وسط توترات جيوسياسية.. دول الخليج تقود النمو الاقتصادي بالمنطقة
إجمالي الناتج المحلي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سيرتفع 2.2% في عام 2024 مقارنة بـ 1.8% في عام 2023، وفق توقعات البنك الدولي
تحت ظل التوترات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة والعالم، تبرز دول الخليج العربي كقوة اقتصادية صاعدة، مستفيدة من استراتيجياتها الطموحة وخططها الوطنية طويلة الأجل.
وعلى الرغم من التحديات الاقتصادية العالمية، مثل التضخم وارتفاع أسعار الفائدة والاضطرابات الناجمة عن الأزمات السياسية والصحية، فإن اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي أثبتت مرونة وقدرة على تحقيق النمو.
نمو غير متوقع
كشف تقرير حديث من البنك الدولي عن تحقيق نمو طفيف في إجمالي الناتج المحلي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بقيادة دول مجلس التعاون الخليجي، بينما من المتوقع أن يتباطأ النمو في بقية دول المنطقة.
التقرير الصادر ضمن الإصدارات نصف السنوية للبنك بعنوان “النمو في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”، أشار إلى استمرار ضعف معدلات النمو نتيجة حالة عدم اليقين السائدة بسبب الصراعات الدائرة في المنطقة.
تشير التوقعات الواردة في التقرير إلى أن إجمالي الناتج المحلي للمنطقة سيرتفع بنسبة 2.2% في عام 2024، مقارنة بـ 1.8% في عام 2023، ورغم هذا النمو الطفيف من المتوقع تباطؤ النمو في الدول المستوردة للنفط من 3.2% في 2023 إلى 2.1% في 2024.
ويستخدم التقرير مقياساً مبتكراً لقياس مستوى عدم اليقين الاقتصادي، يعتمد على التباين في توقعات القطاع الخاص، ويظهر أن حالة عدم اليقين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هي ضعف ما تشهده الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية الأخرى على مستوى العالم.
في السعودية مثلاً، شهد القطاع غير النفطي نمواً ملحوظاً حيث شكل أكثر من 59% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022، كما ارتفعت مساهمة القوى العاملة النسائية إلى 36%، متجاوزة الأهداف الموضوعة لرؤية 2030.
وهذا التحول يعكس نجاح الاستثمارات الكبيرة في قطاعات مثل السياحة، والتقنية، والبنية التحتية، الإمارات بدورها تسعى إلى تعزيز مكانتها كمركز عالمي للأعمال والتكنولوجيا، وقد استثمرت بشكل كبير في قطاع الطاقة المتجددة، مع التركيز على تعزيز القدرة الإنتاجية للطاقة الشمسية كجزء من خططها لتحقيق أهداف الاستدامة.
وتنظر دول الخليج إلى المستقبل بخطط طموحة تهدف إلى تعزيز مكانتها الاقتصادية على الساحة العالمية.
وضمن هذه الخطط تستهدف السعودية جعل مدينة نيوم مشروعاً عالمياً يجمع بين الابتكار التكنولوجي والاستدامة البيئية، في حين تواصل الإمارات مسيرتها لتكون رائدة في مجال الطاقة المتجددة والخدمات المالية الرقمية.
وفي الإطار ذاته تعمل عُمان والبحرين أيضاً على تطوير اقتصاداتهما من خلال استراتيجيات وطنية تركز على تعزيز الابتكار ودعم الصناعات المحلية.
نهج خليجي
ويقول الأكاديمي والخبير الاقتصادي الدكتور عبد الرحيم الهور، إن حفاظ دول الخليج على معدلات النمو لا يؤخذ بمعزل عن السياق العام للتطورات الإقليمية.
ويضيف لـ”الخليج أونلاين” أن المحافظة على تطورات النمو تأتي من تنمية القطاعات غير الهيدروكربونية، وتفعيل التجارة الداخلية والاستثمار الداخلي، وتعزيز منظومة القوانين والأنظمة الحاضنة؛ للمحافظة على الاستثمار المحلي واستقطاب الاستثمار الأجنبي.
ويوضح الهور أن من أهم النقاط هي تفعيل المنظومة القانونية التي تحمي الاستثمارات الأجنبية، فضلاً عن تفعيل دور الصناعات الهيدروكربونية المشتقة من الصناعات البترولية، لافتاً إلى أن هذه نقطة رئيسية محورية يجب الارتكاز عليها.
ويرى أنه من المهم تحويل الصناعات الثقيلة التي تحتاج إلى تكلفة كبيرة من طاقة الكهرباء إلى المناطق الصناعية الحرة، ودعم قطاع الطاقة تحديداً من خلال تقليل تكاليفه، ومن ثم تستقطب قطاعات الصناعات الثقيلة.
ويشير الخبير الاقتصادي إلى أن المنطقة تمر بمنحنى سياسي صعب، لذا لا بد من التعامل معه على أساس كان يستخدم في الحروب والنزاعات والأزمات الاقتصادية، وهي تعددية القطبية في التعامل.
ويعرب الهور عن اعتقاده بأن دول الخليج تسير بشكل جيد على هذا الأساس، وهو تعددية قطبية التعامل مع الأقطاب الاقتصادية والسياسية والعسكرية العالمية.
توترات جيوسياسية
وتشكل التوترات الجيوسياسية، خاصة العدوان على غزة ولبنان، والصراع بين إيران ودول المنطقة، والحرب الروسية الأوكرانية، تحديات إضافية لدول الخليج، ومع ذلك فقد استطاعت هذه الدول استغلال تلك التحديات لمصلحتها بفضل قدرتها على التأقلم وإدارة الأزمات بفعالية.
وتسببت التأثيرات الجيوسياسية الصراعات المستمرة في الشرق الأوسط بخسائر بشرية واقتصادية كبيرة، حيث يشهد الاقتصاد الفلسطيني تدهوراً غير مسبوق، مع انكماش اقتصاد قطاع غزة بنسبة 86%، في النصف الأول من عام 2024، كذلك تواجه الضفة الغربية أزمة مالية شديدة تؤثر على القطاعين العام والخاص.
وفي لبنان، الذي يعاني أيضاً من تداعيات الصراع، لا تزال التوقعات غامضة وتحددها تطورات الصراع المستمر.
إلى جانب ذلك، تأثرت دول مجاورة مثل الأردن ومصر بانخفاض إيرادات السياحة وتراجع العائدات المالية العامة.
وتشير التقديرات إلى أن غياب الصراع كان من الممكن أن يؤدي إلى زيادة نصيب الفرد من الدخل في المنطقة بنسبة تصل إلى 45%، خلال سبع سنوات، وهو ما يعادل التقدم الذي حققته المنطقة، خلال العقود الثلاثة الماضية.
أحدث التوقعات
وأصدر صندوق النقد الدولي مؤخراً تقرير “آفاق الاقتصاد العالمي”، وذلك على هامش اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين في واشنطن، متوقعاً أن يشهد اقتصاد منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى نمواً بنسبة 2.4% في 2024، ترتفع إلى 3.9% في العام المقبل.
وحسب التقرير، فإن نمو إجمالي الناتج المحلي الإجمالي لدولة الإمارات يبقى عند 4% في عام 2024، ويرتفع إلى 5.1% خلال العام المقبل 2025.
أما السعودية فتوقع الصندوق نمو الناتج المحلي الإجمالي للمملكة إلى 1.5%، خلال عام 2024، مع تسارع النمو إلى 4.6% العام المقبل.
كما رفع صندوق النقد توقعاته لنمو اقتصاد سلطنة عُمان من 0.9% في التوقعات السابقة إلى 1% في 2024، بينما خفضها لعام 2025 إلى 3.1% من 4.1% في التوقعات السابقة.
إلى ذلك توقع التقرير انكماش الاقتصاد الكويتي بنسبة 2.7% في 2024، بينما كان 1.4% في التوقعات السابقة، مع ارتفاع متوقع إلى 3.3% في 2025، بعد أن 3.8% في التوقعات السابقة.
وحسب صندوق النقد، فمن المتوقع أن ينخفض نمو اقتصاد قطر في 2024 من 2% في التوقعات السابقة إلى 1.5%، ومن 2% في عام 2025 في التوقعات السابقة إلى 1.9%.
وكذلك البحرين، خفض الصندوق توقعات لنمو اقتصاد البحرين إلى 3% في 2024، بعد أن كان 3.6% في التوقعات السابقة، لترتفع إلى 3.2% في 2025.