بعد تزايد الخلافات.. هل تواجه “إسرائيل” خطراً وجودياً من الداخل؟

مؤشرات على حدة الانقسام الداخلي في “إسرائيل”:
تجميد قرار إقالة رئيس جهاز الشاباك رونين بار.
تحذير المعارضة الإسرائيلية من الاغتيالات السياسية.
توقيع أكثر من 140 إسرائيلي بينهم آلاف الجنود على عرائض لإيقاف الحرب.
الاحتجاجات المتصاعدة ودعوات الإضراب الشامل.
في الوقت الذي تدعي “إسرائيل” خوض عدة حروب خارجية دفاعاً عن وجودها، تواجه خطراً وجودياً لا يقل خطورة، لكنه من الداخل، إذ تواجه حالة من الاستقطاب الداخلي، والانقسام غير المسبوق.
فالمؤشرات والتحذيرات، تؤكد أن “إسرائيل” مقبلة على كارثة كبيرة داخلياً، بسبب تغوّل اليمين المتطرف، وهيمنته على القرار، وهروب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو المستمر نحو الحرب، من مواجهة استحقاقات الداخل.
ولا يقتصر الأمر عند التصريحات المتبادلة، بل أصبحت الخلافات العميقة ظاهرة تتسع كل يوم وتأخذ أشكالاً مختلفة، وتلتحق بها شرائح جديدة، كما انتقلت من الشارع إلى أروقة المؤسسات السيادية كـ”الشاباك” و”الجيش”.
خلافات حادة
وخلال الأشهر الماضية تزايدت حدة الاختلافات الداخلية، وانتقلت إلى المؤسسات السيادية، بين الحكومة والجيش وجهاز الأمن العام.
وفي مطلع نوفمبر 2024، أقال رئيس الوزراء الإسرائيلي، وزير الحرب السابق يواف غالانت، بعد خلافات حادة بين الجانبين، وحينها تحدث نتنياهو بصراحة أن ما حدث هو أزمة ثقة، أدت للإقالة.
هذا الأمر انسحب أيضاً على الأزمة الراهنة بين نتنياهو، ورئيس جهاز الأمن العام “الشاباك” رونين بار، والتي تفجرت عقب قرار إقالة بار منتصف مارس الماضي، واتهامه بعدم الولاء ورفض تنفيذ الأوامر.
هذه الخلافات، والحديث العلني عن انعدام الثقة بين المؤسسات السيادية الإسرائيلية، يرى خبراء ومتابعين أنها وصلت إلى نقطة اللاعودة، في ظل تفاقم الانقسامات الداخلية.
ولا يتوقف الأمر عند خلافات النخبة السياسية في الدولة العبرية، بل ثمة خلافات تتعلق بتجنيد الحريديم، وتغول اليمين المتطرف، واكتساب عائلات الأسرى شعبية وتعاطف كبير في الأوساط الإسرائيلية، وتزايد دعوات الأضراب الشامل.
ومؤخراً برزت ظاهرة العرائض، والتي تجاوز عدد الموقعين عليها 140 ألفاً، بينهم أكاديميين وضباط وعسكريين وعناصر أمن، وقوات نخبة، للمطالبة بإنهاء الحرب والذهاب إلى صفقة مع “حماس”.
هذا التطور، يمثل ضربة كبيرة لنتنياهو وائتلافه، ويدفع باتجاه حالة تمرد واسعة في أوساط الجيش، والمؤسسات الأمنية، الأمر الذي ينذر بالحرب الأهلية، وفق تقارير عبرية.
كما تتحدث وسائل الإعلام العبرية، عن مخاطر انزلاق “إسرائيل” نحو حرب أهلية، مع تصاعد الصدام بين الحكومة والمؤسسات القضائية، خصوصاً في ظل المحاكمة القائمة لنتنياهو، وقرار المحكمة العليا تجميد إقالة رئيس جهاز الشاباك.
كارثة كبرى
ويبدو أن المعارضة الإسرائيلية، أكثر من يدرك مخاطر وأبعاد ما يحدث في أروقة مؤسسات دولة الاحتلال، وأيضاً، خطر الانقسام الذي يضرب مؤسساتها، والنسيج المجتمعي الداخلي.
ويوم الأحد الماضي 20 أبريل، حضر زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد، من وقوع اغتيالات سياسية، بسبب التحريض المستمر، مؤكداًَ أن المؤشرات الاستخباراتية تشير إلى أن “إسرائيل” في طريقها إلى كارثة أخرى، هذه المرة ستأتي من الداخل.
وقال لابيد في بيانه: “مستويات التحريض والجنون غير مسبوقة. ستكون هناك جرائم قتل سياسية هنا. سيقتل اليهود يهوداً”، مشيراً إلى أن “التهديدات الأكثر عددا موجهة إلى رئيس جهاز الشاباك رونين بار”.
يوافق لابيد في التحذير من خطورة الأمر، رئيس حزب “الديمقراطيين” يائير غولان، داعياً نتنياهو إلى إيقاف التحريض على العنف، مشيراً إلى أن “آلة السم التي تديرها أنت (نتنياهو) وعائلتك ستؤدي إلى اغتيال سياسي آخر، وكل ذلك باسم جنون التشبث بكرسيك”.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني أحمد الحيلة، إن تصريحات لابيد الذي يحق له الاطلاع على المعلومات الأمنية، تشير إلى مستوى الاحتقان الداخلي بسبب تجاهل نتنياهو واليمين المتطرف للرأي العام الإسرائيلي وللنخب الإسرائيلية العسكرية والأمنية والأكاديمية التي تطالب بوقف الحرب وتشكّك في قيادة نتنياهو للدولة.
وأكد الحيلة في تدوينة على منصة “إكس”، إن “إسرائيل” مأزومة داخلياً، لافتاً إلى أن “أي تداعيات أمنية داخلية ستكون فارقة تاريخية في عمر الكيان المحتل”.
أزمة عميقة
تحذيرات لابيد الأخيرة، من احتمالية وقوع اغتيالات سياسية، ليست مجرد تصريح سياسي عابر، بل تعكس حجم الاستقطاب غير المسبوق داخل المجتمع الإسرائيلي، بحسب المحلل السياسي الفلسطيني وسام عفيفة.
وأضاف عفيفة في تصريح لـ”الخليج أونلاين”، أن هذه التصريحات تأتي في سياق تصاعد خطاب الكراهية والتحريض المتبادل بين أقطاب التيارات السياسية، خاصة بعد فشل الحكومة في إدارة الحرب على غزة، وتزايد الضغط الشعبي والإعلامي على نتنياهو وائتلافه
وقال إن “ما تشهده إسرائيل اليوم هو أزمة بنيوية عميقة، وليست مجرد خلافات سياسية مرحلية، مشيراً إلى جذور هذه الأزمة البنيوية تمتد إلى الهوية الوطنية التي لم تُحسم منذ قيام الكيان”.
واستطرد عفيفة قائلاً: “تزايد نفوذ التيار الديني الصهيوني والأحزاب المتطرفة في الحكم أدخل هذه التناقضات في صدام مباشر مع المؤسسة القضائية، والجيش، وحتى مع شرائح واسعة من المجتمع المدني”.
ونوّه إلى أن الحرب على غزة، وفشل تحقيق الأهداف المعلنة، كشفا عن هشاشة العقد الاجتماعي، وزادا من الشكوك بين مكونات الدولة ومؤسساتها.
سيناريوهات
ويرصد عفيفة ثلاثة سيناريوهات لحالة الخلاف والاستقطاب التي تعصف بـ”إسرائيل”، كالتالي:
- السيناريو الأول: تصعيد الاضطرابات الداخلية، من خلال استمرار المظاهرات والاحتجاجات، مع تزايد الدعوات للعصيان المدني، مما يؤدي إلى شلل في بعض المؤسسات، خاصة في حال فقد الجيش الثقة بقيادته السياسية.
- السيناريو الثاني: انزلاق نحو مواجهات عنيفة واغتيالات، خاصة في حال تفاقم الفشل العسكري في غزة، أو محاولة تمرير قرارات سياسية مثيرة للجدل (مثل الانقلاب على القضاء أو تقديم تنازلات في ملف الأسرى)، وفي هذا السيناريو قد نشهد اغتيالات سياسية، أو صدامات عنيفة خصوصاً مع تحريض اليمين الديني.
- السيناريو الثالث: انفجار سياسي يقود إلى انتخابات مبكرة، وهو سيناريو يحاول بعض قادة الجيش والسياسيين الدفع نحوه لاحتواء الأزمة، مع احتمال تفكك الائتلاف الحاكم.
إضعاف الحكومة
ولن يظل تأثير الانقسام والخلاف الداخلي محصوراً داخل “إسرائيل”، ووفق المحلل السياسي وسام عفيفة، فإن هذا الانقسام، سيضعف قدرة حكومة الاحتلال على اتخاذ قرارات حاسمة، ويزيد من الهوة بين القيادة السياسية والجيش.
وأشار إلى أن بعض قادة الجيش بدأوا يلمّحون إلى الحاجة لإنهاء الحرب بشكل أو بآخر، فيما يصر نتنياهو على الاستمرار لتحقيق أهداف تبدو بعيدة المنال، مؤكداً أن هذا سيزيد من الضغوط الدولية والداخلية لإيقاف الحرب.
وتطرق عفيفة، إلى تأثير الاستقطاب الداخلي في “إسرائيل” على الوضع في الضفة الغربية، مشيراً إلى أنه قد يدفع المستوطنين إلى المزيد من الانفلات الأمني، خاصة مع وجود مليشيات يمينية تتصرف خارج إطار الجيش، كما قد تتسع دائرة المواجهات مع الفلسطينيين في الضفة، وسط غياب استراتيجية واضحة من الحكومة