الاخبار

محطات من عمر الانتخابات الأمريكية.. تعرف عليها

تلهم التجربة الانتخابية الأمريكية معظم دول العالم، ولا سيما الطامحة للديمقراطية والحرية منها.

تعكس الانتخابات الرئاسية الأمريكية صورة الولايات المتحدة كأعرق دولة جمهورية – ديمقراطية عرفها التاريخ الحديث منذ ما يزيد عن 240 عاماً.

التجربة الانتخابية الأمريكية تلهم معظم دول العالم الطامحة للديمقراطية والحرية، بعد أن باتت النموذج السياسي للحكم الأشهر والأقوى منذ القرن الماضي وحتى الساعة.

اللافت في الانتخابات الأمريكية أنها منذ استقلال الولايات المتحدة، وإجراء الانتخابات الرئاسية الأولى عام 1789، حمت نفسها من عثرات الزمان، وعملت على المحافظة على نسقها الديمقراطي، على الرغم من تعرضها لهزات، أبرزها إبان الحرب الأهلية الأمريكية عام 1860، لكنها تجاوزتها بنجاح.

وفي هذا التقرير نستعرض أهم المحطات التاريخية للانتخابات الرئاسية الأمريكية، منذ بناء الدولة الأمريكية الحديثة، والتي مرت بتحولات كثيرة.

انتخابات 1788 “واشنطن.. رئيساً بالإجماع”

دشنت الانتخابات الرئاسية الأمريكية في العام 1788 أول تجربة حكم جمهوري ناجحة عبر تاريخ الدولة الحديثة، فقد انتخب المجمع الانتخابي الأمريكي، الذي يُمثَّل فيه سكان الولايات المتحدة، جورج واشنطن رئيساً بالإجماع؛ تقديراً لدوره في حرب الاستقلال الأمريكية، كما أنه ترأس الاتفاقية التي صاغت الدستور الأمريكي، وأنشأ منصب الرئيس.

خدم جورج واشنطن ولايتين رئاسيتين، كما أشرف على إنشاء حكومة مركزية قوية، وجعل من الكونغرس سلطة تشريعية حقيقية، وأنشأ العديد من الأشكال والطقوس الحكومية التي لا تزال تستخدم حتى اليوم، مثل نظام مجلس الوزراء، ويوم القسم الرئاسي.

فضلاً على ذلك، يعتبر واشنطن أول من أنشأ نظام الانتقال السلمي للسلطة في النظم الجمهورية، حين سلّم الحكم لخلفه، جون آدامز، ثاني رؤساء الولايات المتحدة، وفق التقاليد التي لا تزال تُتَّبَع حتى اليوم، لذلك ينظر إليه على أنه المؤسس الحقيقي لنظام الحكم الجمهوري، فضلاً عن بلاده الولايات المتحدة الأمريكية.

الانتخابات الأمريكية

انتخابات 1800 “هيمنة الحزبين”

شكلت انتخابات العام 1800 امتحاناً مهماً للديمقراطية الأمريكية، تمثل في ظهور الحياة الحزبية في البلاد، وأسست لبداية الهيمنة الحزبية على الأجواء الانتخابية.

فقد أظهرت نتيجة الانتخابات تعادل المرشح الجمهوري، توماس جيفرسون، مع مرشح الحزب الفيدرالي، آرون بور، ليتم فيما بعد الاحتكام لمجلس النواب الأمريكي، الذي أعلن فوز جيفرسون، بعد 36 جولة من عد أصوات الناخبين.

انتخابات 1860 “انتخابات الدم”

كانت الانتخابات الأمريكية في العام 1860 سبباً لشلال من الدماء استمر 5 سنوات، بعد أن شكل انتخاب الرئيس الأمريكي، أبراهام لينكولن، سبباً مباشراً لاندلاع الحرب الأهلية الأمريكية.

فقد خشي الجنوبيون أن يصدر لينكولن قراراً يلغي العبودية، لتعلن 6 ولايات جنوبية؛ هي كارولينا الجنوبية، ومسيسيبي، وفلوريدا، وألباما، وجورجيا ولويزيانا، الانسحاب من الاتحاد الأمريكي، وشكلت فيما بينها دولة جنوبية، لكن لينكولن قضى عليها، وأعادهم للاتحاد، كما تم في عهده إنهاء العبودية.

انتخابات 1960 “الرئيس الكاثوليكي الشاب”

حملت الانتخابات الرئاسية الأمريكية في العام 1960 أصغر رئيس أمريكي إلى البيت الأبيض، والكاثوليكي الأول، في أمريكا البروتستانتية.

انتخب لرئاسة أمريكا كمرشح عن الحزب الديمقراطي، وعمره في ذلك الوقت 43 عاماً، بتغلبه على خصمه الجمهوري، ريتشارد نيكسون، بفارق ضئيل.

تولى الرئاسة في فترة صعبة من الصراع في الحرب الباردة، وكان صاحب مواقف قوية في مواجهة السوفييت في كافة الجوانب العسكرية أو السياسية، من خلال مجلس الأمن، أو الإعلام، أو القنوات الدبلوماسية، وهو الأمر الذي جعله أحد أكثر رؤساء أمريكا شعبية، فضلاً عن أن اغتياله على الهواء مباشرة في العام 1963 زاد من تعاطف الجماهير معه.

انتخابات 1984 “ريغان.. أمريكا تحبك”

على الرغم من كبر سنه، والأعاصير التي لطمت أمواجها ولايته الأولى، ولا سيما القادمة من الشرق الأوسط، فإن رونالد ريغان حقق فوزاً ساحقاً في انتخابات العام 1984، على منافسه الديمقراطي والتر مونديل، بفوزه في 49 من أصل 50، إذ يبدو أن ولاية مينسوتا الشمالية لم ترغب بأن يخرج مونديل من السباق الرئاسي خالي الوفاض.

وتعتبر هذه الانتخابات أكبر نصر في تاريخ الحزب الجمهوري، كما كرّست مفهوم شخصية ريغان التي تحظى باحترام في وجدان المواطن الأمريكي، خاصة لأنه ينسب إليه الفضل في دق المسمار في نعش الاتحاد السوفييتي، وإنهاء الحرب الباردة، الأمر الذي جعله أكثر رؤساء الولايات المتحدة شعبية واحتراماً، وقدوة لسياسييها الجمهوريين والديمقراطيين.

-ريغان، السيدة الأولى، والرئيس ريغان في الموكب الافتتاحي عام 1981

انتخابات 2000.. خسر التصويت الشعبي فأصبح رئيساً!

أثارت انتخابات العام 2000 جدلاً وانتقادات واسعة، نالت حتى من آلية الانتخاب الأمريكية القائمة على مبدأ “الفائز يفوز بالكل” عبر نظام المجمع الانتخابي.

فقد خسر الرئيس الأمريكي السابق، جورج بوش الابن، التصويت الشعبي، عندما حقق 47.7%، في الوقت الذي حقق فيه المرشح الديمقراطي، آل غور، 48.4%، لكن لأن التصويت الشعبي لا يحسم مسألة من سيكون سيد البيت الأبيض، إذ يجب الاحتكام لأصوات المجمع الانتخابي الذي يقوم أعضاؤه بالانتخاب نيابة عن الناخبين من المواطنين الذين انتخبوهم ليقوموا بهذه المهمة، وهي طريقة معمول بها منذ عهد جورج واشنطن، فقد فاز جورج بوش بالرئاسة بعد حصوله على 271 صوتاً، مقابل حصول آل غور على 266 صوتاً من أصوات أعضاء المجمع.

this-is-why-america-uses-the-electoral-college-to-elect-presidents

وعقب هذه الانتخابات بدأت الانتقادات تتوالى على هذه الآلية الانتخابية، وأنها تتحكم في هوية الفائز بالانتخابات، بل وصل سياسيون ومحللون إلى اتهامها بأنها آلية “غير ديمقراطية” لحسم الانتخابات عفا عليها الزمان.

-انتخابات 2008 “رجل من أصول أفريقية – مسلمة سيد البيت الأبيض”

كل شيء في انتخابات العام 2008 كان مميزاً وفريداً عن سابقتها، ولعل ما ميزها هو ظهور النجم السياسي الأسمر صاحب الأصول المسلمة، باراك أوباما، الذي أعاد بكلماته الأمل للأمريكيين الغارقين في مستنقع الإفلاس والحروب.

فقد حظيت انتخابات 2008 بأكبر نسبة إقبال منذ انتخابات 1960، حيث إن نحو 66% من الناخبين المسجلين شاركوا في عمليات التصويت، وتجاوزت نسبة الإنفاق على الحملات الانتخابية المليار دولار.

كما حقق الحزب الديمقراطي فوزاً تاريخياً؛ بعدما حصل أوباما على نسبة 52.9% من أصوات التصويت الشعبي، و365 صوتاً من أصوات المجمع الانتخابي، في حين غرق الجمهوريون بخسارة مرشحهم آنذاك، جون ماكين، بنسبة 45.7% من أصوات الشارع، وحصوله على 173 صوتاً فقط من المجمع الانتخابي.

83306963CC403_Barack_Obama_

خالف التوقعات وهزم استطلاعات الرأي

في العام 2016، خالف المرشح الجمهوري دونالد ترامب جميع التوقعات وألحق هزيمة ساحقة باستطلاعات الرأي التي كانت تؤكد تقدّم المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون عليه بـ4%.

لكن في التاسع من نوفمبر، أحدث الملياردير الشعبوي زلزالاً سياسياً داخل الولايات المتحدة وخارجها بحصوله على 289 صوتاً مقابل 218 صوتاً لمنافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون، ليصبح الرئيس الخامس والأربعين للبلاد.

ترامب

ورغم التشكيك في نزاهة انتخابه وفتح تحقيقات رسمية بشأن مزاعم التدخل الروسي في الانتخابات لترجيح كفّته، فإن ترامب نجا من كل ذلك وأكمل فترته الرئاسية الأولى.

ويواجه ترامب أزمات داخلية طاحنة تتمثل في تعامله مع جائحة كورونا وخطابه العنصري الذي تسبب في احتجاجات واسعة خلال الشهور الماضية، وهو يخوض حالياً منافسة صعبة لفوز بولاية ثانية في مواجهة الديمقراطي جو بايدن، الذي يتقدم عليه بفارق نقطتين في أحدث استطلاعات الرأي.

انتخابات 2020.. تحدي غير مسبوق

شهدت انتخابات 2020 الأمريكية أحداثاً وتوترات لم تشهدها البلاد من قبل، فقد كانت المواجهة بين الرئيس الجمهوري دونالد ترامب ومنافسه الديمقراطي جو بايدن أكثر من مجرد صراع على كرسي الرئاسة؛ بل تحولت إلى اختبار حقيقي لقوة النظام الديمقراطي الأمريكي ومصداقيته.

جاء التصويت وسط ظروف استثنائية فرضتها جائحة كورونا، مما أدى إلى إقبال غير مسبوق على التصويت عبر البريد، حيث صوت ما يزيد عن 100 مليون أمريكي بهذه الطريقة، في مشهد يعكس حجم المخاوف والاهتمام البالغ بالانتخابات.

فاز جو بايدن بأكبر عدد من الأصوات في تاريخ الانتخابات الرئاسية الأمريكية حيث حصل على أكثر من 81 مليون صوت مقارنةً بحوالي 74 مليون صوت لترامب، ليفوز 306 من أصوات المجمع الانتخابي مقابل 232 لترامب ورغم هذا الفارق، رفض ترامب وأنصاره الاعتراف بالهزيمة، مشيرين إلى وقوع تزوير واسع النطاق، خاصة في التصويت عبر البريد.

قُدم ترامب حينها دعاوى قضائية كثيرة للطعن في النتائج لكنها لم تؤتِ ثمارها، حيث أكدت معظم المحاكم عدم وجود أدلة قوية تدعم مزاعم التزوير.

ومع تصاعد التوترات، جاء يوم 6 يناير 2021 كأحد أكثر الأيام درامية في التاريخ السياسي الأمريكي الحديث، عندما اقتحم أنصار ترامب مبنى الكابيتول في محاولة لعرقلة مصادقة الكونغرس على نتائج الانتخابات، لتفتح أحداث هذا اليوم نقاشات جادة حول إصلاح النظام الانتخابي والسياسي في البلاد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى