زيارة ترامب لقطر.. تتويج لدور الدوحة الصاعد إقليمياً ودولياً

– رجل الأعمال الكواري: تواجد الرئيس الأمريكي في الدوحة إقرار دولي بفعالية ومصداقية الدور القطري
– الأكاديمي البراري: قناعة متنامية في واشنطن بأن قطر يمكن أن تلعب دورا فاعلا في العديد من قضايا المنطقة
تكتسب زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى قطر أهمية خاصة، إذ تمثل أول زيارة لرئيس أمريكي إلى الدوحة منذ أكثر من 22 عاماً، ما يعكس التحول النوعي في مكانة قطر ضمن معادلات السياسة الدولية.
وتسلط الزيارة الضوء على الدور المتصاعد الذي تلعبه الدوحة كشريك محوري للولايات المتحدة في ملفات استراتيجية، تشمل أمن الطاقة، والوساطة في النزاعات الإقليمية، والتوازنات الجيوسياسية في الشرق الأوسط.
ويحمل توقيت الزيارة دلالات بالغة الأهمية، كونها تأتي في ظل تصاعد غير مسبوق في الأزمات الإقليمية، بدءاً من العدوان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية، مروراً بمفاوضات التهدئة في السودان واليمن وهي ملفات طالما اضطلعت فيها قطر بدور الوسيط النزيه والفعّال.
تدرك واشنطن أن الدوحة، بما تملكه من قنوات تواصل فاعلة مع أطراف متباينة، تُعد شريكاً لا غنى عنه في جهود نزع فتيل التوترات، ما يجعلها لاعباً أساسياً في إدارة الأزمات الإقليمية وتعزيز الاستقرار في المنطقة.
وقد شهدت العلاقات القطرية الأمريكية تطوراً ملحوظاً، توّج بإطلاق الحوار الاستراتيجي القطري الأمريكي في عام 2017، وهو إطار مؤسسي يعكس التفاهم العميق بين الجانبين بشأن قضايا الدفاع، والطاقة، والتعليم، والاقتصاد، ومنذ ذلك الحين، واصلت العلاقات الثنائية نموها بوتيرة متصاعدة، مدفوعة بتقاطع المصالح المشتركة والرؤى المتقاربة تجاه عدد من الملفات الإقليمية والدولية.
وتفتح الزيارة الرئاسية الباب أمام مرحلة جديدة من العلاقات بين الدوحة وواشنطن، تقوم على مزيد من الاستقرار والعمق الاستراتيجي، ومن المتوقع أن تسهم في تعزيز التعاون في مجالات الدفاع والطاقة، وتوسيع آفاق التنسيق في مواجهة التحديات الأمنية، إضافة إلى دعم جهود التنمية المستدامة في المنطقة.
تطورات إقليمية
وفي هذا السياق، أكد الدكتور ماجد بن محمد الأنصاري، مستشار رئيس مجلس الوزراء والمتحدث الرسمي لوزارة الخارجية القطرية، أن زيارة الرئيس ترامب تأتي في إطار تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين قطر والولايات المتحدة، في ظل تطورات إقليمية ودولية تتطلب تنسيقاً وثيقاً بين البلدين.
وشدد الأنصاري، في تصريحات صحفية، على أن الزيارة تعكس الأهمية المتزايدة للدور الذي تؤديه قطر في ملفات الأمن الإقليمي والطاقة والوساطة الدبلوماسية.
ويرى مراقبون ومحللون سياسيون أن الزيارة تمثل تتويجاً لسنوات من الجهود الدبلوماسية القطرية، وتأكيداً على تطور موقع الدوحة في الحسابات الاستراتيجية الأمريكية، بوصفها شريكاً موثوقاً وفاعلاً في التعامل مع قضايا إقليمية ودولية بالغة التعقيد والحساسية.
ملفات شائكة ومعقدة
زيارة ترامب إلى قطر تأتي في لحظة فارقة تحمل دلالات استراتيجية عميقة، لا سيّما أنها تُعد أول زيارة لرئيس أمريكي إلى الدوحة منذ أكثر من عقدين، وفقا لرجل الأعمال أحمد علي البنغيث الكواري.
ويضيف الكواري في حديثه لـ الخليج أونلاين: “الزيارة تُبرز المكانة المتقدمة التي باتت تحظى بها قطر على المستويين الإقليمي والدولي، كشريك فاعل يتمتع برؤية مستقلة ومؤثرة في صياغة توازنات المنطقة”.
وحول توقيت الزيارة يرى الكواري أن توقيت الزيارة يعكس إدراكاً أمريكياً متزايداً للدور المحوري الذي تضطلع به دولة قطر، بقيادة الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد، في دعم الاستقرار الإقليمي، وقيادة جهود الوساطة في ملفات شائكة ومعقدة، مؤكدا أن الدوحة نجحت في ترسيخ نفسها كوسيط نزيه يتمتع بثقة مختلف الأطراف، وهو ما جعلها أحد أهم الفاعلين في مشهد الوساطات الدولية.
ويتابع الكواري في حديثه لـ”الخليج اونلاين”، أن “العلاقات القطرية الأمريكية شهدت في السنوات الأخيرة تطوراً نوعياً، توّج بإطلاق الحوار الاستراتيجي عام 2017، والذي أسس لشراكة شاملة لمجالات السياسة والدفاع والاقتصاد والطاقة والتعليم”.
وربط الكواري الزيارة الرئاسية بحملات التشكيك المغرضة التي تستهدف الوساطات القطرية، معتبرا أن تواجد الرئيس الأمريكي في الدوحة يحمل رسالة دعم واضحة، وإقرار دولي بفعالية ومصداقية الدور القطري، في وقت تحتاج فيه المنطقة إلى أصوات عاقلة ومواقف متزنة.
واختتم الكواري تصريحه بالقول: “نتطلع إلى أن تفتح هذه الزيارة آفاقاً جديدة لمزيد من الاستقرار والشراكة الاستراتيجية، وأن تسهم في ترسيخ الأمن والسلام، ليس فقط على مستوى الشرق الأوسط، بل في العالم أجمع”.
مركز السياسة العربية
من جانبه، يرى أستاذ العلاقات الدولية في جامعة قطر، الدكتور حسن البراري، أن زيارة الرئيس الأمريكي إلى الدوحة لا يمكن فصلها عن التحول في التوجهات الأمريكية، والتي بدأت تستوعب بأن منطقة الخليج قد أصبحت مركزا للسياسة العربية، وخصوصا السعودية وقطر والإمارات.
ويضيف البراري، في تصريحه لـ”الخليج أونلاين”، أن دول الخليج باتت تلعب دورا متعاظما في السياسة الإقليمية والدولية، سواء عبر قدراتها الاستثمارية، أو من خلال دورها الوسيط، كما هو الحال في قطر، إضافة إلى إسهامها في معالجة أزمات اقتصادية عالمية، مثل أزمة الغاز الأوروبي.
وأشار إلى أن الخليج العربي أصبح يحتل مكانة متقدمة في السياسة الخارجية للدول الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، لا سيما في ظل أدواره الإقليمية الفاعلة، مشيرا إلى التطورات الأخيرة، مثل إعلان السعودية رفع القيود عن سوريا، ولقاءات مهمة جرت بين أطراف إقليمية ودولية، بينها الرئيس السوري ونظيره الأمريكي.
وفي سياق تعليقه على زيارة ترامب للدوحة، أوضح البراري أن العلاقات القطرية – الأمريكية تتسم بطابع استراتيجي على المستويات الأمنية والاقتصادية والسياسية، ما يمنح الزيارة أهمية خاصة، ويؤكد مركزية قطر في السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط.
وتابع البراري: “هناك قناعة متنامية في واشنطن بأن قطر يمكن أن تلعب دورا فاعلا في حلحلة العديد من قضايا المنطقة، ولهذا فإن دورها في الوساطات الإقليمية يُعد بالغ الأهمية، حيث نجحت الدوحة في الوساطة بين طالبان والولايات المتحدة في أفغانستان، كما سعت للتقريب بين الأطراف في الصراع العربي الإسرائيلي، وحققت نتائج معتبرة، وإن لم تكن كاملة”.
وختم البراري حديثه بالقول: “الولايات المتحدة عاجزة عن تقديم حلول حقيقية للملف الإسرائيلي – الفلسطيني، بسبب انحيازها الكامل للرؤية الإسرائيلية، ما يجعل التعويل على موقف أمريكي نزيه أمرا غير واقعي، مع ذلك، بإمكان دول الخليج، وخصوصا قطر، أن تلعب دورا مهما في تقريب وجهات النظر، بما يسهم في التوصل إلى تسوية أو على الأقل إلى هدنة طويلة الأمد”.