دبلوماسية سعودية نشطة.. هل تنجح بوقف الحرب بين الهند وباكستان؟

ما أهمية الوساطة السعودية بين الهند وباكستان في هذا التوقيت؟
لها دور حاسم في منع اندلاع مواجهة أوسع بين قوتين نوويتين.
ما الذي يميز الدور السعودي في هذه الأزمة؟
للمملكة علاقات متوازنة مع الطرفين، وخبرة سابقة في تهدئة أزمات مشابهة.
تؤدي المملكة العربية السعودية دوراً متنامياً في الوساطات الإقليمية والدولية، مدفوعة بثقلها السياسي والاقتصادي ورغبتها في تعزيز الاستقرار العالمي.
وفي ضوء التصعيد الخطير بين الهند وباكستان، تسعى الرياض إلى استثمار علاقاتها القوية مع الطرفين لتخفيف حدة التوتر ومنع انزلاق المنطقة إلى مواجهة أوسع.
وتعكس هذه الجهود إصرار المملكة على مواصلة نهجها الدبلوماسي في حل النزاعات بالحوار والوساطة، ضمن رؤيتها لدعم الأمن الإقليمي والدولي، لا سيما في مناطق النزاع.
وساطة سعودية
وأجرى وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، (السبت 10 مايو)، اتصالين هاتفيين مع كل من وزير الشؤون الخارجية الهندي سوبراهمانيام جايشانكار، ونائب رئيس الوزراء وزير الشؤون الخارجية الباكستاني إسحاق دار، في إطار مساعي المملكة لتهدئة التوترات العسكرية المتصاعدة بين البلدين.
وأكد الأمير فيصل بن فرحان، خلال الاتصالين، حرص المملكة على أمن واستقرار المنطقة، مشدداً على علاقات السعودية الوثيقة والمتوازنة مع كل من الهند وباكستان، بحسب بيان صادر عن وزارة الخارجية السعودية.
كما تم خلال المحادثات استعراض الجهود المبذولة لوقف التصعيد وإنهاء المواجهات العسكرية الجارية، والدفع نحو حل الخلافات عبر الحوار والقنوات الدبلوماسية.
وفي وقت سابق، وبتوجيه من القيادة السعودية، قام وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي عادل الجبير، بزيارة إلى الهند وباكستان، يومي 8 و9 مايو الجاري، حيث التقى عدداً من المسؤولين في كلا البلدين لبحث سبل التهدئة ووقف المواجهات العسكرية.
وتؤكد المملكة عبر هذه الجهود الدبلوماسية المتواصلة أهمية الحوار كوسيلة لتجاوز الخلافات، وتجنب المزيد من التصعيد الذي قد يهدد أمن واستقرار جنوب آسيا والمنطقة الأوسع.
وفي أعقاب تصاعد التوترات بين الهند وباكستان إثر الهجوم الدامي الذي وقع قرب بلدة باهالغام بإقليم كشمير، في 22 أبريل الماضي، أجرى وزير الخارجية السعودي، اتصالين هاتفيين مع نظيريه الباكستاني إسحاق دار والهندي سوبراهمانيام جايشانكار.
وجرى خلال الاتصالين بحث العلاقات الثنائية، إضافة إلى مستجدات الأوضاع في المنطقة والجهود الرامية إلى تهدئة التصعيد بين البلدين، وفقاً لوكالة الأنباء السعودية “واس”.
وجاءت هذه التحركات الدبلوماسية السعودية في وقت تشهد فيه العلاقات بين نيودلهي وإسلام آباد مزيداً من التدهور، بعد أن حمّلت الهند جارتها باكستان مسؤولية الهجوم الذي أسفر عن مقتل 26 شخصاً في كشمير الخاضعة للسيطرة الهندية.
ويعكس التحرك السعودي قلق الرياض من تداعيات التصعيد في منطقة حساسة، لا سيما بين دولتين نوويتين، ويؤكد سعيها إلى أداء دور وساطة فاعل في احتواء الأزمة قبل أن تتفاقم.
