استثمار وتقارب.. حقبة واعدة تنتظر العلاقات الأمريكية السعودية

مع تولي ترامب الحكم رسمياً بعد أدائه اليمين الدستورية، في 20 يناير الجاري، تنتظر العلاقات السعودية الأمريكية حقبة واعدة من التعاون والشراكة البناءة.
مع عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مرة أخرى إلى السلطة، تتجه العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية إلى العودة إلى أوجها في التعاون المشترك، بعد الفتور خلال حقبة الرئيس السابق جو بايدن.
والرياض، أكبر حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط، دفعتها سياسات الإدارات الديموقراطية المتعاقبة (باراك أوباما 2009 – 2017) وجو بايدن (2021 -2021)، إلى تنويع شراكتها السياسية والاقتصادية والأمنية سواء مع روسيا والصين والمصالحة مع إيران.
وفور فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية، في نوفمبر الماضي، سارع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان إلى إرسال تهنئته، وعبرا عن أملهما في تعزيز العلاقات بين البلدين.
حقبة واعدة
ومع تولي ترامب الحكم رسمياً بعد أدائه اليمين الدستورية، في 20 يناير الجاري، هنأه مجلس الوزراء السعودي وأشاد “العلاقات المتميزة” بين البلدين.
كما ألمح الرئيس الأمريكي إلى إمكانية أن تكون المملكة أولى وجهاته الخارجية كما فعل في ولايته الأولى عام 2017، حين أبرم البلدان سلسلة اتفاقيات بقيمة 450 مليار دولار، إذا وافقت على رفع استثماراتها في الولايات المتحدة إلى 600 مليار دولار.
ورداً على سؤال حول وجهته الخارجية الأولى في ولايته الثانية كرئيس للولايات المتحدة قال (الأربعاء 22 يناير): إن “أول رحلة خارجية عادة ما تكون إلى المملكة المتحدة”، لكنه لا يمانع تحويلها إلى السعودية إذا وافقت على شراء منتجات أمريكية على غرار ما حدث في بداية ولايته الأولى.
وعند سؤاله مجدداً: “إلى أين تخطط للذهاب الآن؟”، رد ترامب قائلاً: “لا أعرف. إذا أرادت المملكة العربية السعودية شراء ما قيمته 450 أو 500 مليار دولار أخرى، وسنرفعها بسبب التضخم، فأعتقد أنني سأذهب إلى هناك على الأرجح”.
وعلى الفور أبدى ولي العهد السعودي استعداد بلاده إلى الاستثمار في الولايات المتحدة، خلال السنوات الأربع من حكم ترامب، بنحو 600 مليون دولار، وذلك خلال اتصال هاتفي مع الرئيس الأمريكي بحسب وكالة الأنباء السعودية “واس”.
وبحسب “واس” أكد محمد بن سلمان، رغبة المملكة في توسيع استثماراتها وعلاقاتها التجارية مع الولايات المتحدة في السنوات الأربع المقبلة بمبلغ 600 مليار دولار مرشحة للارتفاع حال أتيحت فرص إضافية.
من جهته عبر ترامب عن “شكره وتقديره” للعاهل السعودي وولي عهده على تهنئتهما بتوليه الرئاسة، مؤكداً “حرصه على العمل مع القيادة السعودية على كل ما من شأنه خدمة مصالحهما المشتركة”، وفق “واس”.
يؤكد الكاتب خالد بن حمد المالك في مقال له بصحيفة “الجزيرة” السعودية (24 يناير) أن “إعلان ولي العهد رغبة المملكة بتوسيع استثماراتها التجارية في أمريكا، يأتي انطلاقاً من قناعة الرياض بقدرة إدارة الرئيس ترامب على خلق ازدهار اقتصادي غير مسبوق تسعى المملكة للاستفادة من الفرص المتاحة فيه للشراكة والاستثمار”.
ويضيف: “من الواضح أن الاستثمارات التي تخطِّط المملكة لتوسيعها داخل أمريكا، إنما هي لاستكمال الشراكات الاقتصادية والتجارية التي بدأتها المملكة منذ الفترة الرئاسية الأولى للرئيس ترامب، والتي شملت العديد من الفرص في القطاعات الواعدة”.
كما يؤكد أن من بينها “تلك التي لها انعكاسات مباشرة في نقل وتوطين التقنية، وخلق الفرص الوظيفية، والاستفادة من القفزة التنموية التي تشهدها المملكة، بوصفها الاقتصاد الأسرع نمواً بين دول مجموعة العشرين”.
مستقبل العلاقات
وقبيل الانتخابات الرئاسية الأمريكية تعهد ترامب في مقابلة مع قناة “العربية” السعودية (أكتوبر 2024) بالعمل مع ولي العهد السعودي من أجل إعادة السلام إلى المنطقة، واصفاً العلاقات بين البلدين بـ”الجيدة في الوقت الراهن” (خلال رئاسة بايدن)، لكنه لفت إلى أنها كانت “رائعة” أثناء فترة رئاسته، وعظيمة بكل ما تعنيه الكلمة”.
ولعل المواقف التي عاشتها السعودية خلال حكم بايدن أعطت رسائل لواشنطن بأنها لا تبدي ارتياحاً من تراجع الولايات المتحدة عن الالتزام بأمن الخليج وانسحابها التدريجي من المنطقة.
وتجلى هذا التراجع الأمريكي عبر عدة مواقف على غرار رفع اسم جماعة “الحوثي “اليمنية من قائمة الإرهاب، كما كانت إحدى الأوراق الكبيرة التي رفعتها السعودية في وجه الولايات المتحدة، هي قيام مجموعة “أوبك بلس” بتخفيض إنتاج النفط، في أكتوبر 2022، الأمر الذي أثار غضب إدارة بايدن، فضلاً عن تلويح الرياض حينها بتسعير بعض صادراتها النفطية للصين باليوان بدل الدولار.
لكن في آخر تصريح لترامب حول السعودية في مؤتمر دافوس (23 يناير)، قال إنه سيطلب من السعودية خفض أسعار النفط للمساعدة في إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا، كما قال، وهو الأمر الذي رفضته المملكة سابقاً في عهد بايدن، خصوصاً أن معظم ميزانيتها ما زالت تعتمد بشكل مباشر على النفط.
كما تحدث الرئيس الأمريكي عن زيادة الاستثمارات السعودية في بلاده قائلاً: “ورد اليوم في الصحف أن المملكة العربية السعودية ستستثمر ما لا يقل عن 600 مليار دولار في أمريكا، ولكنني سأطلب من ولي العهد، وهو رجل رائع، أن يقرب المبلغ إلى حوالي تريليون دولار، وأعتقد أنهم سيفعلون ذلك لأننا كنا جيدين جداً معهم”.
يرى الكاتب السعودي عبد الرحمن الراشد في هذا الصدد أن العلاقة بين الرياض وواشنطن “دائماً استراتيجية وليست ظرفية”، مشيراً إلى أن ذلك “تبين للرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، حتى من دون نفط، ومن دون صفقات تجارية، أو حتى علاقة شخصية”.
وأضاف: “بايدن عرض على السعودية التعاون الاستراتيجي، وطرح مشروع الاتفاق الدفاعي”، لافتاً في مقال له بصحيفة “الشرق الأوسط” (24 يناير) أن “الأرجح أن تكون العلاقة في عهد ترامب أقربَ وأدفأ، خاصة أن ولي العهد السعودي استثمر في العلاقة معه، ووجده خير حليف”.
وأضاف: “هناك المشروع الكبير لصالح المنطقة، الذي لا يمكن أن يُحسب بالدولارات، ولن تنسينا إياه الاستثمارات؛ وهو الرغبة في تحقيق السلام الإقليمي، والسعي لحل الدولتين بإقامة الدولة الفلسطينية”.
كما اعتبر أن “ترامب شخصية استثنائية يحمل أحلاماً كبيرة وعزيمة جبارة، لننظرْ ماذا فعل في أول يوم له بالبيت الأبيض، لم يُعرَف مثله من قبل. سيجد كلَّ ترحيب، يهمّنا أن نكونَ في صف هذا الرَّجل التاريخي، وأن نكسبَه في صفّنا”.