زيارة ترامب “التاريخية” إلى الخليج.. دلالات سياسية واستراتيجية

الأكاديمي الإماراتي عبدالخالق عبدالله:
زيارة الرئيس ترامب تعكس تقديره الشخصي لقادة دول الخليج وتحديداً الدول الثلاث.
الرئيس ترامب يقدر دول الخليج تقديراً عالياً استثمارياً، ويقدرها مالياً واقتصادياً.
أعتقد أن دول الخليج ستكرس كل جهدها وإمكانانتها لإقناع ترامب بوقف حرب غزة.
حطّت طائرة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مطار الملك خالد الدولي بالعاصمة السعودية الرياض، في مستهل زيارة تاريخية، تشمل إلى جانب المملكة كلاً من قطر والإمارات.
ترامب الذي وصف الزيارة بأنها “تاريخية بكل المقاييس”، اختار الدول الثلاث بعناية، لما لها من ثقل سياسي ودبلوماسي واقتصادي وأمني، فضلاً عن دورها الناجح في قيادة العديد من الوساطات الدولية.
ولترامب آمال من وراء الزيارة، وأهداف يسعى لتحقيقها، تصب في مصلحة بلاده، ولدول الخليج أيضاً مصلحة كبرى في خلق إطار فعّال وقوي للعلاقات مع أقوى دولة في العالم، فما دلالات هذه الزيارة، وكيف ستنعكس على دول الخليج والمنطقة؟.
زيارة تاريخية
زيارة ترامب مليئة بالأجندة العملية، في مرحلة وظروف بالغة التعقيد، وبتوقيت حساس تشهده المنطقة في ظل استمرار العدوان على غزة، والنقاش النووي بين أمريكا وإيران، وتوترات البحر الأحمر وملف اليمن.
وفي الرياض، سيكون برنامج الرئيس ترامب حافلاً باللقاءات والاجتماعات الثنائية، كما سيشارك في “منتدى الاستثمار السعودي الأمريكي”، وفي القمة العربية الأمريكية التي ستحتضنها العاصمة السعودية، فضلاً عن لقاءات ستعقد مع مستثمرين ورجال أعمال خليجيين وأمريكيين.
وقالت كارولين ليفيت، المتحدثة باسم البيت الأبيض في وقت سابق، إن ترامب يولي أهمية كبيرة لرحلته إلى السعودية وقطر والإمارات، مشيرةً إلى أنه يسعى لتعزيز العلاقة مع دول الشرق الأوسط.
وأضافت ليفيت للصحفيين: “سيعود ترامب ليؤكد على رؤيته المتواصلة لشرق أوسط مزدهر وناجح، حيث تقيم الولايات المتحدة ودول الشرق الأوسط علاقات تعاون، يتم فيها هزيمة التطرف ليحل محله التبادل الثقافي والتجاري”.
الأمن والاقتصاد
وعلى طاولة الرئيس الأمريكي والقادة الخليجيين، سيكون هناك العديد من الملفات الاستراتيجية، الحاسمة والمهمة للأطراف جميعها، يتقدمها الأمن الإقليمي، والتعاون الدفاعي، والاستثمار في مجالات التكنولوجيا والطاقة المتجددة، وغيرها من المجالات.
وقال سامويل وربيرغ، المتحدث الإقليمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية إن الزيارة ستعزِّز التنسيق بشأن التهديدات البحرية في البحر الأحمر، فضلاً عن التطورات في غزة ولبنان واليمن والسودان وليبيا ولبنان والعراق، ومواجهة السلوك الإيراني المزعزع للاستقرار، حسب قوله.
ووفقاً للأجندة الحالية للزيارة، من المتوقع أن يتم التوصل إلى صفقات ضخمة في مختلف المجالات، حيث تسعى واشنطن لجذب استثمارات خليجية بتريليونات الدولارات، خلال سنوات حكم ترامب الراهنة، وهي بلا شك صفقات ستغير مستقبل المنطقة، وأيضاً ستنقل العلاقات الخليجية الأمريكية إلى مستوى مختلف، يمكن القول إنه يؤسس لتحالف وثيق واستراتيجي غير مسبوق.
تقدير شخصي
أن يخص ترامب دول الخليج بأول زيارة خارجية له، هو أمر يحمل دلالات رمزية بنفس أهمية دلالاتها الاستراتيجية العميقة، وفقاً للدكتور عبدالخالق عبدالله، أستاذ العلوم السياسية بدولة الإمارات.
ويرى عبدالله، في تصريح لـ”الخليج أونلاين”، أن ترامب يقدر عالياً زعماء دول الخليج بشكل عام، وعلى وجه التحديد زعماء الدول الثلاث التي يزورها.
وأضاف: “هذا التقدير الشخصي، في نظري مهم جداً جداً لبناء علاقات استراتيجية، ربما يثق ويقدر ترامب زعماء آخرين في العالم، لكن أعتقد أنه بالنسبة للأمير محمد بن سلمان، ورئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد، وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد، فإنه من الواضح أنه يثق بهم ويقدرهم على الصعيد الشخصي”.
ولفت إلى أن دول الخليج “تقدر هذه العلاقات الشخصية، ربما بنفس قدر تقديرها للعلاقات المؤسساتية والعلاقات الرسمية، ومع الأسف الشديد أن (الرئيس السابق) جو بايدن وفريقه لم يضعوا مثل هذا التقدير الشخصي، والمهم”.
بلغة الأرقام
وأوضح الأكاديمي الإماراتي المعروف، أن ترامب يقدر دول الخليج تقديراً عالياً استثمارياً، ويقدرها مالياً واقتصادياً، لافتاً إلى أن دول الخليج اليوم، “ذات وزن وثقل مالي عالمي، بما لديها من محفظة تريليونية”.
وتابع الدكتور عبدالخالق حديثه لـ”الخليج أونلاين”:
- بقدر ما أن ترامب رئيس دولة، هو رجل أعمال، وأعتقد أن الأرقام تعني له الكثير، وفي هذا المجال، فإن الصندوق التريليوني لدى الإمارات، وكذلك الصناديق السيادية لدول الخليج التريليونية، لها حضور قوي في تفكيره.
- عندما تستثمر الإمارات 1.4 تريليون دولار في الاقتصاد الأمريكي على مدى 10 سنوات قادمة، وربما تقوم السعودية باستثمار 600 مليار وكذلك قطر، فبالنسبة لترامب، هذا نجاح ما بعده نجاح، سيعمل على تسويقه لدى قاعدته الانتخابية.
- أعتقد أن هناك أيضاً تقدير أمريكي عموماً، في أن دول الخليج اليوم هي مركز الثقل المالي، ومركز الثقل السياسي والدبلوماسي، ليس العربي، وإنما العالمي، والدليل على ذلك هذه الأدوار العالمية المهمة التي تقوم بها؛ لذلك هذه الزيارة، هي زيارة رمزية، وزيارة استراتيجية بهذه المعاني العميقة.
- اختار ترامب الدول الثلاث الأكثر نشاطاً وحضوراً سياسياً ودبلوماسياً على الصعيد العربي، والعالمي، بما في ذلك الوساطات التي تقوم بها دول الخليج حالياً.
أولوية خليجية
وحول الملفات التي سيجري مناقشتها، قال الأكاديمي الإماراتي، إنه سيكون هناك قضايا ثنائية كثيرة ستناقش خلال الزيارة، كما ستناقش قضايا إقليمية أخرى.
وقال عبدالله:
- في تقديري أن دول الخليج تركز في الوقت الحاضر على وقف الحرب على غزة، وستضع كل قدراتها وإمكانياتها، ومصداقيتها وأوراقها، لكي تقنع ترامب بأن يقوم بدور فاعل أكبر لوقف الحرب؛ لأن وقفها سيليه ربما ملفات عديدة، يمكن أن تحل، بما في ذلك ملف التطبيع بين دول المنطقة.
- أعتقد أن على دول الخليج أن تستثمر هذه الزيارة ليس فقط لوقف الحرب، وإنما أيضاً للضغط على نتنياهو وحكومته للسماح لأكثر من 3 آلاف شاحنة، تحمل مواد إغاثية، لكي تدخل إلى غزة التي تموت جوعاً.
- أعتقد أن هذا البند ربما يكون ضمن أجندة دول الخليج التي ستحرص على الحصول عليه، مقابل هذا الدور المهم جداً الذي تلعبه اقتصادياً ومالياً عالمياً وأمريكاً، وهذا هو أهم الانعكاسات التي أتوقعها، وأتمنى من دول الخليج الثلاث، أن تستثمر هذه الزيارة، لوقف هذا العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة.
دلالة استراتيجية
وأشار تقرير حديث لـ”منتدى الخليج الدولي”، إلى أن اختيار الدول الثلاث كوجهات أولى لرحلات ترامب الخارجية، في ولايته الثانية، يحمل دلالةً رمزيةً وحساباً استراتيجياً، لافتاً إلى أنه يشير إلى التزام متجدد بتعزيز العلاقات مع حلفائه الخليجيين الرئيسيين، بعد توتر خلال حقبة بايدن.
ولفت التقرير الذي أعده خالد الجابر، وكريستيان كوتس أولريشسن، إلى أن زيارة ترامب، تهدف إلى إعادة تأكيد النفوذ الأمريكي وتعزيزه بين الشركاء والحلفاء القدامى، فضلاً عن توقيع اتفاقيات استثمارية واسعة وعقود عسكرية ضخمة، بتريليونات الدولارات.
وبحسب التقرير، فإن الزيارة تهدف إلى مواجهة نفوذ الصين وروسيا في المنطقة، إلى جانب السعي الأمريكي لاحتواء خطر إيران ووكلائها بالتعاون مع دول الخليج.
واختتم التقرير بالقول: “تُمثل زيارة ترامب المرتقبة للخليج فصلاً هاماً في إعادة صياغة النهج الاستراتيجي الأمريكي تجاه الشرق الأوسط. ومن خلال تعزيز الشراكات الأمريكية التقليدية عبر الاتفاقيات الاقتصادية الاستراتيجية، والاتفاقيات الدفاعية، والمبادرات الدبلوماسية، تهدف إدارة ترامب الثانية إلى تعزيز القيادة والنفوذ الأمريكي في المنطقة”.
غير عادية
ويرى الكاتب السعودي عبدالرحمن الراشد أن زيارة الرئيس الأمريكي إلى الخليج غير عادية، بالنظر إلى طبيعة الملفات التي ستناقشها، والفريق المرافق لترامب، والذي يضم قادة نخبة شركات التقنية والتكنلوجيا العالمية.
الراشد قال في مقال نشرته صحيفة “الشرق الأوسط”، إن الزيارة تؤسس لفصل جديد، نظراً لطبيعة الموضوعاتِ المطروحة للتفاوض والاتفاقات منها ما بدأ، ومنها ما ستستكمل لاحقاً.
وأضاف: “هناك المشروعُ السعودي النووي الذي كانت واشنطن غيرَ متحمسة لفكرة التفاوض عليه خلال العقود الماضية، ومن المرجح أن يعلن عنه، حيث سبق وسربت الإدارة خبره”.
وربط الراشد الزيارة بـ”تغيرات المناخ السياسي اليوم، من سقوط نظام الأسد، وانهيار قوة حزب الله، وتدمير قدرات الحوثي، وتحجيم هجمات المليشيات العراقية، فضلاً عن برنامج التغيير الداخلي الكبير الذي ينفذه ترامب”.