الاخبار

زيارة بطابع استراتيجي.. تقارب سعودي إيراني يرسم معادلة جديدة

تعد هذه الزيارة تحولاً في السياسة السعودية تجاه إيران، خاصة بعد سنوات من التوترات والاتهامات المتبادلة

في خطوة دبلوماسية غير مسبوقة، قام الأمير خالد بن سلمان، وزير الدفاع السعودي، بزيارة رسمية إلى العاصمة الإيرانية طهران في منتصف أبريل الجاري، والتي تأتي في وقت حساس، حيث تشهد المنطقة تصعيداً من جانب إيران، وتزامنها مع مفاوضات أمريكية-إيرانية بشأن البرنامج النووي الإيراني.

تعد هذه الزيارة تحولاً في السياسة السعودية تجاه إيران، خاصة بعد سنوات من التوترات والاتهامات المتبادلة بين البلدين، فالسعودية، التي لطالما اعتبرت إيران خصماً إقليمياً، بدأت في الآونة الأخيرة في إعادة تقييم سياستها تجاه جارتها الشرقية.

هذه الزيارة قد تكون مؤشراً على رغبة الرياض في فتح قنوات حوار مباشرة مع طهران، خاصة في ظل التحديات الأمنية والاقتصادية التي تواجهها المنطقة، ما يفتح الباب أمام تساؤلات حول أهداف المملكة في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ المنطقة، وأهداف الزيارة.

زيارة لافتة

أثارت زيارة وزير الدفاع السعودي إلى إيران 17 أبريل 2025، والتي حمل فيها رسالة شخصية من الملك سلمان بن عبد العزيز إلى المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، تساؤلات حول فحواها.

وتمثل الزيارة التي قام بها وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان إلى العاصمة الإيرانية طهران، أرفع لقاء بين البلدين منذ قطع العلاقات الدبلوماسية عام 2016، مما يبرز تحسنا واضحا في العلاقات بين البلدين عقب

ونقل وزير الدفاع السعودي إلى إيران حلال الزيارة إلى إيران، تحيات الملك سلمان وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، مؤكداً التزام السعودية بتعزيز العلاقات الثنائية، فيما أعرب خامنئي عن أن تحسين العلاقات بين إيران والسعودية سيعود بالنفع على البلدين والمنطقة ككل.

وأعرب الأمير خالد عن عزمه على توسيع التعاون في مختلف القطاعات، لافتاً إلى أمله في أن يمهد الحوار البناء الطريق لعلاقات أقوى من الماضي. وشملت المناقشات قضايا الأمن الإقليمي، بما في ذلك الوضع في اليمن وأهمية الاستقرار في الشرق الأوسط.

تحركات وزيارات

وتتزامن هذه الزيارة مع المحادثات الإيرانية الأمريكية المرتقبة في روما بشأن البرنامج النووي الإيراني، مما يشير إلى سياق أوسع من النشاط الدبلوماسي الهادف إلى تهدئة التوترات الإقليمية، خصوصاً وأنها ستكون المحادثات الثانية بعد محادثات مسقط مطلع أبريل الجاري.

وبينما يشير وجود الوزير السعودي في طهران قبل هذه المناقشات إلى اهتمام الرياض بلعب دور استباقي في تشكيل ديناميكيات الأمن الإقليمي، فإنه سبق أن قام بزيارة أواخر فبراير الماضي إلى واشنطن، حيث التقى نظيره الأمريكي بيت هيغسيث، وبحثا سبل تطوير التعاون العسكري والدفاعي بين البلدين.

وبهدف تعزيز العلاقات الثنائية ومناقشة عدد من القضايا ذات الاهتمام المشترك، أجرى بن سلمان زيارة رسمية إلى واشنطن، وفق بيان لوزارة الدفاع السعودية. كما أنه التقى حينها وزير الخارجية مايك روبيو.

الملف اليمني

ولأهمية الملف اليمني للجانبين، فقد كان لافتاً أن السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر كان أحد المسؤولين الذين رافقوا بن سلمان إلى طهران، كما رافقه أيضاً خلال الزيارة السابقة إلى واشنطن.

