كيف تحقق قطر المعادلة الصعبة بين النمو الاقتصادي والاستدامة البيئية؟

لماذا تُعتبر قطر نموذجاً إقليمياً في التوازن بين الاقتصاد والبيئة؟
لأنها وازنت بين التنمية والبيئة بمشاريع ومبادرات مستدامة.
لماذا تركز قطر على التلوث البلاستيكي؟
لأنه يمثل تهديداً مباشراً للنظم البيئية وصحة الإنسان.
تجسد دولة قطر نموذجاً إقليمياً ملهماً في قدرتها على تحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي المتسارع والحفاظ على البيئة، مستندة إلى رؤية وطنية شاملة وشراكات دولية استراتيجية.
وتبذل دولة قطر جهوداً حثيثة لتوثيق وحوكمة تنوعها البيئي الفريد، حيث أشاد المدير والممثل الإقليمي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة في غرب آسيا، سامي ديماسي، بالخطوات الملموسة التي اتخذتها قطر في هذا المجال، معتبراً أنها تمثل نموذجاً يحتذى به على المستويين الإقليمي والدولي.
كما وجه ديماسي دعوته للمؤسسات الحكومية والبحثية في قطر للاستمرار في رفد هذه المنصة بالمعلومات، باعتبارها محطة معرفية مركزية للسياسات البيئية الرشيدة.
ومن أبرز هذه الخطوات تدشين قاعدة بيانات التنوع البيولوجي، التي جاءت كثمرة تعاون مثمر بين برنامج الأمم المتحدة للبيئة ودولة قطر، بحسب وكالة الأنباء القطرية “قنا”.
وبيّنت “قنا” في 3 يونيو 2025 أن هذه المنصة تعدّ أحد أبرز الأدوات التقنية الحديثة التي تعزز من حوكمة الموارد البيئية، عبر توثيق علمي دقيق لما تحتويه البلاد من نظم طبيعية برية وبحرية وساحلية وصحراوية، وفي مرحلتها الأولى وثقت أكثر من 2566 نوعاً حياً، مع خطط مستقبلية لتحديثها وتوسيعها بشكل مستمر.
مكافحة التلوث البلاستيكي
وفي ظل التحديات البيئية العالمية المتسارعة، يبرز التلوث البلاستيكي كأحد أخطر المهددات للأنظمة البيئية وصحة الإنسان، وتتطلب مواجهته جهوداً تكاملية على المستويين الوطني والدولي، تستند إلى التشريعات الفاعلة والتقنيات الحديثة والإرادة السياسية الواضحة.
ومن هذا المنطلق، جددت قطر تأكيد التزامها الراسخ بدعم مسارات الاستدامة البيئية، من خلال سياسات طموحة ومبادرات عملية تُسهم في الحد من التلوث وتعزيز جودة الحياة.
كما شدد وزير البيئة والتغير المناخي، الدكتور عبدالله السبيعي، أن دولة قطر تضطلع بدور محوري على الساحة الدولية في التصدي للتحديات البيئية، وفي مقدمتها التلوث البلاستيكي، مشيراً إلى أن اليوم العالمي للبيئة -5 يونيو- يُشكل فرصة لتجديد الالتزام الجماعي بحماية الأرض.
ونقلت صحيفة “الراية” القطرية في 3 يونيو 2025، عن السبيعي تأكيده على ضرورة التوصل إلى اتفاق دولي عادل يحد من التلوث البلاستيكي، مع مراعاة متطلبات الدول النامية وحقها في التنمية.
كما جدد تأكيد بلاده على المضي قدماً في تنفيذ التزاماتها البيئية، انسجاماً مع رؤية قطر الوطنية 2030، من خلال دعم السياسات المستدامة، وتشجيع الابتكار البيئي، وتوسيع الشراكات الدولية، بهدف خلق بيئة أكثر توازناً وأماناً للأجيال القادمة.
وفي هذا الإطار، تنفذ وزارة البيئة والتغير المناخي في قطر حزمة من المبادرات والسياسات البيئية التي تركز على التخفيف من أثر النفايات البلاستيكية، من خلال تطوير البنية التحتية لإعادة التدوير، وتشجيع الاستثمار في مراكز التدوير، وفرز النفايات من المصدر.
كما تسعى الوزارة إلى تقليل الاعتماد على الموارد الطبيعية، وتطوير الأطر التشريعية التي تضمن استدامة هذه الجهود، بالتعاون مع مختلف الجهات الوطنية.
إقليمياً ودولياً، تواصل قطر التفاعل البنّاء ضمن المنصات الدولية المعنية بالتلوث البلاستيكي، وقد شاركت بفعالية في لجنة التفاوض الحكومية الدولية التي تسعى لصياغة صك ملزم للحد من التلوث.
