الاخبار

جنون الطاقة.. شمس اصطناعية على الأرض وسماء مشمسة ليلاً

سعت الصين بِمشروع لِجلب ضوء الشمس ليلاً عِبرَ إطلاق قمر صناعي يعكس ضوءها على الأرض خلال ساعات الليل

الشمس والقمر، ظاهرتان كونيتان غازلت عقول البشر منذ الوهلة الأولى التي رفع رأسَهُ للسماء.

وعلى مدار عقود حاول البشر اكتشاف لغز مصدر الطاقة الذي لا ينضب في الشمس وحاولَ محاكاتها.

لكن الدراسات الجادة لِصنع شمس على الأرض بدأت في ثلاثينيات القرن الماضي عبر تجارب أطلق عليها العلماء “الاندماج النووي” وبحلول منتصف الخمسينيات ولِدت أولى نماذج تِلك الآلات في الاتحاد السوفيتي والمملكة المتحدة والولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا واليابان.

كل تِلك التجارب على مدى العقود الماضية يصح أن يُطلق عليها بأنها بدائية حتى أعلنت الصين في ما يمكن أن نطلق عليه اختراقاً يمكن أن يغير سيناريو الطاقة العالمي.

إذ صنعت شركة الطاقة الاندماجية الصينية “Energy Singularity” أول جهاز اندماج نووي فائق التوصيل وعالي الحرارة في العالم ويسمى “HH70”. فما هو “الاندماج النووي” أو “الشمس الصناعية” تِلك وما الفائدة منها؟.

كيف يتم إنتاج الطاقة عبر مفاعلات الاندماج النووي؟

لكي نُجيب على هذا السؤال لابُد من معرفة ما يحدث في الشمس، بسبب الضغط الشديد في نواة الشمس ترتفع درجة الحرارة بشدة لتصبح نحو 15 مليون مئوية، فتتحوَّل المادة إلى حالتها البلازمية، وهي الحالة التي تنسلخ فيها الإلكترونات من الذرة لتطوف بحرية تامه في فضاء مشتعل، وهنا يكون الوضع ملائماً لحدوث اندماج نووي، بمعنى آخر تجبر الحرارة أنوية ذرّات الهيدروجين كي “تندمج” معاً لتصنع الهيليوم، وفي أثناء ذلك يخرج قدر هائل من الطاقة، هو ما يعطي الشمس قدراتها بوصفها نجماً.

لإحداث هذا الاندماج النووي في مكان آخر غير باطن الشمس، فلا بد من الوصول إلى تلك الدرجات المرتفعة جداً من الحرارة، والأصعب الحفاظ عليها.

لأجلِ هذا تُستخدم مغانط كهربائية فائقة التوصيل (مبردة بالهيليوم السائل) لكي تحصر البلازما في شكل حلقة ذات درجة حرارة هائلة، تُستخدم هذه المغانط أيضاً لتثبيت البلازما بحيث لا تتلامس حتى مع جدران المفاعل؛ لأن ذلك لو حدث فإنها مع درجة الحرارة تلك ستخترق جدران المفاعل فوراً ويتوقف الاندماج النووي.

كم مقدار الطاقة الناتجة من هذهِ المفاعيل؟

يُولِّد الاندماج النووي الكثير من الطاقة والسبب أن العنصر الجديد الناتج من الاندماج يزن أصغر من مجموع أجزائه، حيث يُحوَّل هذا الجزء الضئيل المادة المفقودة إلى طاقة وفقاً لصيغة ألبرت أينشتاين الشهيرة (E = mc 2).

لذلك يمكن لنا مثلاً تحويل بضعة جرامات من المادة إلى أكثر من تريليون جول (الجول يساوي 1 واط /ثانية) من الطاقة، وهذا كَمٌّ هائل منها، وهو مساوٍ تقريباً الطاقة التي يحتاج إليها شخص واحد في دولة مُتقدِّمة على مدى 60 عاماً.

فالاندماج النووي يُطلق ما يقرب من أربعة ملايين ضِعْف الطاقة الناتجة عن التفاعلات الكيميائية التي تحدث أثناء احتراق الفحم أو النفط أو الغاز، وأربعة أضعاف الطاقة الناتجة من تفاعلات الانشطار النووي، أضف إلى ذلك أن وقود الاندماج النووي يتوفر على نطاق واسع ولا ينضب تقريباً. 

وعوداً على تجربة الصين الأخيرة، فقد أثبتت أنها لاعب رئيسي في تكنولوجيا الاندماج. ففي الفترة من عام 2011 إلى عام 2022، سجلت عدداً من براءات الاختراع في تكنولوجيا الاندماج أكثر من أي دولة أخرى. 

والنتائج الأخيرة لتجربتها تمكن المفاعل الصيني من الحفاظ على درجة حرارة مقدارها 70 مليون درجة مئوية لمدة 1056 ثانية، وهذا أكثر من درجة الحرارة في نواة الشمس بنحو خمسة أضعاف!.

ويأمل المسؤولون في بدء الإنتاج التجاري واسع النطاق لطاقة الاندماج بحلول عام 2050. 

الصين وجلب ضوء الشمس ليلاً

إبهار الصين للعالم ومحاكاتها للشمس لم تتوقف عند إنتاج مفاعلات لإنتاج الاندماج النووي، بل سبق أن سعت بِمشروع لِجلب ضوء الشمس ليلاً عِبرَ إطلاق قمر صناعي يعكس ضوء الشمس على الأرض خلال ساعات الليل، وسيتم اعتمادهُ في إضاءة شوارع مدينة تشغندو الواقعة جنوب غربي الصين ليلاً.

ووفقاً للسلطات الصينية، فإنّ هذا القمر سيكون أكثر اشراقاً بـ8 مرات من القمر الطبيعي، وسيوفر مبلغ 170 مليون دولار سنوياً من نفقات الكهرباء المستخدمة في إنارة شوارع المدينة.

القمر الصناعي الذي أُطلق عليه “شانغي 4” (يعني حسب الأساطير الصينية القديمة آلهة القمر) سيكون قادراً على إضاءة 50 كيلومتراً مربعاً من المدينة.

لكن الميزة الأكثر أهمّية للقمر ستكون مساهمته في مساعدة فرق الإنقاذ عبر إضاءة مناطق الكوارث وانقطاع التيار الكهربائي.

يُذكر أن روسيا كانت السبّاقة إلى فكرة المشروع، في مطلع تسعينيات القرن المنصرم، لكن ما لبث أن انهار القمر في الفضاء بعد إطلاقه بأيام، وأُلغي المشروع بالكامل.

أكبر محطة للطاقة الشمسية في العالم

استغلال الصين للشمس لم يتوقف هنا، فهي أكبر مستهلك للطاقة الكهربائية في العالم بإجمالي حمل يصل لـ 9,220 تيراواط/ ساعة، لِذا تحاول استغلال أنواع الطاقة غير المعتمدة على النفط والفحم ومنها الطاقة الشمسية.

تبلغ نسبة الطاقة الشمسية من الطاقة المنتجة الكلية في الصين 4%، وهي بالمركز الثالث من أنواع التوليد هناك، وتبلغ 300 تيراواط/ ساعة، وهي لوحدها تعادل نصف إنتاج الكهرباء في دول مجلس التعاون الخليجي مجتمعةً!.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى