ما أهمية سداد السعودية وقطر ديون سوريا لدى البنك الدولي؟

أعربت سوريا عن “شكرها وتقديرها العميق للبلدين على المبادرة الأخوية الكريمة”
لم يكن تسديد الديون المستحقة على سوريا للبنك الدولي من قبل قطر والسعودية مجرد إجراء مالي بسيط، بل شكل مؤشراً على تحولات أوسع نطاقاً في المقاربة الإقليمية والدولية تجاه دمشق.
ومع إنهاء متأخرات قدرها 15 مليون دولار من خلال مبادرة مشتركة بين الرياض والدوحة، تبدأ سوريا مساراً جديداً نحو إعادة إدماجها الاقتصادي، وسط تعقيدات سياسية وعقبات تمويلية ما تزال ماثلة بقوة.
وعلى مدى أكثر من أربعة عشر عاماً، بقيت سوريا معزولة عن المؤسسات المالية الدولية بسبب نظام بشار الأسد بعد اندلاع الحرب عام 2011، حيث قطع البنك الدولي كافة أشكال التمويل والمساعدة، واقتصرت العلاقة على تقديم بعض المشورات الفنية غير المُلزمة، فما معطيات الخطوة التي قامت بها الدولتان الخليجيتان.
تحرك قطري سعودي
في خطوة تشير إلى رغبة خليجية متنامية في تعزيز الاستقرار الإقليمي من خلال دعم تعافي سوريا اقتصادياً، أعلنت وزارتا المالية في قطر والسعودية في بيانِ مشترك أن السداد يهدف إلى “تسريع وتيرة تعافي الاقتصاد السوري” وتمكين البنك الدولي من استئناف دعمه للقطاعات الحيوية وإعادة بناء المؤسسات العامة.
وبعيد الإعلان السعودي القطري (27 أبريل)، أعربت سوريا، وفق بيان عن وزارة الخارجية، عن “شكرها وتقديرها العميق” للبلدين على “المبادرة الأخوية الكريمة”.
واعتبرت أن الخطوة “تعكس حرصاً مشتركاً على دعم الشعب السوري وتخفيف الأعباء الاقتصادية عنه، كما تفتح الباب أمام تفعيل التعاون مع المؤسسات الدولية بما يخدم مسار التعافي وإعادة الإعمار”.
ومن شأن سداد الديون أن يتيح للبنك الدولي إقرار مشاريع دعم لسوريا، لا سيما في مجالي إعادة الإعمار وتعافي الاقتصاد، حيث اقتصرت المساندة التي قدمها البنك الدولي لسوريا قبل اندلاع ثورة عام 2011، على المساعدة الفنية والخدمات الاستشارية بشأن تنمية القطاع الخاص، والتنمية البشرية، والحماية الاجتماعية، والاستدامة البيئية.
تحركات خليجية
لم تأت هذه الخطوة بمعزل عن سلسلة من المؤشرات الإقليمية الواضحة، فقد زار الرئيس السوري أحمد الشرع الرياض في أول زيارة رسمية له إلى الخارج، أكد الجانبان خلالها على رغبتهما في “فتح صفحة جديدة”.
كما كان أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أول زعيم عربي يزور دمشق بعد سقوط نظام بشار الأسد، متعهداً بتقديم دعم مباشر لعملية إعادة الإعمار، بما في ذلك تمويل مشاريع البنية التحتية الحيوية، قبل أن يزور الشرع منتصف أبريل الماضي الدوحة.
وأعلنت قطر عن خطة لتزويد سوريا بالغاز عبر الأردن، بهدف تحسين إمدادات الكهرباء التي تعاني من ضعف شديد نتيجة تدمير الشبكات خلال الحرب.
كل ذلك يؤكد أن المبادرات الاقتصادية الخليجية تُعد جزءاً من مقاربة سياسية أوسع تهدف إلى إعادة تأهيل سوريا وإعادة دمجها ضمن النظام العربي والدولي.
ما فائدة تسديد الديون؟
على الرغم من أن مبلغ الدين المسدد 15 مليون دولار، إلا أنه، وفق الكاتب والمحلل السياسي خالد باطرفي، سيرفع القيود على الدعم الذي قد يقدمه البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وصندوق التنمية.
ويضيف في مقابلة مع قناة “الإخبارية” السعودية:
– ستسمح هذه الخطوة أن يقوم البنك الدولي بالإفراج عن 150 مليون دولار لدعم رواتب الموظفين في القطاع العام، و150 مليون دولار لدعم البنية التحتية.
– صندوق النقد الدولي سيقدم أيضاً 300 مليون دولار، منها 150 مليون لدعم القطاع العام مثل الرواتب والأخرى ستقدم لمؤسسات حكومية لخدمات وإصلاحات القطاع العام.
– صندوق التنمية التابع للأمم المتحدة، سيقدم مليار و300 مليون دولار للجهات الحكومية، وهي عبارة عن منح غير مستردة ستدعمها السعودية والتي ستوجهها لصالح المنظمة الأممية.
دوافع اقتصادية وسياسية
لا تقتصر دوافع هذه التحركات على البُعد الإنساني أو الاقتصادي فقط، بل تشير إلى وجود مصالح استراتيجية واضحة وراء دفع بعض الدول العربية نحو دعم تعافي سوريا، والسعي إلى تقليل الفراغ الذي قد تستغله قوى إقليمية أخرى مثل إيران وروسيا، واللذان كان لهما حضور قوي في سوريا خلال سنوات الحرب.
كما تسعى هذه الخطوات إلى تحفيز استقرار داخلي نسبي في سوريا، يُجنب المنطقة مزيداً من موجات اللجوء أو التهديدات الأمنية العابرة للحدود.
وتشير التقارير الأممية الحديثة إلى أن إعادة إعمار سوريا تتطلب استثمارات تتجاوز 400 مليار دولار، وهو رقم لا تستطيع دمشق وحدها تغطيته دون دعم دولي واسع النطاق.
ورغم ذلك لا تزال عملية انخراط سوريا مع المؤسسات الدولية محفوفة بالتحديات، فقد أكدت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجيفا، خلال اجتماعات انعقدت أواخر شهر أبريل الجاري، على أهمية توفر بيانات اقتصادية موثوقة لبحث أي دعم مستقبلي.
وشارك حاكم مصرف سوريا المركزي ووزير المالية لأول مرة منذ أكثر من عقدين في اجتماعات الصندوق والبنك الدولي، في مؤشر على الانفتاح الحذر تجاه السلطات السورية الجديدة.
دلالات سياسية واقتصادية
يقول المحلل الاقتصادي فراس أحمد، إن سداد السعودية وقطر لمتأخرات سوريا لدى البنك الدولي، رغم أن المبلغ لا يتجاوز 15 مليون دولار، “يحمل دلالات سياسية واقتصادية أكبر بكثير من قيمته الاسمية”.
ويضيف لـ”الخليج أونلاين” بقوله:
– هذه الخطوة تزيل حاجزاً إجرائياً كان يمنع البنك الدولي من التعامل مع سوريا منذ 2011، ما يفتح المجال أمام استئناف تقديم المنح والدعم الفني للقطاعات الحيوية مثل الطاقة والتعليم والصحة”.
– رمزية السداد تتجاوز الجانب المالي، فهي تعبر عن بداية مسار لإعادة دمج سوريا تدريجياً في النظام المالي والدولي الرسمي، وتُرسل إشارات طمأنة إلى المانحين بأن بيئة التعامل مع سوريا قد تشهد تحسناً تدريجياً.
– حصول سوريا على مخصصات من البنك الدولي لن يكون بحجم كافٍ لمعالجة الأزمة الاقتصادية العميقة، لكنه خطوة تأسيسية ضرورية لاستقطاب دعم أوسع مستقبلاً، سواء من مؤسسات مالية أو من دول مانحة قد تتردد في الاستثمار أو تقديم المساعدات بدون غطاء مؤسسي واضح.
– المسألة ليست في قيمة الدين المسدد بل فيما يمثله من بداية لتفكيك عزلة سوريا الدولية، خصوصاً مع حاجة البلاد الماسة إلى قنوات دعم رسمية تتجاوز الإعفاءات الإنسانية المحدودة.