“بن مبارك” يغادر رئاسة حكومة اليمن.. بداية مرحلة أم تكرار للمآزق؟

رئيس مجلس القيادة اليمني يطيح بأحمد بن مبارك من رئاسة الحكومة وسط أزمة تعصف بالشرعية اليمنية بسبب تدهور الخدمات وانهيار العملة.
مجدداً، أطلت الخلافات داخل الشرعية اليمنية بعد الإطاحة برئيس الحكومة أحمد بن مبارك من منصبه، وتعيين سالم بن بريك، وزير المالية، خلفاً له بقرار اتخذه رئيس مجلس القيادة الرئاسي.
جاء قرار التعيين في أعقاب إعلان بن مبارك، الذي ظل في منصبه أكثر من عام، استقالته، مبرراً إياها بعدم تمكينه من ممارسة صلاحياته الدستورية، وهو ما يعكس حجم وعمق الخلافات التي تعصف بالشرعية اليمنية، وتحديداً بين مجلس القيادة والحكومة.
الإطاحة ببن مبارك تمثل رأس جبل جليد الأزمة السياسية العميقة التي تعصف بالشرعية اليمنية، وهي ليست المرة الأولى التي يتم فيها الإطاحة برئيس حكومة خلال العقد الماضي، الذي لم يشهد تغييرات حقيقية، فما الجديد الذي يحمله رئيس الوزراء الجديد في جعبته هذه المرة؟.
تعيين جديد
مساء السبت 3 مايو، أصدر رئيس مجلس القيادة اليمني رشاد العليمي قرارين؛ الأول قضى بتعيين سالم صالح بن بريك رئيساً لمجلس الوزراء، مع الإبقاء على أعضاء الحكومة الحاليين في مناصبهم، بينما نص القرار الثاني على تعيين أحمد بن مبارك، رئيس الحكومة المستقيل، مستشاراً لرئيس مجلس القيادة.
وسبق قرار التعيين خلافات حادة داخل منظومة مجلس القيادة الرئاسي المشكّل من جهات متباينة ازدادت حدتها خلال الأشهر القليلة الماضية، على خلفية الفشل في إدارة ملف الاقتصاد والخدمات، وكذلك العجز عن التواجد في العاصمة المؤقتة عدن.
ووفق موقع “المصدر أونلاين”، فقد اتسمت علاقة رئيس مجلس القيادة الرئاسي ورئيس الوزراء المستقيل بالفتور خلال المرحلة الأولى لبن مبارك في المنصب، ثم تطورت لتصبح خلافاً وتوتراً أثّر على أداء الحكومة خلال الأشهر الأخيرة.
ومنذ العام 2014 وحتى العام 2025، أجرت قيادة الشرعية اليمنية 5 تعيينات جديدة لرئيس مجلس الوزراء، في مسعى لتجاوز الأزمة السياسية والاقتصادية، لكن دون جدوى. وحول ذلك قال رئيس وزراء اليمن الأسبق وسفيرها لدى مصر، خالد بحاح، إن تغيير المناصب والحكومات وحده غير كافٍ لإحداث نقلة تصحيحية شاملة.
تحديات وصعاب
وقبل ساعات من صدور قرار تعيين رئيس جديد للحكومة المعترف بها دولياً، أعلن رئيسها السابق بن مبارك استقالته من منصبه، الذي تولاه مطلع فبراير من العام 2024، في أعقاب الأزمة المزمنة التي تعصف بالشرعية اليمنية على امتداد العقد الماضي.
وقال بن مبارك إنه سلّم الاستقالة لرئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، داعياً الجميع لدعم من سيخلفه والالتفاف حوله في هذا الظرف الصعب.
واستعرض في الاستقالة الصعاب والتحديات التي واجهته خلال رئاسة الحكومة، منها عدم تمكينه من العمل وفقاً لصلاحياته الدستورية في اتخاذ القرارات اللازمة لإصلاح عددٍ من مؤسسات الدولة، وكذلك عدم تمكينه من إجراء التعديل الحكومي المستحق.
ووفق مصدر حكومي تحدث لموقع “المصدر أونلاين”، فإن رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، وقّع الجمعة (2 مايو) قرار تعيين وزير المالية بن بريك رئيساً للحكومة خلفاً لبن مبارك.
إلا أن الصحفي اليمني محمد الغابري، مراسل وكالة “رويترز”، نقل عن مقربين من المرشح لرئاسة الحكومة أنه وضع عدة شروط للقبول بالمنصب.
وبحسب الغابري، فإن من بين الشروط التي وضعها بن بريك تقديم السعودية دعماً مالياً للموازنة العامة للدولة، وإيداع كافة موارد الدولة لدى البنك المركزي.
خلافات سابقة
حول الخلافات بين بن مبارك ومجلس القيادة الرئاسي، تحدثت مصادر لوسائل إعلام يمنية، أن اثنين من أعضاء المجلس كانوا رافضين لإقالة رئيس الحكومة.
وشهدت الأشهر الماضية حالة تجاذبات وخلافات داخل مؤسسة الشرعية المعترف بها، وقالت مصادر يمنية إن بن مبارك واجه صعوبات في استئناف عمل مجلس الوزراء في العاصمة المؤقتة عدن.
وتأتي هذه الاستقالة على وقع تدهور مستمر في الخدمات، وانهيار العملة الوطنية التي وصلت إلى مستويات قياسية، في الوقت الذي تواصل الشرعية اليمنية ممارسة مهامها من خارج الأراضي اليمنية.
وقبل أيام، حمّل المجلس الانتقالي الجنوبي رئيسي مجلس القيادة والحكومة مسؤولية تردي الخدمات في العاصمة المؤقتة وبقية المحافظات الخاضعة لسيطرة الشرعية.
أجندة التغيير
وإلى جانب ضرورات الوضع الاقتصادي والمعيشي والخدمي، ثمة من يربط الأمر بأجندة وأهداف أخرى، منها تعزيز نفوذ المجلس الانتقالي الجنوبي.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي اليمني ياسين التميمي إن بلاده على وشك تحولات دراماتيكية توحي بها الحملة العسكرية الأمريكية على الحوثيين، لافتاً إلى أن التغيير الحكومي “يبدو وكأنه جزء من ترتيبات الذهاب نحو معركة برية”.
وأضاف التميمي في تصريح لـ”الخليج أونلاين”: “الحقيقة أن التوجه نحو الإطاحة ببن مبارك يسبق هذه الحملة وهذا التوجه؛ ما يفسر الضغط على فرض وصفة التغيير الحكومي في هذه المرحلة تلبيةً لأولويات دون وطنية، ومنها تخفيف وزن الحكومة وتعزيز النفوذ الانفصالي”.
وأشار إلى أنه “لهذا السبب تم استدعاء وزير المالية بن بريك، الذي تشير المعلومات إلى أنه لا يتمتع بصرامة كافية أو بثقل أو نفوذ سلطوي”.
واستطرد التميمي قائلاً:
- لا يمكن فهم تطور الأمور إلى مرحلة إقالة رئيس الحكومة إلا على أنها محصلة عوامل عدة، أبرزها أن بن مبارك كان مصرّاً، على ما يبدو، على التصرف كرئيس حكومة بصلاحيات كاملة، وهو أمر لا أعتقد بأنه يمس النفوذ المزعوم لمجلس القيادة الرئاسي أو رئيسه، بل يتعلق بحسابات الأطراف الإقليمية التي تقف وراء هذه التركيبة الهشة لرأس السلطة الشرعية والحكومة.
- لقد تمت تغذية ما بدا أنه صراعٌ على النفوذ بين رئيس الحكومة ورئيس مجلس القيادة، ليسهُل الإطاحة ببن مبارك دون تبعات، ولا تفسيرات حول الدوافع الحقيقية الخفية ذات الصبغة الإقليمية.
- هناك حرص، على ما يبدو، لإبقاء منصب رئيس الحكومة خفيفاً ومتاحاً لتمرير المشاريع التي تخصم من صلاحيات الدولة اليمنية، وهذه قد تكون واحدة من أسوأ نتائج هذا التغيير الحكومي المفتقد للآليات الدستورية الملزمة.