الاخبار

زيارة بن فرحان لفلسطين.. تحرك سعودي تاريخي اصطدم بتطرف “إسرائيل”

تعكس هذه الخطوة السعودية رغبة في تعزيز الحضور العربي الرسمي في الأراضي الفلسطينية المحتلة

في وقت يشهد زخماً دولياً متصاعداً لدعم الاعتراف بدولة فلسطين، برز التوجه السعودي الأخير لتنظيم أول زيارة رسمية لوزير سعودي، مع آخرين من دول عربية، إلى الضفة الغربية كمؤشر جديد على متغيرات الموقف الإقليمي تجاه القضية الفلسطينية، رغم أن الخطوة لم تكتمل بفعل الرفض الإسرائيلي.

محاولة إتمام هذه الزيارة، رغم تعثرها، تحمل دلالات سياسية مهمة، إذ تأتي بعد عامين من آخر زيارة سعودية رفيع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، في ظل رغبة الرياض بإعادة تأكيد موقفها المبدئي إزاء حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم، والأولى لمسؤول رفيع منذ النكسة عام 1967.

وإذ تعكس هذه الخطوة السعودية رغبة في تعزيز الحضور العربي الرسمي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فإن منعها من الجانب الإسرائيلي يعيد إلى الواجهة معضلة الاحتلال الرافض لأي اعتراف سياسي بالسيادة الفلسطينية، حتى من شركاء إقليميين كبار.

رفض السماح بالزيارة

بعدما كانت المملكة قد خططت لترتيب زيارة رسمية لوزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان إلى رام الله خلال مطلع يونيو، رفقة وزراء عرب بينهم نظيره البحريني، في خطوة وصفت بأنها كانت ستحمل “رسالة سياسية قوية” في لحظة إقليمية دقيقة، رفضت الحكومة الإسرائيلية منح التراخيص اللازمة، ما أدى إلى إلغاء التحرك في الوقت الراهن.

وتنقل وسائل إعلام عبرية عن مصادر سياسية إسرائيلية تأكيدها أن “القرار بعدم السماح للزيارة مرتبط بالموقف السعودي الرافض للتنسيق العلني مع حكومة بنيامين نتنياهو”، فيما اعتبرت أوساط فلسطينية أن الموقف الإسرائيلي “يعكس الانغلاق والتطرف المتزايد لدى حكومة اليمين المتطرف”.

وأكدت تقارير في وسائل إعلام إسرائيلية (منها صحيفة “هآرتس” وقناة “كان 11”) أن تل أبيب نظرت إلى الزيارة التي كان يُخطط لها إلى رام الله باعتبارها “جزءاً من مسار سياسي مرفوض”، ولهذا اتخذت قرار منعها.

وفي تصريح له (1 يونيو)، قال الأمير فيصل إن “رفض إسرائيل السماح بتنظيم الزيارة يؤكد تطرفها”، مضيفاً أن “الموقف السعودي ثابت في دعم حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة”، وأكد أن بلاده “ستواصل التنسيق مع القيادة الفلسطينية ومع المجتمع الدولي لدفع مسار الاعتراف بالدولة الفلسطينية”.

ووصف مسؤولون فلسطينيون، بينهم وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي، التحرك السعودي بأنه “خطوة بالغة الأهمية في توقيتها ودلالاتها”، مشيدين بـ”الثبات السعودي في دعم الحقوق الوطنية الفلسطينية في هذه المرحلة الدقيقة”.

كما صرح السفير الفلسطيني لدى المملكة، مازن غنيم، لقناة “الإخبارية” السعودية بأن “الزيارة الوزارية… تُعتبر رسالة واضحة، القضية الفلسطينية قضية مركزية للعرب والمسلمين”.

وكان يفترض أن يلتقي الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في الضفة الغربية، كل من الأمير فيصل، ووزراء خارجية الأردن أيمن الصفدي، والبحرين عبد اللطيف الزياني، ومصر بدر عبد العاطي، إضافة إلى أمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط.

بين الأمس واليوم

زيارة بن فرحان، لو تحققت، كانت ستكون أول زيارة لوزير خارجية سعودي إلى الضفة الغربية، بعد زيارة وفد عام 2023 برئاسة نايف بن بندر السديري السفير السعودي المفوض وغير المقيم لدى فلسطين، الذي تم تعيينه في ذات العام، وكانت الزيارة قبل العدوان الإسرائيلي على غزة.

وبين زيارتي 2023 و2025 تغيرت معطيات المشهد السياسي كثيراً، ففي حين جاءت الزيارة السابقة ضمن سياق إقليمي محافظ يسعى إلى احتواء التوترات، فإن التوجه الحالي يعكس انخراطاً سعودياً أكثر وضوحاً في دعم الحقوق الفلسطينية، بالتوازي مع الحراك الدولي المتنامي نحو الاعتراف بدولة فلسطين.

والأهم من ذلك، أنها الأولى لوزير خارجية سعودي، والأولى لمسؤول رفيع من المملكة ومن العائلة الحاكمة تحديداً، منذ النكسة عام 1967، حيث زار ملكان سعوديان القدس المحتلة تاريخياً، وهما الملك سعود عام 1954، والملك فيصل عام 1966.

ويأتي التحرك السعودي في وقت شهدت فيه الساحة الدولية اعتراف دول أوروبية عدة بدولة فلسطين، بما في ذلك إيرلندا وإسبانيا والنرويج، إلى جانب نقاشات نشطة في عواصم أخرى حول خطوات مماثلة.

ويلاحظ أن التحرك السعودي الأخير جاء أيضاً بعد أشهر من المبادرات الخليجية المشتركة لدعم الفلسطينيين، سواء في الإطار الثنائي أو من خلال القمم العربية، كما لعبت المملكة دوراً بارزاً في الدفع باتجاه إصدار بيانات عربية موحدة ضد السياسات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس.

ويشير رئيس مركز “T-Politography”، وهو مركز أبحاث يُعنى بدراسة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، إن هذه الزيارة ستكون “غير مسبوقة”، وتُبرز تنامي الدعم السعودي للسلطة الفلسطينية الذي برز بعد الحرب على غزة.

ويضيف أرييلي في حديث لشبكة “CNN”: “إنه تغيير جذري، فقد أوضح السعوديون منذ بدء الحرب أنهم يدعمون حل الدولتين على أساس حدود عام 1967، ويدعمون إقامة عاصمة للدولة الفلسطينية في القدس الشرقية، وأنهم مستعدون لدعم ميزانية السلطة الفلسطينية”.

تحول مهم

ويقول الباحث في العلاقات الدولية عماد كمال، في تصريح لموقع “الخليج أونلاين”، إن “محاولة تنظيم أول زيارة لوزير خارجية سعودي إلى الضفة الغربية، رغم أنها لم تكتمل، تعكس تحولاً مهماً في الموقف الإقليمي تجاه القضية الفلسطينية، وهي خطوة تحمل في طياتها دلالة سياسية واضحة في هذا التوقيت الحساس”.

وأضاف أن “هذا التحرك السعودي يعيد التأكيد على التزام الرياض التاريخي والثابت بدعم حقوق الشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها حقه في إقامة دولته المستقلة، وهو أيضاً رسالة موجهة إلى المجتمع الدولي في ظل تسارع الاعترافات بالدولة الفلسطينية”.

وأوضح أن “منع إسرائيل لهذه الزيارة يعكس حالة القلق داخل الحكومة الإسرائيلية الحالية من أي تحرك عربي رسمي من شأنه تعزيز الحضور السياسي العربي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أو كسر العزلة السياسية التي تحاول فرضها على القيادة الفلسطينية”، مشيراً إلى أن “تصريحات وزير الخارجية السعودي الأخيرة، التي وصف فيها الموقف الإسرائيلي بالمتطرف، تعبر بوضوح عن هذا التوتر”.

وربط هذا التحرك بالزيارة السعودية السابقة إلى الضفة عام 2023، قائلاً: “الزيارة السابقة جاءت ضمن سياق إقليمي كان يركز على تخفيف التوترات واحتواء التصعيد، بينما إعادة محاولة الزيارة اليوم تعكس نهجاً سعودياً أكثر انخراطاً في دعم الحقوق الفلسطينية، وتأتي في توقيت يشهد زخماً دولياً غير مسبوق باتجاه الاعتراف بدولة فلسطين”.

ويؤكد أن “إصرار السعودية على إعادة محاولة تنظيم الزيارة، بعد سنوات من غياب التحركات العربية الرفيعة بهذا المستوى في الضفة الغربية، يبعث برسالة سياسية واضحة بأن الرياض ترى أن دعم المسار السياسي الفلسطيني يجب أن يواكب الحراك الدولي المتسارع نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية”.

وتابع: “لا يمكن فصل هذا التحرك السعودي عن المناخ الدولي الراهن، حيث باتت قوى دولية عديدة، في أوروبا وخارجها، تدفع باتجاه الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وهو ما يدفع بدوره إلى تعزيز الحراك العربي الرسمي في هذا الاتجاه”.

دعم دولي

وكانت السعودية قد أيدت القرار الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في مايو الماضي، بشأن منح فلسطين “حقوقاً إضافية” كدولة مراقبة في المنظمة الدولية، في خطوة وصفتها الرياض بأنها “مهمة على طريق تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني”.

من جهة ثانية، يأتي تحرك المملكة المتجدد تجاه الضفة الغربية في وقت كانت فيه الدبلوماسية السعودية قد كثفت تحركاتها خلال الأشهر الماضية لإعادة تثبيت مركزية القضية الفلسطينية في الأجندة العربية والدولية، ففي القمة العربية الأخيرة التي عقدت بالمنامة في مايو من العام الماضي، لعبت الرياض دوراً محورياً في بلورة البيان الختامي الذي أكد “الرفض القاطع للعدوان الإسرائيلي المتواصل على الشعب الفلسطيني” ودعا إلى “تحرك دولي فاعل لإنهاء الاحتلال”.

إلى جانب ذلك، كثفت المملكة تنسيقها السياسي مع القيادة الفلسطينية خلال الفترة الأخيرة، فقد استقبلت الرئيس عباس في الرياض في مناسبتين هذا العام، كان آخرها في شهر أبريل، حيث جرى البحث في “التحركات العربية والدولية لدعم الاعتراف بالدولة الفلسطينية”.

على المستوى الدولي، استقبلت الرياض أيضاً وفوداً من الاتحاد الأوروبي وعدداً من الدول المؤثرة في مجلس الأمن، في إطار ما وصفته الخارجية السعودية بأنه “مساعٍ لتوحيد الجهود الدولية الرامية إلى إنهاء الاحتلال وتحقيق السلام العادل”.

كما أطلقت السعودية إلى جانب فرنسا تحركاتها المكثفة، باجتماعين متوازيين في باريس ونيويورك، في محاولة لتوسيع زخم التحضيرات لمؤتمر حل الدولتين المفترض أن تستضيفه الأمم المتحدة ما بين 17 و20 يونيو الجاري.

ومنذ نوفمبر 2023، تشكلت لجنة وزارية منبثقة عن قمة استثنائية عربية إسلامية عقدت في الرياض، بشأن قطاع غزة، وتضم في عضويتها وزراء خارجية كل من الأردن وقطر والسعودية ومصر والبحرين وتركيا وإندونيسيا ونيجيريا وفلسطين، والأمينين العامين لجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، وهي اللجنة التي انبثق منها الوفد الذي رفض الاحتلال زيارته للضفة الغربية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى