هل تنجح عقوبات ترامب في عرقلة عمل “المحكمة الدولية”؟

شملت العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب قيوداً على منح تأشيرات لمسؤولي المحكمة، وتجميد أصول بعضهم في الولايات المتحدة.
في محاولة للتأثير على القرارات التي اتخذتها المحكمة الجنائية الدولية ضد قادة دولة الاحتلال الإسرائيلي، ذهب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى فرض عقوبات عليها رداً على تلك الإجراءات.
شملت العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب قيوداً على منح تأشيرات لمسؤولي المحكمة، وتجميد أصول بعضهم في الولايات المتحدة، ومنعهم وعائلاتهم من زيارة الولايات المتحدة.
وجاء في قرار ترامب أن المحكمة انخرطت في “أعمال غير مشروعة ولا أساس لها” تستهدف الولايات المتحدة وحليفتها الوثيقة “إسرائيل”.
تمهيد للعقوبات
وسبق عقوبات ترامب، إقرار مجلس النواب الأمريكي في 10 يناير الماضي، قانوناً لفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية رداً على إصدارها مذكرتي اعتقال نتنياهو وغالانت.
ومشروع القانون الذي يحمل عنوان “قانون مكافحة المحكمة غير الشرعية”، والذي سيدخل حيز التنفيذ بعد 60 يوماً من إقراره، من شأنه أن يعاقب أي فرد يعمل على التحقيق مع أو اعتقال أو احتجاز أو مقاضاة مواطنين أمريكيين أو مسؤول من دول حليفة للولايات المتحدة، بما في ذلك “إسرائيل”.
ويهدف القانون إلى الغاء أي تمويل خصصته الولايات المتحدة للمحكمة الجنائية الدولية ويحظر أي تمويل مستقبلي.
وأصدرت الدائرة التمهيدية الأولى للمحكمة الجنائية الدولية، في نوفمبر الماضي بالإجماع، قرارين برفض الطعون المقدمة من قبل دولة الاحتلال الإسرائيلي بموجب المادتين 18 و19 من نظام روما الأساسي، وأصدرت أوامر اعتقال بحق كل من بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت.
وهذه ليست المرة الأولى التي تفرض فيها الولايات المتحدة عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، ففي عام 2020 خلال إدارة ترامب الأولى فرضت واشنطن عقوبات على المدعية العامة آنذاك فاتو بنسودا وأحد كبار مساعديها، وذلك بسبب تحقيقات المحكمة في جرائم حرب ارتكبتها القوات الأمريكية في أفغانستان.
تعهد بالاستمرار
وبعد عقوبات ترامب سارعت المحكمة، إلى اتخاذ إجراءات استباقية لحماية موظفيها، إذ دفعت رواتب 3 أشهر مقدماً، واستعدت لقيود مالية قد تعرقل عملها، وتؤثر على قدرتها في المحاسبة والمساءلة.
ونددت بالعقوبات التي فرضها الرئيس الأمريكي عليها، وتعهدت بـ”مواصلة إحقاق العدالة في العالم”، وفق تعبيرها.
وقالت الهيئة في بيان إن “المحكمة الجنائية الدولية تندد بنشر الولايات المتحدة مرسوماً يهدف إلى فرض عقوبات على موظفيها والإضرار بعملها القضائي المستقل والمحايد”.
وتأُسست المحكمة عام 2002 لمحاكمة المتورطين في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية وجريمة شن عمل عدائي؛ عندما تكون الدول الأعضاء غير راغبة أو غير قادرة على القيام بذلك بنفسها.
وعلى مدار عملها، أثبتت المحكمة الجنائية الدولية نفسها كمؤسسة قضائية دائمة ومستقلة، ولكن خلافا للأنظمة القضائية الوطنية، لا تمتلك شرطة خاصة بها وتعّول على تعاون الدول في تنفيذ أوامر الاعتقال أو الاستدعاء.
تقويض القانون
الخبير في القانون الدولي، ورئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني (حشد)، صلاح عبد العاطي، اعتبر أن قرارات ترامب ضد المحكمة “تستهدف تقويض النظام القانوني الدولي، وترسيخ سياسة الإفلات من العقاب”.
وقال عبد العاطي في حديثه لـ”الخليج أونلاين”: “خطوة ترامب تهدف إلى عرقلة عمل المحكمة الجنائية الدولية القضائي المستقل وإجهاض جهود المساءلة الدولية”.
وبين أن “سياسيات ترامب لا تخدم سوى الاحتلال الإسرائيلي، الذي يسعى للهروب من العدالة الدولية، وتشكل اعتداءً مباشراً على منظومة العدالة الدولية، في انتهاك صارخ لمبادئ القانون الدولي”.
ويوضح أن “عقوبات ترامب تزامنت مع سلسلة من القرارات الأمريكية التي تعكس نهجاً متعمداً لضرب أسس القانون الدولي، من بينها الانسحاب من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، واتفاقية باريس للمناخ، ومنظمة الصحة العالمية (WHO)، واصدار قرارات لملاحقة مناصري القضية الفلسطينية في الولايات المتحدة”.
كما يرى أن “عقوبات ترامب تعكس توجهاً ممنهجاً لإضعاف آليات الحوكمة الدولية، ومواصلة دعم جرائم الابادة وانتهاكات القانون الدولي”.
ويستطرد بالقول: “هذه العقوبات تكشف نوايا الإدارة الأمريكية لدعم مخطط تهجير قسري جماعي للفلسطينيين من قطاع غزة، في جريمة جسيمة ترتقي إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية، وتتناقض مع أحكام القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان”.
وتشجع تلك العقوبات – وفق عبد العاطي – على استمرار جرائم الابادة وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية دون رادع، معتبراً أن “انسحاب الولايات المتحدة من المنظمات والاتفاقيات الدولية لا يؤدي فقط إلى إضعاف النظام القانوني الدولي، بل يمنح دولة الاحتلال ضوءاً أخضر لمواصلة سياساتها العدوانية والاستيطانية التوسعية”.
إلى جانب عبد العاطي، أصدر خبراء أمميون بياناً مشتركاً اعتبروا خلالها أن فرض عقوبات على موظفي العدالة بسبب الوفاء بمسؤولياتهم المهنية يشكل انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان، ويضرب صميم استقلال القضاء وسيادة القانون.
وقال الخبراء في بيان مشترك في يناير الماضي: “تشكل هذه الإجراءات تؤدي إلى تآكل الثقة العامة في نزاهة واستقلالية العدالة وتشكل سابقة خطيرة، وتسييس الوظائف القضائية وإضعاف الالتزام العالمي بالمساءلة والإنصاف”.