تنتظر إعادة إعمار باهظة.. كيف ترك الأسد سوريا اقتصادياً؟
كم نسبة زيادة تكلفة المعيشة بعد عام 2011؟
نحو 800%.
على ماذا يعتمد مستقبل إعادة الإعمار؟
- الوضع السياسي.
- الدعم الدولي.
- القدرة على جذب الاستثمارات الأجنبية.
أصبحت سوريا مثالاً مأساوياً لتبعات الحروب الداخلية الممتدة، حيث تعاني من دمار شامل في بنيتها التحتية واقتصادها، خلفها نظام بشار الأسد المخلوع.
ومنذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011، تضررت المدن والمرافق الحيوية بشكل كبير، مع تقديرات تشير إلى أن تكلفة إعادة الإعمار قد تصل لمئات مليارات الدولارات.
انهيار اقتصادي
قبل اندلاع الحرب في سوريا قبل نحو 13 عاماً، كان الاقتصاد السوري يعيش فترة من استقرار محدود، رغم الفساد المستشري وسوء توزيع الثروة وانتشار الفقر، حيث بلغ الناتج المحلي الإجمالي حوالي 60 مليار دولار بمعدل نمو سنوي قدره 5%.
وكان استناد الاقتصاد السوري تعتمد على ثلاثة قطاعات رئيسية: الزراعة (20%)، الصناعة (27%)، والخدمات (53%)، وظلت الليرة السورية مستقرة مقابل الدولار، مع معدل تضخم منخفض يتراوح بين 4% و5%.
كما لعب قطاع النفط دوراً حيوياً، بإنتاج يومي بلغ 380 ألف برميل، ما أسهم في تعزيز الاحتياطي الأجنبي واستقرار العملة المحلية.
لكن تبعات حرب الأسد على شعبه غيرت المشهد تماماً، حيث تآكلت الاحتياطات الأجنبية التي كانت تبلغ نحو 18 مليار دولار بسبب الصراع والعقوبات الدولية، ما أدى إلى انهيار قيمة الليرة السورية.
ففي حين كانت العملة السورية تبلغ 50 ليرة مقابل الدولار قبل الحرب، إلا أنها قفزت إلى أكثر من 10,000 ليرة في عام 2023، ووصلت إلى مستويات تتراوح بين 12,000 و15,000 ليرة بنهاية 2024، رغم محاولات البنك المركزي تثبيت السعر الرسمي عند 13,050 ليرة.
هذه الأزمة تسببت في تضخم مفرط بلغ في بعض الفترات أكثر من 200% سنوياً؛ ما أدى إلى زيادة هائلة في تكاليف المعيشة، التي ارتفعت بأكثر من 800% مقارنة بما كانت عليه قبل الحرب.
وشهدت أسعار المواد الأساسية كالطعام والوقود زيادات سنوية تتراوح بين 50% و100% بين 2021 و2024، مما جعل الحياة اليومية أكثر صعوبة.
ووفقاً لتقارير الأمم المتحدة، يعيش أكثر من 90% من السوريين تحت خط الفقر، ما يعكس حجم الأزمة الإنسانية والاقتصادية في البلاد.
ويعاني نحو 6.8 ملايين شخص من الفقر المدقع وفقاً للأمم المتحدة، حيث لا يتجاوز دخلهم 1.9 دولار يومياً.
هذا التحول الجذري وضع ملايين الأسر أمام تحديات يومية لتأمين أبسط احتياجاتهم مثل الغذاء، الماء، والطاقة، التي أصبحت ترفاً بعيد المنال.
وإعادة الاستقرار السياسي باتت ضرورة ملحة لإنعاش الاقتصاد وفتح الباب أمام الاستثمارات وإعادة الإعمار، إذ يُعتبر ذلك خطوة أساسية لإنقاذ البلاد من أزمتها المستفحلة.
مراحل النهوض
ويقول الكاتب والمحلل السياسي قحطان الشرقي، إن سوريا خرجت حديثاً من الحرب المكلفة بشكل كبير على الاقتصاد، مشيراً إلى أنها تتمتع بموارد كبيرة من الثروات الزراعية والصناعية والنفطية والبشرية، والتي سيكون لها دور كبير في نهضة الاقتصاد.
ويوضح لـ”الخليج أونلاين” أنه “لم تكن يوماً هناك مشكلة في الثروات السورية، بل كانت في إدارتها، حيث ستكون هناك نتائج إيجابية عند وجود إدارة رشيدة تستثمر الموارد بالشكل الصحيح”.
ويعتقد الشرقي أن “الاقتصاد السوري سيهتم في المرحلة المقبلة بإعادة الإعمار، وهذا ما أقر به مؤتمرات بروكسل، إذ ستكون العديد من دول الاتحاد الأوروبي والدول المعنية العربية وغيرها على أهبة الاستعداد لإعادة إعمار سوريا”.
وحول تكلفة إعادة الإعمار، يشير إلى دراسات سابقة قدرت أن تصل التكلفة إلى مئات المليارات من الدولار، لكنها لا تشمل كافة مناحي الحياة، بل تقتصر على التكلفة المبدئية لإعمار المدن والبنية التحتية المدمرة والمتهالكة.
ولفت الشرقي إلى أن الاقتصاد السوري قبل الحرب كان يشهد أزمات ومعاناة؛ بسبب الروتين والإجراءات الإدارية غير المرنة، فضلاً عن الفساد الذي كان يعد عاملاً كبيراً في تدمير الاقتصاد السوري.
ويتابع: “المرحلة الأولى من الإعمار ستكون عن طريق الدول من خلال صندوق إعادة الإعمار، والذي سيكون للدول العربية فيه دور مهم، وأعتقد ستقوم الدول المهتمة بالشأن السوري خلال فترة الخمس أشهر المقبلة بتقييم مؤشر سلوك الحكومة الجديدة، قبل دعم صندوق الإعمار”.
ويبيّن الشرقي أنه “سيكون هناك دعماً مبدئياً من الدول، لكن المرحلة الحالية تتطلب أن ينتقل المجتمع السوري من اقتصاد الحرب إلى اقتصاد الإعمار الذي ينمي الحياة بشكل مباشر ويؤثر على كافة القطاعات الزراعية والصناعية والقوى البشرية واليد العاملة”.
كما يعتقد أن العام الأول سيشهد فيه الاقتصاد تغيراً ملموساً؛ “لأنه اقتصاد حيوي ونشط، لكن كان يعرقله النظام السابق الذي كان يتبع إجراءات وقوانين متخلفة”، لافتاً إلى أن تطوير القوانين تعتبر جزءاً لا يتجزأ من المرحلة المقبلة.
إعادة الإعمار
خلفت الحرب في سوريا دماراً هائلاً شمل البنية التحتية في مختلف أنحاء البلاد، حيث طالت المدن الكبرى والمناطق الريفية على حد سواء.
تعرضت المباني السكنية والتجارية، إضافة إلى المرافق الصحية والتعليمية، وشبكات المياه والكهرباء، لأضرار جسيمة، مما أسفر عن تحديات كبرى تعرقل عودة الحياة الطبيعية إلى المناطق المتضررة.
وتعهد رئيس الحكومة الانتقالية المؤقتة في سوريا، محمد البشير، الأربعاء، 11 ديسمبر، بالعمل على إعادة بناء البلاد وتحسين الخدمات وإرجاع النازحين؛ لكنه أشار إلى وجود صعوبات مالية كبيرة.
وكشف البشير في حديثه لصحيفة “إيل كورييري ديلا سيرا” الإيطالية، أن خزينة الدولة ليس فيها سوى الليرة السورية التي لا تساوي شيئاً أو تكاد، حيث يمكن للدولار الأمريكي الواحد شراء 35,000 ليرة سورية”.
تتطلب إعادة إعمار البلاد استثمارات مالية وجهوداً ضخمة، فيما تختلف التقديرات بشأن التكلفة اللازمة لذلك؛ ومع ذلك، يتفق الجميع على الحاجة إلى خطة شاملة تراعي التحديات الأمنية، الاقتصادية، والاجتماعية.
وتشير تقديرات الأستاذ المساعد في كلية الاقتصاد لدى جامعة قطر الدكتور جلال قناص خلال حديثه مع “العربية.نت”، إلى أن التكاليف الأولية لإعادة الإعمار تتراوح بين 200 و300 مليار دولار، وقد تتجاوز هذا الرقم في ظل الظروف الحالية.
كما أشار إلى أن المدة الزمنية المطلوبة لإتمام عملية إعادة البناء تعتمد بشكل كبير على استعادة الأمن، وتعزيز الاقتصاد، وعودة الكفاءات والأيدي العاملة التي غادرت البلاد.
وأفاد تقرير للبنك الدولي صدر في 2023 لتقييم الأضرار في سوريا بأن إجمالي الخسائر الناجمة عن النزاع حتى يناير 2022 تراوح بين 8.7 و11.4 مليار دولار.
وشملت هذه التقديرات أضراراً في البنية التحتية الأساسية، والقطاعات الاجتماعية، والمؤسسات العامة، والبيئة.
وكانت القطاعات المتعلقة بالبنية التحتية المادية الأكثر تضرراً، حيث شكّلت نحو 68% من إجمالي الأضرار، أي ما يعادل ما بين 5.8 و7.8 مليارات دولار.
ورغم هذه التقديرات، لا تزال هناك صعوبة في تحديد تكلفة دقيقة لإعادة الإعمار، إذ يتطلب ذلك دراسات تفصيلية وشاملة للواقع على الأرض.
وفي عام 2018، أشار مسؤول أممي إلى أن سوريا قد تحتاج إلى 300 مليار دولار لإعادة الإعمار.
كما قدّر المبعوث الروسي ألكسندر لافرنتييف، في عام 2021، الكلفة بنحو 800 مليار دولار، بينما أشار الأمين العام لجامعة الدول العربية إلى تقديرات تصل إلى 900 مليار دولار، مما يُبرز حجم التحدي الاقتصادي الذي تواجهه البلاد.
ويعتمد مستقبل إعادة الإعمار بشكل كبير على الوضع السياسي، والدعم الدولي، والقدرة على جذب الاستثمارات الأجنبية.
وما يميز هذا التحدي ليس فقط كبر حجمه، بل أيضاً تعقيد الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها البلاد.
وقالت شركة الأبحاث “فيتش سوليوشنز” التابعة لوكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني إن الشركات الغربية، بما فيها الأميركية، يمكن أن يكون لها دور بارز في إعادة إعمار سوريا، ورجّحت أن تكون دول الخليج، لاعباً رئيسياً محتملاً في ذلك.