ما الذي يعنيه رفع الولايات المتحدة الحصانة القانونية عن “الأونروا”؟

الأمم المتحدة بصدد اتخاذ سلسلة من الإجراءات الدبلوماسية والقانونية للرد على هذا القرار الأمريكي
في ظل التحركات السياسية المتسارعة التي تشهدها المنطقة، واقتراب زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والذي من المتوقع أن يعقد خلالها قمة خليجية مهمة، تستمر الإدارة الأمريكية في اتخاذ قرارات متشددة ضد القضية الفلسطينية، دون أن تظهر أي نية للتراجع عنها.
ويعتبر قرار وزارة العدل الأمريكية برفع الحصانة القانونية عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” التي اتخذ خلال أبريل الماضي، من أبرز هذه الخطوات وأكثرها إثارة للجدل.
يمثل هذا القرار سابقة قانونية وسياسية خطيرة، تتقاطع مع المساعي الإسرائيلية القديمة والمتواصلة لتفكيك الوكالة الأممية، خصوصاً في ظل العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة منذ السابع من أكتوبر 2023، والذي أدخل القطاع في مرحلة مجاعة شديدة، بالتزامن مع الحديث الأمريكي عن نية توزيع المساعدات عبر قنوات بديلة غير المنظمات الأممية.
آثار القرار
يمهد القرار الأمريكي الطريق أمام إمكانية مقاضاة “الأونروا” أمام المحاكم الأمريكية، مما يشكل تهديداً وجودياً للوكالة ويؤثر بشكل مباشر على ملايين اللاجئين الفلسطينيين الذين يعتمدون على خدماتها الأساسية، من تعليم وصحة ومساعدات غذائية تُعتبر منقذة للحياة.
وفي تطور خطير، قامت وزارة العدل الأمريكية في أبريل الماضي بتقديم وثيقة رسمية إلى المحكمة الفيدرالية في نيويورك، اتهمت فيها “الأونروا” بالتستر على موظفين يزعم أنهم شاركوا في أحداث السابع من أكتوبر 2023، في إشارة مباشرة إلى الهجوم الذي شنته حركة “حماس” على “إسرائيل”، وطالبت الحكومة الأمريكية بتعويضات مالية ضخمة من الوكالة.
من جانبها، رفضت هيئة الدفاع عن “الأونروا” هذه الاتهامات، واعتبرتها غير مبنية على أسس قانونية أو أدلة دامغة، وأكدت أن الوكالة تتمتع بحصانة قانونية راسخة بصفتها جزءاً لا يتجزأ من منظومة الأمم المتحدة، وهو موقف كانت تدعمه جميع الإدارات الأمريكية السابقة.
إدارة “الأونروا” أكدت أن الأمم المتحدة بصدد اتخاذ سلسلة من الإجراءات الدبلوماسية والقانونية للرد على هذا القرار الأمريكي، وستكون هناك تحركات على جميع المستويات الدولية للدفاع عن شرعية الوكالة وحماية موظفيها ومقارّها.
حملة ممنهجة
رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني “حشد”، صلاح عبد العاطي، اعتبر أن القرار الأمريكي يأتي في سياق حملة ممنهجة تهدف إلى شيطنة “الأونروا”، وعرقلة عملها الإنساني، ووقف تمويلها، وصولاً إلى محاولة ملاحقتها قانونياً أمام القضاء الأمريكي، وهو ما يُعد سابقة خطيرة في العمل الأممي.
وقال عبد العاطي في تصريح لـ”الخليج أونلاين”: إن “هذا القرار هو امتداد لسياسة أمريكية متصاعدة، تهدف إلى فرض شريعة الغاب وتجاوز القانون الدولي، في ظل انسحاب واشنطن من العديد من الاتفاقيات والمنظمات الدولية، ومهاجمتها لمحكمة الجنايات الدولية، بالتزامن مع تصعيد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ومنع دخول المساعدات الإنسانية لليوم الـ57 على التوالي”.
ويشير إلى أن القرار جاء استناداً إلى مزاعم غير مثبتة، تتعلق بتورط بعض موظفي “الأونروا” في هجمات السابع من أكتوبر، واستخدام منشآتها من قِبل فصائل المقاومة الفلسطينية، “غير أن تحقيقات أجرتها لجنة أممية مستقلة أثبتت زيف هذه الادعاءات، ما يجعل القرار الأمريكي سياسياً بامتياز”.
وأكد أن هذه الادعاءات شكلت ذريعة للاحتلال الإسرائيلي لشن أكثر من 453 هجوماً عسكرياً على منشآت “الأونروا”، مما أدى إلى مقتل وإصابة المئات من المدنيين، وتدمير عشرات المدارس والمراكز الصحية التابعة للوكالة بشكل كلي أو جزئي، مع الإشارة إلى أن أكثر من 600 ألف نازح فلسطيني لجأوا إلى مراكز “الأونروا” بحثاً عن ملاذ آمن.
وذكر أن هذا القرار “يكرس الانحياز الأمريكي المطلق للاحتلال الإسرائيلي”، مطالباً محكمة العدل الدولية بالتدخل العاجل لمواجهة هذه الانتهاكات، وتجريم الاعتداء على “الأونروا” وموظفيها، والحكم بتعويض الوكالة عن الأضرار التي لحقت بها، مع التأكيد على أن قرار رفع الحصانة يُعد انتهاكاً سافراً للقانون الدولي، ويجب مواجهته على كافة المستويات القانونية والدبلوماسية.
ولفت عبد العاطي في حديثه لـ”الخليج أونلاين” إلى أن استهداف “الأونروا” يأتي ضمن محاولات تصفية القضية الفلسطينية، وسبق القرار الأمريكي قرارات إسرائيلية أبرزها الاستيلاء على مقر الوكالة في القدس المحتلة بهدف تحويله إلى مستوطنة.
وبيّن أن مدارس وكالة الغوث تتعرض أيضاً لهجمات إسرائيلية مستمرة، واقتحامات بين فترة وأخرى، إضافة إلى تدمير منشآتها في قطاع غزة من خلال قصفها وارتكاب مجازر بحق النازحين الذين نزحوا إلى مدارسها.