كما نظمت قطر اجتماعاً إقليمياً بالتعاون مع الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي لمناقشة النصوص المقترحة للصك القانوني، ما أسفر عن بلورة موقف خليجي موحد اعتمد لاحقاً كموقف عربي مشترك.
ولم تقتصر الجهود على المستوى التشريعي فقط، بل شملت أيضاً التعاون مع منظمات دولية مثل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لتنفيذ برامج رصد ومراقبة للجسيمات البلاستيكية في البيئة البحرية.
دولة رائدة
اعتمدت قطر نهجاً استراتيجياً في حماية بيئتها يقوم على المواءمة بين التنمية الاقتصادية والاستدامة ضمن رؤيتها الوطنية، وقد تجلى هذا التوجه في مجموعة من المبادرات والمشاريع التي أطلقتها وزارة البيئة وتغير المناخ، مستندة إلى تشريعات حديثة وشراكات إقليمية ودولية.
كما تشمل هذه الجهود توسيع المناطق المحمية لتغطي أكثر من 23% من مساحة الدولة، إلى جانب مبادرات نوعية مثل “زراعة 10 ملايين شجرة”، ومراقبة البيئة البحرية بالتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومشروع حماية السلاحف البحرية.
كما يجري تطوير شبكة وطنية لرصد جودة الهواء، وإنشاء مختبرات متخصصة لضمان دقة القياسات البيئية والإشعاعية.
ويقول الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الرحيم الهور، إن قطر، من خلال رؤية وطنية واضحة واستراتيجيات مبتكرة، استطاعت أن تضع الاستدامة البيئية في قلب مشروعها التنموي مضيفاً لـ”الخليج أونلاين”:
– منذ إطلاق رؤية قطر 2030، جرى وضع “التنمية البيئية” كأحد الركائز الأساسية، وهذا التوجه لم يكن مجرد شعار، بل تُرجم إلى سياسات واقعية واستثمارات مدروسة في البنية التحتية الذكية والطاقة النظيفة، إضافة إلى التقليل من الانبعاثات الضارة.
– هذا الالتزام قد تجلى بوضوح في استضافة قطر لكأس العالم 2022، كأول نسخة “محايدة كربونياً”، مما بعث رسالة عالمية بأن الاقتصاد الأخضر قابل للتحقيق حتى في الدول المنتجة للنفط والغاز.
– قطر تُعد من الدول الرائدة في ملف التغير المناخي، إذ كانت من أوائل الدول الخليجية التي أنشأت وزارة مستقلة تُعنى بالبيئة والتغير المناخي.
– مشاركات قطر النشطة في المؤتمرات الدولية المعنية بالمناخ، ومنها مؤتمر “COP18” الذي استضافته الدوحة، تدل على حرصها على أن تكون طرفاً فاعلاً في الحلول المناخية.
– في سياق مواجهة التحديات البيئية التي تهدد منطقة الخليج كالتصحر وندرة المياه، يصبح التعاون الخليجي ضرورة ملحة.
– التعامل مع هذه التحديات يتطلب تنسيقاً إقليمياً لضمان الاستفادة من التجارب الرائدة، مثل التجربة القطرية، وتوظيفها لصالح منظومة خليجية موحدة في مجالات تحلية المياه بالطاقة المتجددة وإدارة الموارد والرصد البيئي.
– الاستراتيجيات والمبادرات القطرية أسهمت في تعزيز جهود حماية البيئة بشكل ملموس، ومن أبرزها إطلاق استراتيجية التنمية الوطنية الثانية (2018–2022) التي ركزت على الاقتصاد الأخضر والابتكار البيئي.
– من المشاريع الكبرى التي تعكس جدية الدولة في تنويع مصادر الطاقة، محطة الخرسعة للطاقة الشمسية، وإلى جانب ذلك، تبذل قطر جهوداً في إدارة النفايات والتدوير، وحماية التنوع البيولوجي، وإنشاء المحميات الطبيعية.
– هذه الجهود لا تقتصر على الجانب الرسمي، بل تمتد إلى المجالين التعليمي والإعلامي، مما يساهم في ترسيخ ثقافة بيئية مجتمعية واعية ومستدامة.
– بهذا النهج المتكامل، تواصل قطر ترسيخ مكانتها كنموذج يحتذى به في التوازن بين التنمية والبيئة، وتفتح الطريق أمام دول المنطقة لتبني سياسات بيئية واقتصادية متناغمة مع متطلبات الحاضر وتحديات المستقبل.