عقارات مكة والمدينة.. إقبال متزايد يدفعه مزيج من الروحانية والاستثمار
إقبال كبير للأثرياء المسلمين على شراء العقارات في مكة والمدينة يأتي بدوافع دينية واستثمارية.
العوائد المرتفعة والإيجارات الموسمية تجذب المستثمرين، خاصة خلال موسم الحج والعمرة.
التسهيلات الحكومية ورؤية 2030 تعزز جاذبية الاستثمار.
تُعد مكة المكرمة والمدينة المنورة من أكثر المدن جذباً للأثرياء المسلمين حول العالم، ليس فقط لمكانتهما الدينية الفريدة، ولكن أيضًا بسبب الفرص الاستثمارية المتميزة التي توفرها سوق العقارات فيهما.
وفي ظل الاهتمام المتزايد بالعقارات الفاخرة في السعودية، كشفت أحدث استطلاعات الرأي أن أكثر من 82% من الأثرياء المسلمين لديهم رغبة قوية في امتلاك عقارات في المملكة، مع تركيز خاص على المدينتين المقدستين.
اهتمام كبير
هذا التوجه يعكس تحولاً واضحاً في سلوك المستثمرين الأثرياء، حيث يمتزج الدافع الروحي بالعوائد الاقتصادية، مما يجعل الاستثمار في مكة والمدينة خياراً مفضلاً يجمع بين القيم الدينية والأرباح التجارية.
وفقًا لاستطلاع شركة “نايت فرانك”، فإن 84% من الأثرياء المسلمين الذين يرغبون بشراء عقارات في المملكة يفضلونها بمكة المكرمة أو المدينة المنورة.
هذه النسبة الكبيرة تعكس الاهتمام البالغ بهاتين المدينتين اللتين تُعدان رمزين دينيين هامّين، ووجهتين رئيسيتين للمسلمين حول العالم.
الأثرياء المسلمون الذين يملكون صافي ثروة تتراوح بين 2 إلى 3 ملايين دولار يرغبون في امتلاك منازل في مكة، حيث أشار الاستطلاع إلى أن 48% منهم ينوون استخدام هذه العقارات كمقر إقامة رئيسي.
من جهة أخرى، يتجه 40% من المستثمرين إلى تخصيص ميزانيات تزيد على 5 ملايين دولار لشراء العقارات في هذه المناطق، مما يعكس رغبتهم في الاستفادة من العوائد الاستثمارية المحتملة، بالإضافة إلى البُعد الروحي لهذه الممتلكات.
ما سبب الإقبال؟
ولعل أبرز سبب وراء هذا الإقبال الكبير هو المكانة الدينية الفريدة التي تحظى بها مكة المكرمة والمدينة المنورة، إضافة لتمتعهما بالاستقرار السياسي والاقتصادي ما يجعلهما وجهة آمنة للاستثمار.
ويعتبر الاستثمار في العقارات في مكة والمدينة فرصة مربحة، حيث تشهد العقارات هناك ارتفاعاً مستمراً في قيمتها على مر السنين.
والطلب المرتفع على الإيجارات خاصة خلال موسم الحج والعمرة يوفر دخلاً ثابتاً لأصحاب العقارات.
إضافة إلى ذلك، تشهد المنطقة تطوراً متسارعًا في البنية التحتية والمشاريع الكبرى ضمن “رؤية 2030″، التي تهدف إلى تعزيز الاقتصاد وتنويع مصادر الدخل.
وعلاوة على هذه العوامل فإن الحكومة السعودية عملت على تسهيل إجراءات التملك والاستثمار العقاري، بما في ذلك السماح للأجانب بالتملك في مناطق محددة، وتوفير البنية التحتية المتطورة التي تشمل النقل والخدمات الأساسية.
وهذه التسهيلات تزيد من جاذبية الاستثمار العقاري للأثرياء المسلمين من خارج المملكة.
وأعلن رئيس هيئة السوق المالية السعودية، محمد القويز، في يناير الماضي، قرار الهيئة بفتح باب التملك العقاري للأجانب بمكة والمدنية.
“ذاخر مكة”
ولا يمكن الحديث عن الاستثمار العقاري في مكة المكرمة دون الإشارة لمشروع “ذاخر مكة” الذي اختتم المرحلة الأولى منه العام الماضي ومع نهاية 2024 ستنتهي المرحلة الثانية ليكتمل بشكل نهائي في 2026.
ويعد مشروع ذاخر مكة والذي تقدر قيمته الإجمالية بأكثر من 26 مليار ريال (نحو 7 مليارات دولار)، ويمتد على مساحة إجمالية تبلغ 320 ألف متر مربع أحد أهم مشاريع القطاع الخاص في المملكة وتحديداً مكة المكرمة.
ويعتبر المشروع الضخم أحد أكثر المشاريع العقارية شمولاً في مكة المكرمة، فهو يركز على دمج الممارسات الصديقة للبيئة في عمليات البناء الخاصة به، إضافة إلى استخدام معايير تدعم توفير الطاقة وإعادة استخدام الأحجار في بناء الطرق.
شركة ذاخر للتطوير، قامت أيضاً بشراكة مع الهيئة الملكية لمدينة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة بتأسيس أكبر صندوق عقاري برأس مال بلغ 11 مليار ريال (نحو 3 مليارات دولار)، ويهدف الصندوق لتطوير منطقة الكدوة الواقعة جنوب الحرم المكي، والتي تبعد عنه مسافة 500 متر تقريباً، ليكون ثاني مشروع عقاري شامل تعمل الشركة على تطويره في مكة.
مستقبل مضمون
ويُتوقع أن يشهد قطاع العقارات في مكة والمدينة نمواً كبيراً في السنوات القادمة، خاصة في ظل الخطط الطموحة التي وضعتها الحكومة السعودية لتعزيز البنية التحتية وتوسيع المشروعات السكنية والفندقية.
وفقاً لبيانات وكالة “ستاندرد آند بورز”، يُتوقع أن تصل قيمة السوق العقارية في السعودية إلى 2.1 تريليون دولار في العام الجاري.
وتسعى الحكومة إلى زيادة مساهمة القطاع العقاري في الناتج المحلي الإجمالي إلى 10% بحلول عام 2030.
وفي إطار “رؤية 2030″، تم الإعلان عن خطط لتسليم أكثر من 660 ألف وحدة سكنية، وأكثر من 320 ألف غرفة فندقية في مكة والمدينة، مما سيزيد من القدرة الاستيعابية ويوفر خيارات سكنية متنوعة للمستثمرين والزوار على حد سواء.
وفي قراءته لهذه المعطيات، يقول الخبير الاقتصادي منير سيف الدين، إن “إقبال الأثرياء المسلمين على شراء العقارات في مكة المكرمة والمدينة المنورة لا يرتبط فقط بالعوائد الاستثمارية، بل يتعداه إلى دوافع دينية”.
ويشير سيف الدين في حديثه لـ”الخليج أونلاين”، إلى أنه من الناحية الاقتصادية فإن سوق العقارات في مكة والمدينة يتميز باستقرار كبير ونمو مستمر، مدفوعاً بالطلب المتزايد خاصة خلال فترة الحج إلى جانب محدودية العرض بسبب القيود المفروضة على البناء بالقرب من الحرم.
وهذا التوازن بين العرض والطلب يؤدي إلى ارتفاع مستمر في قيمة العقارات، ما يجعلها فرصة استثمارية جذابة لتحقيق عوائد مرتفعة من الإيجارات، خاصة خلال المواسم الدينية.
ويرى أن رؤية 2030 قد ساهمت بشكل كبير في تعزيز جاذبية الاستثمار العقاري في المملكة، مع المشاريع الكبرى التي تُحدث نقلة نوعية في البنية التحتية للمدينتين المقدستين.
كما أن التسهيلات الحكومية للأجانب بالتملك في مناطق محددة عززت من جذب الاستثمارات الأجنبية، وأضفت مزيداً من التنافسية على السوق، وفق المحلل الاقتصادي.
أما عن مستقبل قطاع العقارات في مكة والمدينة، فيتوقع سيف الدين استمرار ارتفاع الطلب على هذه العقارات، خاصة مع التوسع في الطاقة الاستيعابية للحرمين الشريفين وزيادة أعداد الحجاج والمعتمرين المتوقعين في السنوات المقبلة.
ويشير إلى أن تزايد عدد الأثرياء المسلمين حول العالم، إلى جانب ارتفاع مستويات الدخل، يعزز من فرص الاستثمار في هذه المنطقة.