وبدأت الولايات المتحدة، في منتصف مارس الماضي، شن ضربات جوية على مواقع الحوثيين في اليمن بسبب هجماتهم على الملاحة في البحر الأحمر وبحر العرب ومضيق باب المندب، فيما توعد ترامب بـ”إبادتهم” إذا لم يتوقفوا.

ونفذت الجماعة أكثر من 100 هجوم على سفن شحن منذ بدء حرب “إسرائيل” على غزة في 7 أكتوبر 2023، مشيرة إلى أن ذلك “تضامناً مع الفلسطينيين في غزة”، ما عطل حركة التجارة العالمية.

تحولاً في العلاقات

يرى المحلل السياسي علوي عبدالجبار، أن زيارة وزير الدفاع السعودي إلى طهران تمثل تحولاً لافتاً في العلاقات الإقليمية، وتأتي ضمن مسار استراتيجي للتقارب بين الرياض وطهران، لا يمكن فصله عن التصعيد الأمريكي الأخير في اليمن والزيارات المتبادلة بين العواصم المؤثرة.

وأضاف في حديثه لـ”الخليج أونلاين”:

-السعودية باتت تدرك ضرورة تقليص التوترات مع إيران في ظل الغموض الذي يكتنف موقف واشنطن من أمن المنطقة، خصوصاً بعد سلسلة الضربات التي نفذها الجيش الأميركي ضد مواقع حوثية في صنعاء والحديدة وصعدة، والتي هددت بإشعال جولة جديدة من التصعيد.

– زيارة خالد بن سلمان إلى واشنطن مؤخراً، تزامناً مع تطورات اليمن وتحركات البحرية الأميركية، عكست رغبة السعودية في تجنب الانجرار إلى مواجهة مباشرة مع الحوثيين، قد تتسبب في استهداف منشآتها الحيوية من قبل الجماعة أو حتى بفتح جبهة مع إيران.

– تقارب السعودية مع طهران، مدعوماً بتفاهمات أمنية واقتصادية، يُقرأ أيضاً في سياق تحييد الجبهات المشتعلة مثل اليمن، والانتقال نحو توازنات جديدة قائمة على الشراكة بدلاً من المواجهة، وأي انفجار عسكري في اليمن لن يكون بعيداً عن حسابات المواجهة الإقليمية الشاملة.

– واشنطن لا تعارض هذا التقارب، بل على العكس ترى فيه مخرجاً سياسياً يخفف عنها عبء الانخراط المباشر في صراعات المنطقة، خصوصاً في ظل الانشغال بالصراع الأوكراني والتوتر مع الصين.

– السعودية وإيران تمتلكان اليوم أرضية مشتركة لإعادة رسم مشهد الأمن الإقليمي من بوابة اليمن والخليج.

تقارب وسعي إيراني

وبالتزامن مع زيارة بن سلمان إلى طهران، زار مساعد الشؤون القنصلية في الخارجية الإيرانية وحيد جلال زاده إلى الرياض، بهدف اللقاء والتشاور مع المسؤولين في السعودية حول عدد من القضايا، وفق ما ذكرت وكالة “تسنيم” الإيرانية، من دون أن تحدد مهمات الزيارة أو برنامجها.

السعي الإيراني للتقارب مع السعودية زاد أخيراً وتحديداً منذ بدء محادثات البرنامج النووي، فقد تلقى وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان آل سعود اتصالاً هاتفياً من نظيره الإيراني عباس عراقجي (14 أبريل)، بحثا خلاله الأوضاع في المنطقة والجهود المبذولة في شأنها، وفق وكالة الأنباء السعودية الرسمية “واس” التي لم تعلن مزيداً من التفاصيل.

ومنذ توقيع اتفاق المصالحة في بكين، في الـ10 من مارس 2023، عملت الرياض وطهران على تقريب وجهات النظر، وتعزيز التعاون بُغية إعادة مياه العلاقات إلى مجاريها في مختلف المجالات، وتبادل الجانبان الزيارات لكبار المسؤولين خلال العام الماضي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى