قفزة نحو المستقبل.. الطاقة النظيفة في قلب الصناعة القطرية

المحلل الاقتصادي أحمد عقل:
تنفيذ مشاريع الطاقة الشمسية في المناطق الصناعية يُعد خطوة استراتيجية نحو تعزيز الاستدامة في قطر.
هذه المشاريع لا تقتصر على خفض التكاليف البيئية والصحية فحسب، بل تساهم أيضاً في تحسين بيئة العمل ورفع الإنتاجية داخل المناطق الصناعية.
في تطور لافت يعكس تحولاً استراتيجياً في توجهات الطاقة داخل الدولة، تمضي قطر في تنفيذ سلسلة من المشاريع الكبرى للطاقة الشمسية ضمن مناطقها الصناعية.
تأتي تلك المشاريع في إطار رؤية طموحة تهدف إلى تنويع مصادر الطاقة، وخفض الانبعاثات الكربونية، وتحقيق توازن بيئي واقتصادي يتماشى مع رؤية قطر الوطنية 2030.
كما يجسد مشروع محطة الطاقة الشمسية العملاقة في منطقة دخان، بطاقة إنتاجية تبلغ 2000 ميغاواط، أحدث حلقات هذا التحول، حيث من المقرر الشروع في تنفيذها قبل نهاية العام الجاري.
وتشير التقديرات إلى أن هذه المحطة، عند اكتمالها، سترفع القدرة الإنتاجية للطاقة الشمسية في البلاد إلى 4000 ميغاواط، أي ما يعادل 30% من إجمالي إنتاج الكهرباء في قطر بحلول 2030.
بحسب ما أورد “تلفزيون قطر” تعتبر هذه المحطة ضمن أكبر محطات الطاقة الشمسية على مستوى العالم، وتتميز محفظة الطاقات الشمسية التابعة لقطر بقدرة توليد إجمالية للطاقة الكهربائية تبلغ 875 ميغاواط، ومن المقرر تدشينها خلال شهر أبريل الجاري وتضم:
-
محطة الخرسعة التي دشنت عام 2022 بسعة تبلغ 800 ميغاواط من الكهرباء.
-
محطتان في مدينتي مسيعيد و”راس لفان” الصناعيتين باستثمارات تبلغ 631.8 مليون دولار.
حلول مثالية
اللافت في خريطة مشاريع الطاقة الشمسية في قطر، هو وجودها داخل مناطق صناعية كبرى مثل راس لفان ومسيعيد، بالإضافة إلى دخان.
ويبدو أن ذلك يعكس استراتيجية دقيقة تهدف إلى توفير الطاقة مباشرة عند مصادر الاستهلاك الأعلى، وتقليل الضغط على شبكة الكهرباء الوطنية.
كما يعزز هذا التوجه استقلالية المناطق الصناعية في الطاقة، ما يمنحها مرونة في التشغيل، ويدعم تنافسية المنتجات القطرية في الأسواق الدولية التي باتت تُقيّم البضائع على أساس بصمتها الكربونية.
التحول في قطر لا يقتصر على الشمس، فبالتوازي مع مشاريع الطاقة الكهروضوئية، تعمل “قطر للطاقة” على تطوير مشروع “الأمونيا 7” الذي يقام على أرض منطقة مسيعيد الصناعية.
هذا المشروع يعدّ أكبر مشروع لإنتاج الأمونيا الزرقاء في العالم، بطاقة إنتاجية تصل إلى 1.2 مليون طن سنوياً، والمقرر أن يبدأ الإنتاج في الربع الأول من عام 2026.
الأمونيا الزرقاء تُنتج من الهيدروجين الطبيعي مع التقاط وتخزين ثاني أكسيد الكربون، ما يجعلها حلاً مثالياً لتوفير طاقة نظيفة وكثيفة الاستخدام، لا سيما في القطاعات الصناعية الثقيلة، والشحن البحري، وإنتاج الأسمدة.
وتعدّ الأمونيا الزرقاء ركيزة محورية في مستقبل الطاقة الصناعية، لأنها قابلة للتصدير، وسهلة النقل، وتلبي معايير الحياد الكربوني التي تزداد أهمية في الاقتصاد العالمي.
بنية تحتية تواكب المرحلة
وضمن جهودها الشاملة، تعمل قطر للطاقة على توسيع مرافق التقاط وتخزين ثاني أكسيد الكربون، وهو ما يُعد أحد أعمدة التحول إلى اقتصاد منخفض الكربون.