وقادت السعودية، خلال السنوات الماضية، العديد من الوساطات بين الهند وباكستان، خصوصاً بعد أزمات كشمير عام 2019، عبر زيارات ورسائل لخفض التوتر، وجددت المملكة عام 2024 دعوتها للحوار بين طرفي الصراع لدعم الاستقرار الإقليمي.
كما تحافظ السعودية على علاقات وثيقة مع كل من الهند وباكستان، مما يتيح لها أداء دور الوسيط المحايد من خلال تعزيز التعاون الدفاعي والاقتصادي مع كلا البلدين، إذ تسعى الرياض إلى تحقيق توازن استراتيجي يدعم جهود الوساطة ويقلل من احتمالات التصعيد.
فرص النجاح
ويرى المحلل السياسي السعودي مبارك آل عاتي، أن السعودية تتمتع بعلاقات قوية ومتوازنة مع كل من الهند وباكستان، مما يمنحها ثقة متبادلة بين البلدين الخصمين ويؤهلها لأداء دور الوسيط النزيه.
ويوضح لـ”الخليج أونلاين” أن “ثقة الطرفين وصدق نوايا المملكة، التي لا مصلحة لها في اندلاع صراع بين دولتين نوويتين كبيرتين، يعززان فرص نجاح الوساطة السعودية”.
وأشار آل عاتي إلى أن للمملكة مصالح استراتيجية واستثمارية كبيرة لدى البلدين، وهو ما تجلى في الاتفاقيات التي وقعها رئيس الوزراء الهندي مؤخراً في جدة.
ويعتقد المحلل السياسي أن فرص نجاح الوساطة السعودية أكبر من فرص فشلها، خاصة أن البلدين نفسيهما لا يرغبان في حرب ستكون مكلفة لهما وللمنطقة والمجتمع الدولي.
كما يشدد على ضرورة دعم دولي لهذه الجهود، مطالباً الأمم المتحدة والقوى الكبرى بالانخراط السريع لدعم الوساطة السعودية، مشيراً إلى إمكانية انضمام دول خليجية وعربية أخرى تتمتع بعلاقات جيدة مع الطرفين إلى هذه الجهود.
واعتبر آل عاتي فشل الوساطة السيناريو الأسوأ، مؤكداً أهمية تدخل القوى الكبرى لنزع فتيل الأزمة، لكنه يراهن على نزاهة الوسيط السعودي وعلاقاته المتميزة والمتوازنة مع الهند وباكستان لتحقيق النجاح.
أبعاد إقليمية
بدوره يؤكد أستاذ العلوم السياسية الدكتور أسعد كاظم شبيب، أن السعودية تمتلك تاريخاً جيداً في الوساطات بين الدول، ما يؤهلها للتدخل بين الهند وباكستان، الدولتين المهمتين إقليمياً ودولياً من حيث السكان والاقتصاد والقدرات العسكرية والتكنولوجية، واللتين تجمعهما خلافات تقليدية عميقة.
ويوضح لـ”الخليج أونلاين” أن السعودية تدرك خطورة تفاقم الصراع بين البلدين، خاصة في ظل التوتر الذي تشهده منطقة الشرق الأوسط، وتسعى لتقليل الآثار والتداعيات المحتملة لهذا الصراع.
ولفت شبيب إلى أن المملكة تتمتع بنفوذ كبير على الدولتين، حيث تربطها علاقات تجارية واقتصادية واستثمارية واسعة مع شركات هندية وباكستانية، كما أن التمثيل الدبلوماسي السعودي مستقر في كلا البلدين.
ويرى أستاذ العلوم السياسية أن إدراك الطرفين لعدم جدوى الحرب وتداعياتها الإقليمية والدولية يساهم في إنجاح الوساطة السعودية.
ويؤكد شبيب أن السعودية “تعمل وفق خط دولي وإقليمي يشمل مصالح دول الخليج والعرب، حيث لا يرغبون في صراع بين دولة إسلامية كباكستان ودولة كبرى كالهند”.
كما أشار إلى أن دولاً إقليمية أخرى مثل إيران وتركيا ليس من مصلحتها تفاقم هذا الصراع، مبيناً أن تدخل السعودية يحظى بدعم إقليمي ودولي، خاصة في ظل التوازنات الإقليمية الجديدة.
ويحذر شبيب من أن فشل الوساطة قد يؤدي إلى سيناريوهات خطيرة تبدأ بتوتر وسحب السفراء وطرد الجاليات، وقد تتطور إلى تجاوزات حدودية قد تشعل فتيل حرب بين الدولتين النوويتين.
تصعيد متبادل
وفجر السبت (10 مايو)، أطلقت باكستان عملية عسكرية واسعة النطاق ضد الهند أطلقت عليها اسم “البنيان المرصوص”، رداً على ما قالت إنه هجوم صاروخي هندي استهدف مراكز عسكرية، في تطور يُعد الأخطر منذ عقود في العلاقة المتوترة بين الجارتين النوويتين.
وتزامن التصعيد مع إعلان باكستان إسقاط 77 طائرة مسيّرة إسرائيلية الصنع، واتهمت الهند باستهداف مناطق مدنية، ما أسفر عن مقتل 33 مدنياً وإصابة 62 آخرين.
بالمقابل أعلنت الهند تعرضها لهجمات بطائرات مسيّرة في كشمير والبنجاب، وأغلقت 24 مطاراً ضمن إجراءات الطوارئ.
وزعمت التحقيقات التي أعلنتها أجهزة الاستخبارات الهندية وجود أدلة تُشير إلى تورط جهاز الاستخبارات الباكستاني في الهجوم الذي تبنته جماعة “جبهة المقاومة” الشهر الماضي المرتبطة بمنظمة “لشكر طيبة”، بحسب ما نقلته صحيفة “هندستان تايمز” عن مصادر أمنية.
وفي إطار ردها على الهجوم، اتخذت الهند سلسلة إجراءات تصعيدية ضد باكستان، من أبرزها طرد الملحقين العسكريين الباكستانيين، وتعليق العمل بـ”معاهدة مياه السند”، وإغلاق معبر “أتاري” البري بشكل فوري، على خلفية ما وصفته بالارتباطات العابرة للحدود بالحادث الدموي في “باهالغام”.
وطالبت نيودلهي المواطنين الباكستانيين الذين دخلوا عبر المعبر بمغادرة البلاد قبل 1 مايو الجاري، وعلقت نظام الإعفاء من التأشيرة التابع لـ”رابطة التعاون الإقليمي لجنوب آسيا”، مع منح مهلة 48 ساعة للمغادرة للمستفيدين من هذا النظام.
إلى جانب ذلك قررت السلطات الهندية وقف إصدار التأشيرات للمواطنين الباكستانيين، وإلغاء التأشيرات الصالحة اعتباراً من 27 أبريل الماضي.
وفي ردّها على الإجراءات الهندية أعلنت باكستان تعليق جميع أشكال التجارة مع الهند، ومن ضمنها التجارة عبر دول ثالثة، وطرد المستشارين الهنديين للشؤون الدفاعية والبحرية والجوية، ووصفتهم بـ”شخصيات غير مرغوب فيها”.
كما أغلقت المجال الجوي الباكستاني أمام شركات الطيران الهندية، وعلقت منح التأشيرات للمواطنين الهنود، وشددت إسلام آباد على أن أي محاولة هندية لتحويل أو تعطيل تدفق المياه بموجب “معاهدة مياه السند” ستُعتبر “عملاً حربياً”، مما يزيد من احتمالات تفاقم الأزمة بين الجانبين.
من جانبها حثت الأمم المتحدة الهند وباكستان على ممارسة “أقصى درجات ضبط النفس” بعد أن تصاعدت التوترات والمناوشات العسكرية خلال الأيام الماضية.
ونقلت وكالة “فرانس برس” عن المحلل من مجموعة الأزمات الدولية برافين دونثي، اعتقاده بأنّ هذا الهجوم الذي لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عنه حتى الآن “سيعيد العلاقات بين البلدين إلى أحلك أوقاتها”.
وخاضت الدولتان النوويتان ثلاث حروب خلال العقود الماضية، ودخلتا أخيراً في دوامة من الإجراءات العقابية والانتقامية في إطار الردود المتبادلة بينهما.