سوريا تعود من بوابة الرياض.. دعم سعودي يتجاوز العقوبات

لعبت السعودية دوراً بارزاً في إقناع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإعلانه رفع العقوبات المفروضة على سوريا
منذ اندلاع الثورة السورية في عام 2011، تباينت المواقف الإقليمية والدولية تجاه الصراع الدائر في البلاد، لكن ومع مرور السنوات، اكتسبت المملكة العربية السعودية دوراً محورياً في تعزيز استقرار سوريا على الأصعدة الاقتصادية والسياسية والأمنية، والذي عززته بعد سقوط نظام بشار الأسد وقدوم سلطة جديدة لحكم البلاد.
دعمها الواضح والكبير والمستمر لسوريا وحكومتها الجديدة، لم يقتصر فقط على تقديم المساعدات الإنسانية، بل امتد إلى شراكات استراتيجية تهدف إلى إعادة إعمار البلاد وتحقيق أمنها واستقرارها على المدى البعيد.
وقد تجسد هذا الدور في عدة محاور أساسية، بدءاً من الدعم المالي والتعاون الاقتصادي وصولاً إلى التنسيق السياسي والأمني مع الحكومة السورية، بما في ذلك جهود المملكة لتسوية الملف السوري على الساحة الدولية، وصولاً إلى لعبها دوراً بارزاً في رفع العقوبات المفروضة على دمشق.
رفع العقوبات
لعل أهم ملف حتى الآن وكان للسعودية البصمة العليا فيه، عندما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الثلاثاء (13 مايو 2025)، رسمياً، من العاصمة الرياض، أنه قرر رفع العقوبات عن سوريا، بعد مناقشته الأمر مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
وقال ترامب، خلال كلمته بمنتدى الاستثمار السعودي الأمريكي في الرياض: “سنأمر برفع العقوبات المفروضة على سوريا لإعطائهم الفرصة التي يستحقونها، بعد مناقشة هذا الأمر مع ولي العهد السعودي، سأفعل أي شيء يطلبه (بن سلمان)”.
كما أعلن ترامب من الرياض عن اجتماع لوزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، مع نظيره السوري أسعد الشيباني، جرى لاحقاً في أنطاليا، أكد خلال الأخير “وضع لبنة مهمة في بناء علاقات استراتيجية متقدمة مع الولايات المتحدة، بما يخدم مصالح شعبنا ويعزز من حضورنا الإقليمي والدولي”.
وفي حين أعلن ترامب أن إدارته اتخذت الخطوة الأولى لتطبيع العلاقات مع سوريا، وجه حديثه للسوريين قائلاً: “أرونا منكم شيئاً خاصاً من أجل مستقبلكم”.
من جهته، قال روبيو بعد لقائه الشيباني إن واشنطن ستصدر إعفاءات أولية من العقوبات القانونية المفروضة على سوريا، وذلك بعد قرار ترامب.
عاد ترامب بعد أيام وتحديداً في 17 مايو، للحديث حول رفع العقوبات وسببه، مؤكداً أنه لم يتردد “لثانية” عندما طلب منه ولي العهد السعودي رفعها.
وأضاف في حديث مع قناة “فوكس نيوز”، أن ولي العهد السعودي أخبره بأن السوريين لا يمكنهم الصمود مع هذه العقوبات، لافتاً إلى أن طلب بن سلمان “كان نابعاً من القلب”.
دعم سياسي في محافل دولية
وتسعى المملكة إلى تعزيز مكانتها كلاعب رئيسي في الملف السوري، من خلال دعمها الثابت للجهود الدولية الرامية إلى إيجاد حل سياسي شامل في البلد العربي، حيث عملت الرياض على دعم القيادة الجديدة في محافل الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية، وهو ما تجلى في موقفها الثابت من رفع العقوبات الاقتصادية.
وسبق أن قال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان (أواخر يناير 2025) بأن المملكة تؤمن بضرورة رفع العقوبات عن سوريا كجزء من عملية إعادة الإعمار وإعادة الدمج في المجتمع الدولي.
وأوضح بن فرحان أن رفع العقوبات سيمنح سوريا الفرصة للتركيز على تحسين أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية، وكذلك على تسريع إعادة بناء البنية التحتية التي دُمرت خلال سنوات الصراع، مشيراً إلى أن استمرار العقوبات لن يساهم سوى في تفاقم الأوضاع الإنسانية، وهو ما يتناقض مع أهداف المجتمع الدولي في تحقيق الاستقرار الإقليمي.
وكانت السعودية الوجهة الأولى للرئيس السوري أحمد الشرع (مطلع فبراير 2025)، حيث اكتسبت هذه الزيارة أهمية خاصة كونها أول زيارة خارجية له، وتم خلالها تناول ملفات تهم العلاقة بين البلدين.
عربياً، استضافت السعودية اجتماعاً بين وفدين سوري ولبناني، في مدينة جدة، أواخر مارس الماضي، بتوجيهات من ولي العهد، حيث تم خلاله الإعلان عن اتفاق بشأن الحدود يهدف لتنسيق وتعزيز التعاون في القضايا الأمنية والعسكرية بين الجارين.
كما استضافت الرياض، في 12 يناير، اجتماعاً عربياً ودولياً جمع وزراء خارجية تركيا وسوريا والدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، والعراق ولبنان والأردن ومصر وبريطانيا وألمانيا، إضافة إلى الولايات المتحدة وإيطاليا على مستوى نائب وزير الخارجية، ناقش حينها الوضع في سوريا، في مسعى يهدف إلى تحقيق الاستقرار بعد سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد.
الدعم الاقتصادي والمالي
على مدار أشهر مضت وتحديداً منذ سقوط نظام الأسد مطلع ديسمبر من العام الماضي، كانت السعودية من أبرز الداعمين للجهود الاقتصادية في سوريا، حيث قدمت العديد من المنح والمساعدات المالية التي تساهم في تخفيف وطأة الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد.
ولعل أبرز مظاهر هذا الدعم هو تسديد المملكة، بالتعاون مع قطر، لمتأخرات الديون السورية لدى مجموعة البنك الدولي، وفقاً لما أُعلن مؤخراً، فقد قامت الدولتان بتسديد 15 مليون دولار، وهي خطوة أساسية سمحت بفتح باب التعاون مجدداً بين سوريا والمؤسسات المالية الدولية بعد انقطاع استمر أكثر من 14 عاماً.
وأكدت هذه الخطوة على التزام المملكة بالاستثمار في إعادة بناء الاقتصاد السوري، حيث يتيح السداد للبنك الدولي استئناف نشاطاته في سوريا، ما سيسهم في تمويل مشاريع إعادة الإعمار وتقديم الدعم للمؤسسات الحكومية.
وترى السعودية أن هذا الدعم يمثل استثماراً طويل الأمد في استقرار المنطقة، حيث يعتبر الاقتصاد السوري جزءاً محورياً في إعادة التوازن إلى منطقة الشرق الأوسط بعد سنوات من النزاع الدامي، كما أن ذلك يفتح المجال لاستعادة النشاط الاقتصادي في سوريا، ويساهم في تحسين الظروف المعيشية للسوريين الذين يعانون من فقر مدقع وبطالة مستفحلة.
وتسعى المملكة، ضمن جهود خليجية مشتركة، لإقامة منتدى اقتصادي خليجي مشترك مع سوريا، بحسب ما كشفت صحيفة “الاقتصادية” السعودية (18 مايو)، موضحة أن الأمانة العامة لمجلس التعاون أجرت مشاورات مع اتحاد الغرف الخليجية بهذا الشأن.
وسبق أن صرح وزير المالية السوري محمد يسر برنية في أواخر أبريل الماضي، أن السعودية تحشد مؤسسات التمويل الدولية والإقليمية وعدداً من دول العالم لدعم سوريا.
تجارياً، أعلنت الهيئة العامة للموانئ السعودية “موانئ” في فبراير الماضي، عن إضافة خدمة الشحن الجديدة “EXS6” التابعة لشركة “Caerus” إلى ميناء جدة الإسلامي، والتي تُعد إحدى خدمات الشحن الملاحية المباشرة مع سوريا.
وزار وفد من الهيئة العامة للطيران المدني السعودي، مطار دمشق الدولي، مطلع أبريل الماضي، تمهيداً لإعادة تسيير رحلات شركات الطيران السعودية إلى سوريا، وفق وما ذكرته وكالة الأنباء العربية السورية “سانا”، حينها.
الدعم الأمني
أمنياً، ففي الأشهر الماضية، استضافت الرياض وفدين أمنيين سوريين للتنسيق حول تنظيم الأمن والاستقرار، حيث تقول السعودية أن الزيارة “هدفت إلى الاطلاع على تجربة الأجهزة الأمنية السعودية، والاستفادة من خبراتها المتقدمة في المجالات الأمنية ذات الصلة بما يسهم في تطوير منظومة العمل الأمني في سوريا، ويعزز قدرتها على مواجهة التحديات”
وتبادل الطرفان النقاشات في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف، مع التركيز على تعزيز التعاون الحدودي لمكافحة تهريب المخدرات الذي يعد أهم ملف بالنسبة للجانب السعودي في الآونة الأخيرة.
وقد أعرب مسؤولون سعوديون عن استعداد المملكة لتقديم الدعم الفني والتقني لتدريب القوات الأمنية السورية، فضلاً عن أبرز الملفات المتمثل في مكافحة المخدرات والذي عانت السعودية منه كثيراً خلال حكم الرئيس المخلوع بشار الأسد.
فيما تقول الداخلية السورية، إن “الزيارات هدفت إلى الاطلاع على تجربة الأجهزة الأمنية السعودية، والاستفادة من خبراتها المتقدمة في المجالات الأمنية ذات الصلة بما يسهم في تطوير منظومة العمل الأمني في سوريا، ويعزز قدرتها على مواجهة التحديات”.
تشكيل محور استراتيجي
يقول الكاتب والمحلل السياسي السوري إبراهيم الجبين إن السعودية اتخذت موقفاً إيجابياً من التغيير في دمشق، انطلاقاً من قناعتها بأهمية سوريا ودورها المحوري بالمنطقة في حال توفرت الظروف المناسبة.
وأوضح الجبين في حديثه لـ”الخليج أونلاين”:
– الرياض، بالتنسيق مع قطر، دعمت منذ الأيام الأولى لإسقاط النظام السابق وفرار بشار الأسد، إدارة الرئيس السوري الجديد الشرع، وعملت على تعزيز شرعيته داخلياً وخارجياً.
– هذا الدعم ساعد في فتح قنوات دبلوماسية متعددة للرئيس الشرع عربياً وأوروبياً، وكان أبرزها اللقاء الذي جمعه بالرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في الرياض، برعاية ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
– السعودية لعبت دوراً حاسماً في رفع العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا بسبب جرائم النظام السابق، وإعلان ترامب لقراره بهذا الشأن، ورد فعل القيادة السعودية، كان له وقع كبير على الشعبين السوري والسعودي.
– ما تقوم به المملكة حالياً يندرج ضمن جهود تشكيل محور جيوستراتيجي جديد يضم الرياض والدوحة وأبوظبي وعمّان ودمشق، وربما أنقرة، بما يحقق مصالح إقليمية ودولية مشتركة، ويستجيب لتطلعات الشعوب في التنمية والازدهار بعيداً عن الصراعات والأيديولوجيات السابقة.
– رفع العقوبات عن سوريا يمهد الطريق أمام شراكات اقتصادية واستراتيجية واسعة بين دول هذا المحور، ويجعل من إعادة إعمار سوريا قاعدة رئيسية لمشاريع الطاقة والأسواق الإقليمية المقبلة.
الدعم الثقافي والإنساني
أما على المستوى الثقافي والإنساني، فتواصل السعودية تقديم الدعم لسوريا في مجالات التعليم والصحة، حيث أرسلت الرياض العديد من المساعدات الإنسانية عبر جسر جوي وبري يشمل المواد الغذائية والأدوية واللقاحات إلى المناطق المتضررة من الحرب.
كما تعمل السعودية على دعم البرامج التعليمية التي تهدف إلى تأهيل الأجيال القادمة في سوريا، بعد أن ألحقت سنوات الحرب دماراً كبيراً بالمؤسسات التعليمية.
وتعكس هذه الجهود الالتزام السعودي بتقديم الدعم الشامل لسوريا، بعيداً عن النظر إلى الأبعاد السياسية فقط، فقد تم تأهيل العديد من المستشفيات والمدارس في المناطق التي عانت من النزاع، وتمويل مشاريع إعادة بناء المستشفيات وتزويدها بالأدوية والمعدات الطبية الضرورية.
ووقّع مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، الأحد (19 مايو)، مشروعاً مشتركاً مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) لإعادة تأهيل 33 من المخابز المتضررة في سوريا، بقيمة إجمالية بلغت 5 ملايين دولار، وذلك على هامش أعمال المنتدى الإنساني الأوروبي 2025 في بروكسل.
ودشن المشرف العام على مركز الملك سلمان للإغاثة في السعودية، عبد الله الربيعة، في فبراير الماضي، برنامج “أمل” التطوعي لمساعدة السوريين، وشارك فيه أكثر من 3 آلاف متطوع ومتطوعة من أبناء المملكة، وشمل 45 تخصصاً طبياً وتدريبياً، وقدرت ساعات العمل التطوعية فيه بنحو 218.500 ساعة
ومنذ سقوط نظام الأسد، سيرت السعودية جسراً جوياً إغاثياً لسوريا، بإرسال 15 طائرة إغاثية تحمل مساعدات عاجلة، فضلاً عن إرسال جسر بري مروراً عبر الأردن بعشرات الشاحنات.
ووصل الدعم السعودي إلى الجانب الفني، حيث أطلق فنانون سعوديون أغنية بعنوان “نسمو معاً”، تعبيراً عن مشاعر التضامن والمحبة التي تجمع الشعبين السعودي والسوري، حيث حملت كلمات الأغنية رسائل دعم وتضامن وتأكيد للوقوف مع سوريا لمساعدتها في تجاوز في الظروف التي تمر بها.