وتُشير الشركة في استراتيجيتها إلى أن هذه الخطوات ليست مجرد مشروعات منعزلة، بل جزء من رؤية متكاملة للاستدامة.
فمن خلال الدمج بين الطاقة الشمسية، والأمونيا الزرقاء، وتكنولوجيا التقاط الكربون، تسعى قطر إلى خلق منظومة طاقة متعددة المصادر، تقلل الاعتماد على الوقود الأحفوري داخلياً، وتزيد من قدراتها التصديرية خارجياً.
ما يميز استراتيجية “قطر للطاقة” أنها لا تقتصر على الأبعاد البيئية، بل توازن بين الاعتبارات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، كما تنص رؤية قطر الوطنية 2030.
فالمشاريع الجديدة تفتح فرص عمل متقدمة في مجالات الطاقة النظيفة، والهندسة، والصيانة، فضلاً عن أنها تدفع بالمؤسسات الصناعية المحلية نحو تحديث بنيتها التحتية والتكيف مع معايير الاستدامة العالمية.
اقتصاد صناعي نظيف
ومع اكتمال مشروع محطة دخان ودخول محطة الأمونيا 7 مرحلة الإنتاج، ستكون قطر قد قطعت شوطًا نوعياً في مسار الانتقال إلى الطاقة النظيفة، ليس فقط في توليد الكهرباء، بل أيضاً في خلق اقتصاد صناعي منخفض الانبعاثات.
وبينما تستعد المنطقة والعالم لموجات متسارعة من التحول المناخي والتقني، تراهن قطر على أن تكون السبّاقة لا المتأخرة، وأن تنتقل من كونها دولة مصدرة للغاز فقط، إلى لاعب رئيسي في سوق الطاقة المستدامة عالمياً.
حول ذلك يؤكد المحلل الاقتصادي أحمد عقل، أن تنفيذ مشاريع الطاقة الشمسية في المناطق الصناعية يُعد خطوة استراتيجية نحو تعزيز الاستدامة في قطر، مشيراً إلى أن هذه المشاريع لا تقتصر على خفض التكاليف البيئية والصحية فحسب، بل تساهم أيضاً في تحسين بيئة العمل ورفع الإنتاجية داخل المناطق الصناعية.
وأوضح في حديث لـ”الخليج أونلاين”:
-
قطر بدأت منذ سنوات في الاستثمار بمحطات الطاقة الشمسية والنظيفة، سواء داخل الدولة أو خارجها، كجزء من رؤية مستدامة بعيدة المدى.
-
يجري العمل حالياً على رفع القدرة الإنتاجية من 2000 إلى 4000 ميغاواط، ضمن خطة طموحة لتوسيع مشاريع الطاقة الشمسية.
-
مشاريع الطاقة النظيفة هذه تساهم في تقليل التكاليف المرتبطة بالصحة والزراعة والبيئة، وتحسّن بيئة العمل والإنتاجية العامة.
-
التوجه نحو الطاقة المتجددة يعزّز من جاذبية المنتجات القطرية ويحسن صورة قطر كدولة توازن بين الاستثمار والتنمية المستدامة.
-
رغم امتلاك قطر احتياطات كبيرة من النفط والغاز، لكن الاعتماد على الطاقة المتجددة يقلل من كلفة الاستهلاك المحلي ويوفر تنوعًا في مصادر الطاقة.
-
الاستثمار في الطاقة الشمسية يمنح قطر فرصة لبناء نموذج معرفي وإداري، يمكن تصديره لاحقاً إلى الخارج كما فعلت سابقاً في مجال الغاز.
-
هذه الخطوة تشبه تجربة “قطر للغاز”، حيث تم البدء داخلياً ثم التوسع خارجياً بعد تراكم الخبرة وتطوير القدرات المحلية.
-
المشاريع الجديدة في الطاقة الشمسية يمكن أن تكون بوابة استثمار خارجي، بما يرسخ مكانة قطر في قطاع الطاقة المتجددة عالمياً.
-
انخفاض أسعار النفط والغاز محلياً قد يحدّ من الحافز الفوري للتوسع في مصادر الطاقة البديلة.
-
مشاريع الطاقة النظيفة تتطلب استثمارات كبيرة في المراحل الأولى، رغم امتلاك قطر القدرة على تغطيتها.
-
الحاجة إلى خبرات جديدة في الطاقة النظيفة، حيث يتركز معظم المتخصصين حالياً في مجالات الغاز والنفط.
-
دخول قطر إلى سوق الطاقة الشمسية يضعها في مواجهة منافسين كبار مثل الصين، الولايات المتحدة، كندا، وأستراليا.