشركة ((لوكريدج)، ورفعت دعوى قضائية ضده لكشفه عن معلومات سرية حول الغواصة (Titan).
وفي عام 2018 أيضًا، أرسلت لجنة المركبات المأهولة تحت الماء التابعة لجمعية التكنولوجيا البحرية (MTS) إلى شركة (OceanGate) خطاب وقّعه 38 خبيرًا أعربت فيه عن تحفظات بشأن سلامة الغواصة، وحذرت من مشاكل كارثية محتملة في تطوير الغواصة ومهمتها المخطط لها للقيام بجولة حول حطام تيتانيك، وفقًا لصحيفة نيويورك تايمز.
وكما هو واضح؛ لم تلتفت الشركة إلى هذه المخاوف كلها، وقررت الاستمرار في رحلاتها، حتى وصلت إلى المرحلة الأخيرة التي فقدت فيها الغواصة تيتان بطاقمها.
