الاخبار

احتياط بلا استعداد.. أزمة حقيقية تهدد قدرة جيش الاحتلال العسكرية

يعاني جيش الاحتلال في هذه المرحلة من تراجع كبير في أعداد القوة البشرية المتاحة له

تشهد دولة الاحتلال الإسرائيلي أزمة عميقة وغير مسبوقة في صفوف جنود الاحتياط، ما ينعكس بشكل مباشر وسلبي على جاهزية الاحتلال وقدرته على توسيع عدوانه العسكري المتواصل على قطاع غزة، وخصوصاً في ما يتعلق بإمكانية تنفيذ عملية برية واسعة النطاق.

وتتمثل الأزمة الجوهرية في تنامي ظاهرة امتناع أعداد متزايدة من جنود الاحتياط عن تلبية أوامر الاستدعاء الصادرة عن قيادة الجيش، الأمر الذي يضع المؤسسة العسكرية أمام تحدٍ حقيقي، نظراً لاعتمادها الكبير على قوات الاحتياط، التي تشكل العمود الفقري لعدد من وحداتها القتالية.

وتشير التقديرات إلى أن جيش الاحتلال يستخدم ما يقرب من 83% من فرق الاحتياط لتعويض النقص الحاد في الموارد البشرية لديه، لا سيما بعد استنزاف مستمر منذ بدء العدوان على غزة.

ويعزو مراقبون ومحللون إسرائيليون هذا الامتناع المتزايد إلى حالة الإنهاك الجسدي والنفسي التي أصابت الجنود نتيجة طول أمد الحرب، فضلاً عن شعورهم بانعدام جدوى العدوان، في ظل غياب أهداف واضحة ومحددة يمكن تحقيقها عسكرياً، مما أدى إلى تآكل الحافز لدى الجنود للانخراط مجدداً في القتال.

وفي تطور لافت يعكس حجم التصدع داخل المؤسسة العسكرية، نشر نحو 970 من جنود الاحتياط الحاليين والسابقين في سلاح الجو الإسرائيلي رسالة مفتوحة، دعوا فيها إلى العمل الفوري على إعادة جميع الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في قطاع غزة، حتى وإن تطلب ذلك وقف الحرب بشكل كامل.

وتضمنت الرسالة مطالبات واضحة بإعادة تقييم جدوى استمرار العمليات العسكرية، مشددين على أن إنهاء الحرب بات ضرورة ملحة.

وقد وقع على الرسالة عدد من كبار القادة السابقين في جيش الاحتلال الإسرائيلي، من بينهم رئيس هيئة الأركان الأسبق الفريق احتياط دان حلوتس، والقائد السابق لسلاح الجو اللواء احتياط نِمرود شيفِر، والرئيس السابق لهيئة الطيران المدني العقيد المتقاعد نيري يركوني.

وأحدثت هذه الرسالة صدى واسعاً داخل الأوساط السياسية والعسكرية والإعلامية في دولة الاحتلال، حيث تصدرت عناوين الصحف والنشرات الإخبارية، بما في ذلك هيئة البث الإسرائيلية الرسمية.

وبحسب تقارير إعلامية، فقد أثارت الرسالة موجة من الجدل داخل المستويات العليا في سلاح الجو، حيث وصفها البعض بأنها تعبير صريح عن حجم الإحباط والتذمر داخل صفوف الجنود والقادة على حد سواء.

في المقابل، شن وزير الحرب الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، هجوماً لاذعاً ضد أصحاب الرسالة، معتبراً إياها “محاولة خطيرة للنيل من شرعية الحرب”، التي وصفها بـ”العادلة والضرورية”.

تراجع القوات

ويعاني جيش الاحتلال في هذه المرحلة من تراجع كبير في أعداد القوة البشرية المتاحة له، وهو ما دفعه إلى سحب بعض الوحدات من مجالات غير قتالية، مثل وحدات الحرب الإلكترونية، وزجها في مهام ميدانية لتعويض النقص في صفوف القوات القتالية.

ويشير مراقبون إلى أن هذا التوجه يعكس أزمة عميقة في توزيع الموارد العسكرية، ويدل على ضعف الاستعداد الاستراتيجي لحرب طويلة الأمد.

ووفقاً لما أوردته تقارير إسرائيلية متعددة، فإن نسبة الاستجابة لأوامر الاستدعاء آخذة في التراجع بشكل متسارع، لا سيما منذ أواخر شهر أبريل وحتى بداية مايو 2025، ما يؤشر إلى تنامي حالة الإرهاق والرفض في أوساط الجنود والضباط على حد سواء، ويطرح تساؤلات جدية حول قدرة الجيش على مواصلة عملياته العسكرية ضمن الوتيرة الحالية.

هذا التراجع في الجاهزية البشرية دفع قيادة الجيش إلى تقليص حجم العمليات المخطط لها، ما قد يجبر المؤسسة العسكرية على إعادة النظر في استراتيجياتها تجاه قطاع غزة، بما في ذلك اللجوء إلى حلول غير عسكرية، أو محاولة تعزيز المسار الدبلوماسي للخروج من المأزق.

إجراءات عقابية

في محاولة لاحتواء الأزمة، اتخذ رئيس أركان جيش الاحتلال، الجنرال إيال زامير، قرارات عقابية بحق عدد كبير من جنود وقادة الاحتياط الموقعين على الرسالة المعارضة لاستمرار الحرب. ففي أبريل الماضي، صادق زامير على قرار يقضي بفصل قرابة ألف جندي احتياط وعدد من القادة الكبار من الخدمة، على خلفية مواقفهم المناهضة للحرب.

وأكد زامير في تصريحات رسمية أن توقيع الجنود على مثل هذه العرائض يعد سلوكاً غير مقبول ومنافياً للقوانين العسكرية، موضحاً أنه “لا يمكن السماح لعسكريين يخدمون في قواعد الجيش بأن يوقعوا على رسائل ضد العمليات الجارية، ثم يعودوا إلى الخدمة وكأن شيئاً لم يكن”.

ويأتي هذا القرار في سياق سعي المؤسسة العسكرية إلى فرض الانضباط داخل صفوفها، وردع أي توجهات مشابهة قد تظهر مستقبلاً، غير أن هذه الإجراءات قد تؤدي، بحسب مراقبين، إلى تعميق الأزمة وزيادة التوتر داخل الجيش، لا سيما مع استمرار تآكل الثقة بين الجنود والقيادة السياسية والعسكرية.

أزمة حقيقية

الخبير في الشأن الإسرائيلي عماد أبو عواد أكد أن أزمة جنود الاحتياط في (إسرائيل) تعد أزمة حقيقية وعميقة، موضحا أنها ترتبط بشكل مباشر بعدم قدرة إسرائيل على تجنيد نحو 80 ألفاً من الحريديم، الذين يفترض أن يكونوا ضمن منظومة جنود الاحتياط، ولكنهم مستثنون فعليًا من الخدمة.

وقال أبو عواد لـ”الخليج أونلاين”: إن “الأزمة تفاقمت نتيجة تراجع نسبة الاستجابة من قبل عدد كبير من جنود الاحتياط لأوامر الالتحاق بالخدمة العسكرية، وهو ما ألقى بظلاله على قدرة جيش الاحتلال الإسرائيلي في الحفاظ على جاهزيته، لا سيما في ظل استمرار العمليات العسكرية في قطاع غزة”.

وأضاف أن هذه الأزمة قد تؤثر بشكل مباشر على قدرة الجيش الإسرائيلي في إدارة حرب برية واسعة، خاصة إذا ما تصاعدت الجبهات في مناطق أخرى مثل لبنان وسوريا والضفة الغربية.

ورغم ذلك، يرى أبو عواد أن (إسرائيل) ما زالت قادرة على تنفيذ عمليات برية في قطاع غزة، ولكن ليس بالحجم أو السرعة أو القوة التي تطمح إليها.

وأوضح أن دولة الاحتلال تعتمد حالياً على تكتيكات عسكرية مرنة، تقوم من خلالها بالتوغل في بعض المناطق داخل قطاع غزة، للسيطرة عليها مؤقتاً قبل أن تنسحب منها، وهو أسلوب يعكس محدودية القدرة على البقاء لفترات طويلة داخل الأراضي المستهدفة.

وأكد أبو عواد أن هذا النقص في الموارد البشرية، خاصة على مستوى جنود الاحتياط، ستكون له تأثيرات عميقة على (إسرائيل) في مختلف الجبهات، مشيراً إلى أنه حتى في حال تحقيق السيطرة الأمنية المؤقتة، فإن عدم توفر العدد الكافي من الجنود سيجعل من الصعب على تل أبيب الحفاظ على وجودها واستمرار عملياتها في تلك المناطق على المدى الطويل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى