بقيادات جديدة.. صناديق خليجية تراهن على مستقبل مختلف
تغييرات قيادية في صناديق الثروة السيادية الكويتية والقطرية لتعزيز الكفاءة وتنويع الاستثمارات
الصناديق الخليجية تُدير أصولاً تُقدر بقرابة 4.9 تريليونات دولار، تشكل 40% من صفقات المستثمرين المدعومين من الدولة عالمياً
التعديلات تهدف إلى تحسين عملية اتخاذ القرارات وزيادة مرونة الصناديق في مواجهة التغيرات الاقتصادية
شهدت منطقة الخليج العربي تعديلات في قيادات بعض من أكبر صناديق الثروة السيادية في العالم، بما في ذلك الهيئة العامة للاستثمار الكويتية وجهاز قطر للاستثمار.
وتعتبر هذه التغييرات جزءاً من جهود هذه الدول لتعزيز أداء صناديقها في مواجهة التحديات الاقتصادية العالمية وتعزيز العوائد.
وتدير صناديق الثروة السيادية الخليجية مجتمعة أصولاً تُقدر بقرابة 4.9 تريليونات دولار، مما يجعلها لاعباً رئيسياً في أسواق الاستثمار العالمية.
وتأتي هذه التغييرات القيادية في وقت حساس تشهد فيه المنطقة تغييرات اقتصادية كبيرة.
ومنذ جائحة “كوفيد-19” وتداعياتها الاقتصادية، شهدت الأسواق العالمية تقلبات حادة؛ مما أثر على استراتيجيات الاستثمار للصناديق السيادية.
إضافة إلى ذلك، ساهمت التوترات الجيوسياسية واضطرابات سلاسل التوريد وارتفاع معدلات التضخم في زيادة الضغط على مديري الأصول السيادية للتكيف بسرعة مع الأوضاع المتغيرة.
خطوة استباقية
وفي هذا السياق، تُعد التعديلات في قيادة الصناديق السيادية خطوة استباقية تهدف إلى تحديث السياسات الاستثمارية، والتركيز على قطاعات النمو الواعدة مثل التكنولوجيا، والذكاء الاصطناعي، والبنية التحتية الرقمية.
وتُعتبر هذه الخطوة محاولة لتقليل الاعتماد على العائدات النفطية وتحقيق التنويع الاقتصادي، وهو هدف رئيسي لدول الخليج ضمن رؤيتها المستقبلية، مثل رؤية 2030 في السعودية.
أحد أبرز الأسباب وراء التعديلات القيادية هو الحاجة إلى تجديد الدماء وتعزيز الكفاءة في إدارة الأصول.
الكويت
في الكويت، جاء التغيير بعد بلوغ العضو المنتدب للهيئة العامة للاستثمار، غانم الغنيمان، سن التقاعد (65 عاماً).
وتُعد الهيئة العامة للاستثمار الكويتية من أقدم صناديق الثروة السيادية في العالم، حيث تأسست في عام 1953 وتدير أصولاً تُقدر بحوالي تريليون دولار.
ويشير تقرير نشرته قناة “العربية” السعودية، إلى أن الشيخ سعود سالم الصباح سيتولى قيادة الهيئة خلفًا للغنيمان، وهو عضو مجلس إدارة سابق يتمتع بخبرة واسعة في مجالات الاستثمار الدولي.
وتعتبر التغييرات القيادية في الهيئة العامة للاستثمار الكويتية جزءاً من التحولات الأوسع التي تشهدها الكويت في إطار إصلاحاتها الاقتصادية الطموحة.
ومنذ فترة، تواجه الكويت تحديات اقتصادية كبيرة مرتبطة بتقلبات أسعار النفط، مما دفعها إلى السعي نحو تنفيذ خطة تنويع اقتصادي مستدام تُقلل من الاعتماد على العائدات النفطية.
ويُعتبر هذا الصندوق السيادي واحداً من أهم الأدوات التي تمتلكها الكويت لتنفيذ استراتيجياتها التنموية والاستثمارية.
وقد أظهرت الحكومة مؤخراً التزاماً كبيراً بإجراء إصلاحات هيكلية في الاقتصاد، تشمل تحديث الأنظمة المالية وتحسين مناخ الاستثمار، وهي إصلاحات تُعتبر ضرورية لتعزيز قدرة الكويت على التنافسية في الأسواق العالمية.
وتغيير العضو المنتدب في الهيئة قد يعكس رؤية جديدة في اختيار القيادة القادرة على التعامل مع المتغيرات العالمية السريعة.
والشيخ سعود سالم الصباح، لديه خبرة في إدارة الاستثمارات الدولية، بما في ذلك العمل مع شركات استثمارية كبرى مثل “بلاك روك”.
ويُشير هذا التوجه إلى رغبة الهيئة العامة للاستثمار في تحديث استراتيجياتها وزيادة التركيز على الاستثمارات في التكنولوجيا والبنية التحتية الرقمية، حسب مراقبين.
قطر
وفي قطر، تم تعيين محمد السويدي رئيساً تنفيذياً لجهاز قطر للاستثمار خلفًا لمنصور آل محمود.
ويُعتبر هذا التعيين جزءاً من استراتيجية قطر لتعزيز قوتها المالية، خاصة مع التوسع المتوقع في إنتاج الغاز، الذي من المرجح أن يضيف أكثر من 30 مليار دولار إلى إيرادات الدولة في السنوات المقبلة.
ويُتوقع أن يمنح هذا التوسع الصندوق السيادي موارد إضافية يمكن استخدامها للتوسع في الاستثمارات الدولية.
ما أهميتها؟
وحسب المحلل الاقتصادي حسام عياش، فإن هذه التغييرات تحمل الأهمية المتزايدة لتعزيز الكفاءة والاستفادة من الخبرات المتنوعة للقيادات الجديدة.
ويقول عايش، في حديثه لـ”الخليج أونلاين”: “تُعتبر صناديق الثروة السيادية الخليجية أحد المحركات الرئيسية للاقتصادات المحلية والإقليمية، حيث تُسهم بشكل كبير في تحقيق أهداف التنويع الاقتصادي بعيداً عن الاعتماد التقليدي على النفط”.
ويشير إلى أنه من المتوقع أن تؤثر هذه التغييرات على استراتيجيات الاستثمار المستقبلية للصناديق السيادية الخليجية.
ويرى أن التغييرات القيادية قد تؤدي إلى تحول في طبيعة الاستثمارات نحو القطاعات التكنولوجية المتقدمة، مثل الذكاء الاصطناعي، والبنية التحتية الرقمية، ومراكز البيانات.
من ناحية أخرى، يقول عايش، إنه “عادة ما يتسم نهج صناديق الثروة السيادية بالحذر والاستثمار طويل الأجل، إلا أن التعديلات الأخيرة قد تشير إلى تحول نحو استثمارات أكثر جرأة في قطاعات النمو السريع خلال الفترة المقبلة”.
وأضاف: “في قطر، يسعى جهاز قطر للاستثمار إلى زيادة استثماراته في الولايات المتحدة وآسيا، مع التركيز على التكنولوجيا والرعاية الصحية”.
وقد يعزى هذا التوجه إلى خبرة الرئيس التنفيذي الجديد، محمد السويدي، الذي عمل في السابق على توسيع استثمارات الصندوق في منطقة الأمريكتين.
تأثيرات محلية ودولية
من ناحيته، يقول المحلل الاقتصادي أحمد أبو قمر، إنه “على المستوى المحلي، قد يؤدي تغيير القيادة في صناديق الاستثمار إلى تحسين عملية اتخاذ القرارات وزيادة مرونتها في التعامل مع المتغيرات الاقتصادية العالمية”.
ويضيف أبو قمر في حديثه لـ”الخليج أونلاين”: “يُعتبر ذلك ضرورياً لتعزيز ثقة المستثمرين وتحقيق عوائد أعلى من المحفظة الاستثمارية”.
كما أن التحديث في الإدارة قد يساعد في تجاوز بعض التحديات التي واجهتها هذه الصناديق الخليجية في السنوات الأخيرة، مثل ضعف الأداء الاستثماري في بعض الأسواق التقليدية والتوترات السياسية المحلية، وفق المحلل الاقتصادي.
أما على المستوى الإقليمي والدولي، يُتوقع أن تؤدي هذه التغييرات إلى تعزيز دور الكويت وقطر على وجه التحديد في أسواق رأس المال العالمية.
وتوقع أن تصبح هذه الصناديق لاعباً أكثر تأثيراً في قطاعات مثل التكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي مما يعزز مكانة دول الخليج كمركز استثمار عالمي.
وتُدير الصناديق الخليجية أصولاً بقيمة تقارب 4.9 تريليونات دولار، وتشكل حوالي 40% من قيمة الصفقات العالمية التي أبرمها المستثمرون المدعومون من الدول في الأشهر التسعة الأولى من عام 2024، وفقًا لبيانات “غلوبال إس دبليو إف”.