الاخبار

اللهجات السعودية.. جهود حثيثة لتوثيق إرث لغوي ثمين

يتضمن مشروع “مدونة أصوات” دمج البيانات في تطبيقات الذكاء الاصطناعي مثل التعرّف على الصوت والترجمة الآنية؛ ما يسهل التواصل ويعزز فهم اللهجات المستعملة في الحياة اليومية.

تمثل اللهجات المحلية في السعودية إرثاً غنياً ومتنوعاً يعكس عراقة تاريخها، ويمثل حجر الزاوية في الهوية الثقافية للمجتمع، كما أنها تُعد أحد أبرز مظاهر التنوع الجغرافي والاجتماعي في المملكة.

وفي ظل هذا المخزون التاريخي تتزايد الجهود للحفاظ على هذه اللهجات وتوثيقها أكاديمياً وإعلامياً قبل أن تندثر بفعل العولمة والرقمنة، وأحدث تلك الجهود مشروع “مدوّنة أصوات” الذي يعمل مجمع الملك سلمان العالمي على إنجازه لتوثيق 52 لهجة محلية من مختلف مناطق المملكة.

والجديد هذه المرة أن المملكة تحاول الاستفادة من التقنيات الذكية، من خلال دمج بيانات تلك اللهجات في تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وهذا جوهر مشروع “مدوّنة أصوات” الذي هو قيد التنفيذ.

ثراء لغوي

تتميّز السعودية بإرث لغوي شفهي، وتنوع لهجي، كانعكاس للمساحة الجغرافية الكبيرة، وتناثر السكان في ثنايا المملكة، من السواحل إلى المدن والحواضر، وقد أسهم ذلك في الحفاظ على اللهجات المحلية رغم التحديات الراهنة.

يقول الدكتور عبد الرزاق الصاعدي، في مقال على صحيفة “الجزيرة” السعودية عام 2022، إن اللهجات السعودية لا تزال متصلة بأصولها على المستويين الصوتي والصرفي إلى هذا الزمان.

وتحتضن المملكة عشرات اللهجات التي تنتمي إلى فروع مختلفة من اللغة العربية، ويمكن تصنيفها جغرافياً إلى خمس مجموعات، وفق مصادر سعودية عدة، هي كالتالي:

اللهجة النجدية: تُستخدم في الرياض والقصيم وحائل، وتتميّز بخصائص نحوية وصوتية تميزها عن سائر اللهجات، مثل قلب حرف “ج” إلى “ي” أحياناً، أو الاحتفاظ بـ”ق” أصلية.

اللهجة الحجازية: وتُسمع في جدة ومكة والطائف، وتتميّز بنطق مرن واستخدام مفردات مستعارة من التركية والفارسية نتيجة التأثيرات التاريخية.

اللهجة الجنوبية: شائعة في عسير وجازان ونجران، وهي أقرب اللهجات السعودية إلى اللغة العربية القديمة، لا سيما من ناحية استخدام الضمائر والتصريف.

اللهجة الشرقية: يتحدث بها سكان الدمام، والأحساء، والجبيل، وتظهر فيها تأثيرات بحرينية وكويتية، خاصة في نطق بعض الحروف مثل قلب “ك” إلى “چ”.

اللهجات البدوية: تُستخدم في شمال المملكة وغربها، وتُحافظ على مفردات وتركيبات نحوية قديمة ما زالت حية في المجتمعات البدوية.

جهود للتوثيق

جنباً إلى جنب مع حرص المملكة على خوض السباق العالمي في مختلف مجالات التقدم، فإنها تسعى إلى توثيق تراثها، وإظهاره للعالم، ومن ذلك تراثها الثقافي واللغوي.

مؤخراً كشف مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية عن مشروع “مدوّنة أصوات”، الذي سيوثّق في مرحلته الأولى 52 لهجة محلية من مختلف مناطق المملكة.

وأشار المجمع لموقع “العربية نت” إلى أن المشروع يتضمن أيضاً إمكانية دمج البيانات في تطبيقات الذكاء الاصطناعي، لافتاً إلى أن المدونة ما تزال تخضع للعمل على أدواتها، كما أنها باقية في إطار التطوير والاختبار.

ويهدف مشروع المدونة إلى الحفاظ على اللهجات السعودية، “إذ يمتد أثر المشروع إلى إمكانية دمج البيانات في تطبيقات الذكاء الاصطناعي، مثل التعرّف على الصوت والترجمة الآنية، ما يسهل التواصل ويعزز فهم اللهجات المستعملة في الحياة اليومية”.

كما يهدف المشروع إلى تزويد الباحثين بقاعدة بيانات صوتية رصينة لدراسة تطوّر اللهجات وأثر العوامل الاجتماعية والاقتصادية عليها، فضلاً عن سعي المدونة إلى رفع الوعي الشعبي بالتنوع اللهجي، وتعزيز ارتباط الأجيال الجديدة بلهجاتها المحلية.

وتتضمن المدونة الجديدة حزمة أدوات تحليلية، منها “الكشاف الصوتي، وخريطة الأصوات، والتصاحب اللفظي، وقائمة الشيوع، إضافة إلى أداة لإثراء المدونة والتحقق من اللهجات، والمتاحة للاستعمال العام”.

ووفق الموقع السعودي، فإن المدونة تتضمن مجموعة من الموضوعات المتنوعة، من بينها “سرد القصص المصوّرة، والحديث عن الأماكن، والأطعمة، والعادات والتقاليد، والأعياد، والمواقف اليومية، والاقتباسات”.

ومنذ نحو عام يعمل المجمع على مشروع المدونة، ليصبح مرجعاً عالمياً للهجات السعودية، ويجمع لهجات مما يزيد عن 40 نقطة جغرافية داخل المملكة.

جهود سابقة

ومن شأن المدونة التي يعمل عليها مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية أن تُشكّل أول قاعدة بيانات وطنية شاملة لتوثيق اللهجات السعودية المحلية.

وما هو موجود اليوم في المملكة لا يعدو كونه مشروعات بحثية، أو مبادرات فردية، أو برامج وثائقية تلفزيونية، منها على سبيل المثال مبادرة “أطلس اللهجات السعودية” التي أطلقتها جامعة الملك سعود عام 2020 لجمع البيانات اللغوية ميدانياً وتوثيقها وفق منهج علمي.

إلى جانب ذلك هناك مبادرات فردية على شكل حسابات على منصّات “يوتيوب” و”إكس”، لتقديم محتوى باللهجات المحلية لتعريف الشباب بها، إضافة إلى برامج تلفزيونية مثل برنامج “اللهجات” الذي تقدمه القناة الثقافية السعودية.

ويسهم تمسك المواطنين باللهجات المحلية في تعزيز الجهود الحكومية لتوثيق اللهجات، ووفق تقرير نشره مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي “إثراء” في 2023، فإن قرابة 62% من السعوديين يفضّلون استخدام لهجتهم المحلية في التواصل اليومي، بينما يرى 78% أن اللهجات تمثل جزءاً أصيلاً من الهوية الثقافية.

ولأن المملكة مقبلة على مرحلة انفتاح ثقافي وسياحي، فقد أصبحت قبلة لملايين القادمين لاستكشاف الثقافة والأماكن التراثية والسياحية فيها، فإن ذلك يضع تحديات تتعلق باللهجات، وضرورة توفير أدوات عصرية لاستيعابها، وهذا ما توفّره تطبيقات الذكاء الاصطناعي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى