ما الذي تأمله دول الخليج من لبنان بعد تولي عون رئاسة البلاد؟
دعم اختيار عون ترويكا أمريكية-فرنسية-سعودية، يطالب بإصلاحات جذرية تشمل إعادة هيكلة النظام المصرفي وإنهاء الفساد المستشري
انتهى أخيراً الشغور الرئاسي في لبنان، بانتخاب قائد الجيش العماد جوزيف عون رئيساً للجمهورية، بعد مرور 26 شهراً ونيف، على انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون، وسط أزمات سياسية واقتصادية كبيرة تعصف بالبلد العربي.
وكان للمجتمع الدولي تواجداً واضحاً في هذه الانتخابات، فقد دعم اختيار عون ترويكا أمريكية-فرنسية-سعودية، يطالب بإصلاحات جذرية، تشمل إعادة هيكلة النظام المصرفي وإنهاء الفساد المستشري، خصوصاً دول الخليج التي أكدت مراراً أنها لن تقدم أي دعم مالي دون ضمان إصلاحات حقيقية تخرج لبنان من أزمته الحالية.
وفي ظل الكثير من المعطيات داخلياً وخارجياً، يبدو أن الرئيس اللبناني الجديد سيكون أمام تحدٍ كبير، سيرسم النجاح فيه جزءاً من ملامح مرحلة جديدة تتهيأ لها المنطقة ككل بعد التحولات التي شهدتها على مدار الأشهر القليلة الماضية، وسط تساؤلات حول ما الذي تأمله دول الخليج من لبنان بعد تولي عون رئاسة البلاد؟.
بداية جديدة للبنان
أنهى قائد الجيش اللبناني، العماد جوزاف عون، أزمة الشغور الرئاسي بوصوله إلى قصر بعبدا بعد انتخابه رئيساً للجمهورية في جلسة تاريخية عقدت (9 يناير 2025) ليطوي بذلك صفحة أزمة سياسية استمرت عامين وثلاثة أشهر.
وجاء انتخاب عون رئيساً للجمهورية اللبنانية في أعقاب أجواء سياسية مشحونة وصراعات حادة بين القوى السياسية والطائفية، في وقت تواجه فيه البلاد واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية والمالية والأمنية في تاريخها الحديث، وعقب حرب مدمرة بين حزب الله والاحتلال الإسرائيلي لم تضع أوزارها بشكل نهائي بعد، تاركة البلاد في حالة من الترقب والاضطراب.
وفي أول خطاب له بعد دقائق من انتخابه في مجلس النواب، تعهد عون بإقامة علاقات مثالية مع جميع الدول، وأن بلاده لن تصدر لتلك الدول بما فيها دول الخليج “إلا أفضل ما لدينا من صناعات ومنسوجات”.
كما شدد العماد عون على أهمية الالتزام بالدستور اللبناني كمرجعية أساسية، وأكد أن احتكار السلاح يجب أن يكون للدولة وحدها، في إشارة واضحة إلى ضرورة تقليص نفوذ حزب الله الذي طالما أثار جدلاً داخلياً ودولياً، وفي علاقة بلاده مع الدول الخليجية.
ترحيب خليجي
عقب إعلان فوز عون برئاسة لبنان، سارع جميع قادة دول الخليج والأمانة العامة لمجلس التعاون إلى الترحيب بهذه الخطوة، وعبرت الدول الخليجية على لسان الأمين العام لمجلس التعاون جاسم البديوي عن تطلعها لأن يسهم انتخاب العماد جوزيف عون “في استعادة الأمن والسلام في البلاد، وتحقيق تطلعات الشعب في الاستقرار والرخاء والتنمية”.
وفيما عبر العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان عن أصدق تهانيهما وتمنياتهما “بالتوفيق والسداد للبنان رئيساً وشعباً”، أبدى أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني عن أمله في “أن تمثل هذه الخطوة بداية مرحلة جديدة من الاستقرار والازدهار”، مؤكداً أن بلاده “ستظل دائماً داعمة للبنان وشعبه في مسيرتهم نحو مستقبل مشرق”.
كما أشاد أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد وولي عهده الشيخ صباح خالد الحمد بهذه الخطوة وبالعلاقات بين البلدين، وأكدا تطلعهما الدائم والمشترك “لتعزيز أواصر هذه العلاقات والارتقاء بأطر التعاون المشترك بينهما”، أكد رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد عن تطلعه “إلى العمل معه لما فيه خير شعبينا وأمن المنطقة واستقرارها”.
أما ملك البحرين حمد بن عيسى، فقد قال إن بلاده تدعم “كل ما يحفظ أمن لبنان واستقراره وسيادته ووحدة أراضيه وما يحقق مصلحة شعبه الشقيق”، فيما بعث السلطان هيثم بن طارق بعث ببرقية تهنئة إلى عون بمناسبة انتخابه رئيساً للجمهورية اللبنانية.
فرصة لدول الخليج
يؤكد المحلل السياسي اللبناني محمود علوش، أن ما حدث في لبنان “هو نتيجة للتحولات الإقليمية المزلزلة”، متحدثاً عن “واقع جديد في الشرق الأوسط وهذا الواقع يقود أو يجعل إيران منكفئة في دورها الإقليمي”.
ويشير إلى أن هذه التطورات “منحت دول الخليج العربي فرصة كبيرة لملئ فراغات الدور الإيراني وخصوصاً في لبنان، وإعادة تشكيل السياسات الداخلية في بعض الدول التي كانت في يوم من الأيام جزء من المحور الإيراني”.
ويلفت في حديثه لـ”الخليج أونلاين”، إلى وجود رهان خليجي كبير على الرئيس اللبناني الجديد من أجل تقويض قدرة إيران على تأثير السياسات الداخلية في لبنان، مدعوماً بشكل رئيسي بالتحول السوري.
وأوضح قائلاً: “هذا التحول السوري، يدفع السياسة اللبنانية تجاه منطق مختلف تماماً عن الماضي بوجود المحور الإيراني، ويمنح الخليج فرصة للتواجد أكبر في لبنان”.
ويتحدث أن الرئيس عون لديه أولويات عبر عنها في خطاب القصر، وعلى رأسها بناء الدولة ومكافحة الفساد والإصلاحات الضرورية من أجل الحصول على مساعدات اقتصادية للشروع في إعادة بناء الإعمار.
وعن التحديات التي تواجه الرئيس الجديد قال أنها تتمثل في “تشكيل حكومة جديدة قادرة على الموازنة بين احتياجات لبنان وتطلعات المجتمع الدولي والموازنة بين الديناميكية السياسية الداخلية وهذا التحدي الأكبر”، متحدثاً عن أن اختيار عون “يوجد فرصة لنقل لبنان من اللا دولة إلى بناء المؤسسات وإعادة دولة لبنان التي يريدها الجميع”.
الدور الخليجي
ويبدو أن تمويل إعادة الإعمار بسبب الحرب الإسرائيلية الأخيرة، أعطى دول الخليج دوراً حاسماً في ترجيح اختيار جوزيف عون، باعتباره شخصية عسكرية لإنجاز استحقاق مهم آخر، هو نزع سلاح حزب الله، الذي بات شرطاً دولياً حاكماً لمساعدة لبنان اقتصادياً ومعمارياً.
وخلال اتصالاتها لأكثر من عامين، درست اللجنة الخماسية بشأن لبنان والتي تشارك فيها دولتين خليجيتين هما السعودية وقطر إلى جانب مصر وأمريكا وفرنسا، العديد من أسماء المرشحين، لكنها توافقت منذ اجتماعها في الدوحة في يوليو 2023، على مواصفات مطلوبة في الرئيس.
وهذه المواصفات اشترطت أن يجسد النزاهة ويوحد الأمة ويضع مصالح البلاد في المقام الاول، وأن يشكل ائتلافاً واسعاً وشاملاً لتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الأساسية.
وكان لافتاً منذ مطلع 2023، بعد إعلان الأمين العام لحزب الله اللبناني، حسن نصر الله، المصنف إرهابياً في السعودية، دعم حزبه لوصول النائب والوزير السابق سليمان فرنجية إلى سدة الرئاسة في لبنان، التحرك الكبير من المملكة دبلوماسياً ضد ترشيحه، وساندت وبقوة لاحقاً اختيار عون رئيساً للبلاد.
وكان لبنان شهد حراكاً دبلوماسياً دولياً مكثفا في الساعات الأخيرة، عشية انتخاب عون، وتجلى هذا الحراك في الحضور اللافت لمبعوثين من السعودية وفرنسا والولايات المتحدة في العاصمة بيروت.
ومما كان لافتاً خلال إعلان أصوات الترشيح في مجلس النواب اللبناني، كان هناك صوت واحد لـ “جوزيف عاموس بن فرحان”، في إشارة إلى المبعوث الأمريكي عاموس هوكشتاين والمبعوث السعودي يزيد بن فرحان، وما تلقاه عون من دعم سعودي أمريكي.