هيمنة الدولار القوي.. تأثيرات متصاعدة على النفط وإيرادات الخليج
– الدولار القوي يضعف الطلب على النفط ويضغط على الأسعار
– انخفاض أسعار النفط يضعف إيرادات دول الخليج
– سياسات ترامب المتعلقة برفع الفائدة وزيادة إنتاج الخام الأمريكي قد تزيد من الضغوط على النفط
تعد العلاقة بين الدولار وأسعار النفط من أكثر الروابط تأثيراً في الاقتصاد العالمي باعتباره العملة الأساسية لتسعير الخام في الأسواق الدولية.
وانطلاقاً من هذه القاعدة فإن أي تغير في قيمة الدولار، سواء بالارتفاع أو الانخفاض، ينعكس مباشرة على أسعار النفط.
ومع صعود الدولار إلى مستويات قوية بالفترة الأخيرة ازدادت الضغوط على سوق النفط خاصة مع وفرة المعروض، ما تسبب بهبوط أسعاره بأول جلستين خلال هذا الأسبوع.
وينعكس ذلك بشكل أساسي على دول الخليج التي مازال يعد النفط مصدراً أساسياً للإيرادات العامة فيها.
تراجع للنفط
وانخفضت العقود الآجلة لخام برنت، في جلسة الثلاثاء 7 يناير الجاري لليوم الثاني على التوالي، بنسبة 0.37 % إلى 76.02 دولاراً للبرميل بحلول الساعة 04:00 بتوقيت غرينتش، في حين هبط الخام الأمريكي 0.45%، ليغلق عند 73.23 دولاراً.
ونقلت وكالة “رويترز” عن كبيرة محللي السوق في “فيليب نوفا” بريانكا ساشديفا قولها: “من المرجح أن يكون ضعف هذا الأسبوع بسبب تصحيح فني، إذ يتفاعل المتداولون مع البيانات الاقتصادية الأضعف على مستوى العالم، التي تقوض التفاؤل الذي شوهد في وقت سابق”.
وأضافت نوفا: “قوة الدولار تقلص على ما يبدو المكاسب الحالية في أسعار النفط”.
وما زال الدولار الأمريكي قرب أعلى مستوى له في عامين، وسط حالة من عدم اليقين بشأن نطاق الرسوم الجمركية المتوقع أن تفرضها إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، ما يجعل النفط أكثر كلفة لحائزي العملات الأخرى بسبب قوة الدولار.
الدولار القوي والتجارة الدولية
وفي تقرير أصدرته منظمة التجارة العالمية في مايو الماضي، تناولت فيه تأثيرات الدولار القوي على التجارة الدولية.
وذكرت أن قيمة الدولار تجعل السلع والخدمات أكثر كلفة، ما يقلل الطلب عليها في الأسواق العالمية.
وقالت إنه “بالنسبة للدول التي تعتمد على الواردات المقومة بالدولار، فإنها تواجه ارتفاعاً في التكاليف، مما يؤدي إلى تفاقم العجز التجاري وتزايد الضغوط التضخمية”.
وأضافت أن “الدولار القوي يرفع من تكاليف الواردات على الدول التي تعتمد على المواد الأساسية كالطاقة والغذاء”.
وحسب تقرير المنظمة، فإنه في الدول ذات العملات الأضعف يؤدي ارتفاع تكاليف الواردات رفع تكاليف المعيشة ويؤثر على المستهلكين والشركات على حد سواء.
وفيما يتعلق بالنفط، أفادت بأنه “بما أن النفط مسعّر بالدولار الأمريكي، فإن قوة هذه العملة تزيد من كلفة النفط على الدول المستوردة، مما يرفع أسعار الوقود والطاقة بشكل عام ويقلل الطلب عليها”.
الواقع المالي العالمي
وحول هذا الواقع، تقول مجلسة “الإيكونوميست” الاقتصادية البريطانية، في تقرير حديث لها، إن “الواقع المالي العالمي يشهد تحولاً كبيراً حيث يستعرض الدولار الأميركي عضلاته، مدفوعا بالنمو الاقتصادي القوي للولايات المتحدة وتغير معنويات المستثمرين”.
وتضيف أنه “مع صعود الدولار الأميركي يمثل تحديات متعددة الأوجه للأسواق العالمية، من اختلال التوازن التجاري إلى التوترات الجيوسياسية. وما دام الاقتصاد الأميركي يحافظ على زخمه، فمن المتوقع أن تستمر هيمنة الدولار، مما يسلط الضوء على الحاجة إلى أساليب دقيقة للإبحار في المشهد الاقتصادي المتطور وتخفيف المخاطر المحتملة”.
وعلى الصعيد نفسه، يشرح الخبير الاقتصادي السعودي نعمت أبو الصوف، الفكرة ذاتها قائلاً: “ارتفاع قيمة الدولار بعد فوز الرئيس السابق دونالد ترامب في الانتخابات يزيد من الضغط على أسعار النفط. الدولار القوي يجعل النفط أكثر تكلفة للمشترين الذين يستخدمون عملات أخرى، مما يضعف الطلب العالمي على الخام”.
ويضيف أبو الصوف في مقال له بصحيفة “الاقتصادية” المحلية: “بلغ الدولار أعلى مستوى له في عام واحد، مدعوماً ببيانات مبيعات التجزئة القوية وإشارات بنك الاحتياطي الفيدرالي بشأن استقرار أسعار الفائدة. هذه العوامل تجعل النفط الخام أقل جاذبية في السوق العالمية”.
علاقة عسكية
وفي ذات الفكرة، يكمل المختص الاقتصادي أحمد أبو قمر بالقول: “هناك علاقة تجارية عكسية بين الدولار والقوة الشرائية حيث يؤدي الدولار القوي إلى تراجع القوة الشرائية للدول الأخرى، مما يقلل من قدرتها على استيراد النفط بنفس الكميات”.
ويوضح أن هذا بدوره يؤدي إلى فائض في المعروض، وبالتالي انخفاض الأسعار، وبالنظر إلى أن الطلب العالمي على النفط يتأثر بشكل كبير بالقوة الشرائية، فإن أي تغييرات في قيمة الدولار يكون لها تأثير فوري.
ويضيف: “خلال السنوات الأخيرة، شهد الدولار مكاسب ملحوظة، مدعومة بارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية وسياسات الاحتياطي الفيدرالي، وقد ساهمت هذه القوة في وضع ضغط سلبي على أسعار النفط، حيث تتراجع الأسعار في الأوقات التي يعزز فيها الدولار قوته”.
التأثير على دول الخليج
وبشأن التأثير على الإيرادات العامة لدول الخليج، يقول المحلل الاقتصادي، إن “صادرات النفط تشكل المصدر الرئيسي للإيرادات العامة لغالبية دول الخليج، حيث تشكل الإيرادات النفطية ما يصل إلى 50%-90% من إجمالي الإيرادات الحكومية. وبالتالي، فإن أي انخفاض في أسعار النفط ينعكس بشكل مباشر على الإيرادات العامة.
“مع ارتفاع الدولار، تتراجع أسعار النفط كما ذكرنا، مما يؤدي إلى انخفاض العوائد المالية للدول المصدرة للنفط مثل دول الخليج، فعلى سبيل المثال، إذا تراجعت أسعار النفط بمقدار 10 دولارات للبرميل بسبب قوة الدولار، فإن ذلك يترجم إلى خسائر بمليارات الدولارات في الإيرادات السنوية للدول الخليجية”، حسب أبو قمر.
ويرى أن انخفاض الإيرادات النفطية يؤدي إلى تضييق الميزانيات العامة، مما يجبر الحكومات على تقليص الإنفاق أو اللجوء إلى الاقتراض.
وقد شهدت دول الخليج في الأعوام الماضية إصلاحات اقتصادية وزيادة بالضرائب لمواجهة عجز الميزانية الناتج عن تراجع أسعار النفط أو عدم استقرارها.
لكن المحلل الاقتصادي، يشير إلى أن بعض الدول الخليجية مثل السعودية والإمارات وقطر تبنت بالسنوات الأخيرة سياسات لتنويع اقتصاداتها وتقليل الاعتماد على النفط، وهذا ما يجعلها أكثر مرونة من بقية الدول التي مازال البترول يشكل الجزء الأهم من ميزانيتها.
تأثير ترامب على الدولار
ومع عودة ترامب إلى البيت الأبيض في العشرين من الشهر الجاري، يتوقع كثيرون أن ينتهج سياسات اقتصادية تركز على تقوية الدولار من خلال فرض مزيد من القيود التجارية ودعم الشركات الأمريكية.
وهذه السياسات قد تؤدي إلى تعزيز قيمة الدولار بشكل أكبر، مما يضع مزيداً من الضغط على أسعار النفط.
وقد يدفع ترامب بسياسات مالية تدفع الاحتياطي الفيدرالي إلى الحفاظ على أسعار الفائدة المرتفعة أو رفعها، مما يؤدي إلى استمرار قوة الدولار، كما يرى مراقبون.
وإضافة إلى تقوية الدولار فإن إدارة ترامب قد تضغط لزيادة إنتاج النفط الأمريكي، مما قد يزيد من المعروض العالمي للنفط، ويؤدي إلى انخفاض الأسعار.
ومع وجود دولار قوي، سيزيد الضغط على دول الخليج التي ستواجه تحديات مزدوجة من انخفاض الأسعار وقوة الدولار.