رفع العقوبات عن سوريا.. مسار معقد نحو الاستقرار والبناء
العقوبات الدولية المفروضة على سوريا منذ عام 1979 وحتى اليوم كانت وسيلة للضغط على النظام السابق بسبب سياساته الإقليمية والداخلية.
تعد سوريا من أكثر الدول تعرضاً للعقوبات الدولية على مدار العقود الخمسة الماضية، ورغم تغيّر طبيعة العقوبات وأسبابها، فإن رفعها بعد إسقاط نظام بشار الأسد سيظل هاجس النظام الجديد لتحقيق السلام الداخلي والدولي.
فالعقوبات الدولية المفروضة على سوريا منذ عام 1979 وحتى اليوم، كانت وسيلة للضغط على النظام السابق بسبب سياساته الإقليمية والداخلية.
ومع تغير النظام ستواجه الدولة السورية الجديدة تحديات جمة في مسار رفع العقوبات، وقد يمتد هذا المسار لسنوات كما حدث في حالات دول أخرى مثل العراق والسودان وليبيا، حيث ظلت العقوبات مفروضة لفترات طويلة بعد التغيير السياسي.
أسباب العقوبات
وخلال فترة حكم نظام آل الأسد (1970 – 2024) انهالت العقوبات على سوريا بسبب سياسات النظام في زعزعة الاستقرار الإقليمي وأيضاً انتهاكاته لحقوق الإنسان داخلياً وهي:
-
في العام 1979 أدرجت الولايات المتحدة سوريا على قائمة الدول الراعية للإرهاب، والتي شملت حظر تصدير السلاح، وتقييد المساعدات الاقتصادية الأمريكية، بسبب دعم نظام حافظ الأسد لتنظيمات فلسطينية ولبنانية.
-
في العام 1986 جرى تشديد العقوبات الأمريكية وفرض قيود إضافية على صادرات التكنولوجيا والمواد الحساسة وتقييد التعاملات المالية، بسبب تورط المخابرات السورية في محاولة تفجير طائرة إسرائيلية مدنية في بريطانيا.
-
في العام 2003 أقر الكونغرس الأمريكي قانون محاسبة سوريا والذي شمل فرض حظر على التجارة مع سوريا باستثناء المواد الغذائية والطبية، وحظر تصدير التكنولوجيا والمنتجات العسكرية، بسبب “دعمها للإرهاب، وتوفير ملاذ آمن للمقاتلين الذين يعبرون إلى العراق لمهاجمة القوات الأمريكية”.
-
في العام 2006 جرى تشديد العقوبات بسبب دور النظام السوري في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري.
-
في العام 2008 فرضت الولايات المتحدة عقوبات على “البنك التجاري السوري” بتهمة تبييض الأموال ودعم الجماعات الإرهابية.
-
في العام 2011 فرض الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة سلسلة عقوبات على نظام بشار الأسد على خلفية الانتهاكات لحقوق الانسان وقمع ثورة الشعب السوري وشملت تجميد أصول الأسد والمسؤولين الحكوميين في نظامه، وحظر تصدير المعدات العسكرية، وحظر استيراد النفط السوري، وفرض حظر شامل على التعاملات الاقتصادية مع سوريا.
-
في العام 2020: أقر الكونغرس الأمريكي قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين، والذي شمل فرض عقوبات شاملة على أي فرد أو شركة تتعامل مع النظام السوري، والجهات التي تدعم مشاريع إعادة الإعمار دون موافقة دولية، والقطاعات الأساسية مثل النفط، والبناء، والطاقة.
خطورة استمرارها
ومنذ سقوط نظام الأسد تباينت مواقف المسؤولون الغربيون حول رفع العقوبات عن سوريا، حيث أعرب مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، غير بيدرسن، الأحد (15 ديسمبر)، عن أمله أن تُرفع العقوبات سريعاً لتبدأ مسار التعافي والإعمار.
كما قال بيدرسون أيضاً من دمشق إنه يؤيد رفع العقوبات عن هيئة تحرير الشام والمصنفة على لائحة الإرهاب العالمية وزعيمها أحمد الشرع، والتي تقود اليوم الإدارة السياسية والعسكرية في سوريا.
لكن في المقابل فإن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن اشترط في تصريح له السبت (14 ديسمبر) للنظر في “تخفيف” العقوبات المفروضة على سوريا، في حال مضت العملية الانتقالية قدماً، لكن ليس في الوقت الحالي.
أيضاً مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، اشترطت رفع العقوبات بان تقدم الحكومة الجديدة ضمانات بعدم اضطهاد الأقليات وحماية حقوق المرأة ضمن إطار حكومة موحدة ترفض التطرف الديني.
وأمام الاشتراطات الدولية فإن سوريا ستكون أمام جهود صعبة للغاية لرفع العقوبات، لاسيما أن الساحة السياسية فيها لاتزال ضبابية في ظل عدم وضوح شكل الدولة المقبل وسياساتها الداخلية والخارجية.
وفي هذا السياق، يقول عبدالعزيز العمر منسق العلاقات الخارجية في تيار “سوريا أولاً” المعارض لنظام الأسد السابق، إن العقوبات رغم أنها مرتبطة بقادة ورموز نظام الأسد البائد لكنها تكبل كيان الدولة السورية نفسه.
ويستشهد العمر في حديثه مع “الخليج أونلاين” بما جرى مع العراق التي لم ترفع العقوبات عنها بشكل كامل حتى العام 2017 رغم سقوط نظام صدام حسين عام 2003، كما لاتزال العقوبات على ليبيا سارية نتيجة فشل قادتها الجدد في إنشاء نظام سياسي مستقر، أما السودان فقد رفعت العقوبات عنها من جانب الولايات المتحدة بعد تطبيع الخرطوم لعلاقاتها مع “إسرائيل” عام 2020.
ويتابع في هذا السياق: “رغم أن الهدف الأساسي من العقوبات كان إجبار نظام الأسد البائد على تحسين سلوكه كما أعلن مراراً، إلا أن الواقع يظهر تأثيرها بشكل كبير على الاقتصاد السوري وهذا ما أكده رئيس الحكومة السورية المؤقتة أحمد البشير عندما ذكر خلو البلاد من القطع الأجنبي” مضيفاً:
-
لا يمكن إعادة إعمار سوريا أو شراء مسلتزمات سوريا الحيوية من الوقود والغذاء دون القطع الأجنبي (العملات الصعبة مثل الدولار واليورو) فضلاً عن دوره في استقرار الاقتصاد المنهك أصلاً وبالتالي عدم رفع أو تخفيف العقوبات سوف يعيق كل جهود إعادة البناء.
-
المشكلة أن حكومة محمد البشير ووجود أحمد الشرع (المدرج على قائمة الإرهاب العالمية) في المشهد، جعلت القوى الدولية والإقليمية أيضاً تنظر بعين الشك إلى أي نظام جديد في سوريا، حتى يثبت أنه مستقل عن الأجندات والجماعات الإرهابية وأنه ملتزم بالديمقراطية والحريات العامة واحترام حقوق الإنسان.
-
أي إدارة جديدة في سوريا ستحتاج إلى خطة مدروسة لإثبات الجدية أمام المجتمع الدولي، لتجنب سيناريو استمرار العقوبات لسنوات طويلة.
-
الانتقال إلى نظام سياسي ديمقراطي شامل يجب أن يضمن مشاركة جميع الأطياف السورية، ووضع دستور جديد يعزز حقوق الإنسان ويضمن فصل السلطات، والالتزام بمكافحة التنظيمات الإرهابية والتعاون مع الدول الإقليمية والمجتمع الدولي في القضايا الأمنية.
-
في الوضع الراهن يجب على النخب وقادة المجتمع السوري التكاتف لتشكيل حكومة خبرات (تكنوقراط) في مارس المقبل، مهمتها التواصل مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول المنطقة لشرح خطة التحول السياسي نحو الديموقراطية والحريات ووضع دستور يضمن المساواة لكافة السوريين.
-
لا يجب التهاون مطلقاً في مسألة رفع العقوبات، لاسيما أن أمام السوريين مواجهة الإرث السياسي والاقتصادي الثقيل لنظام الأسد البائد، واستمرار العقوبات سوف يؤثر على عدم الاستقرار في سوريا وبالتالي استمرار الأزمات الانسانية والسياسية.