بزيارة الملك حمد.. البحرين ترسخ علاقة تاريخية مع سلطنة عُمان
تسعى الدولتان إلى تعزيز التعاون في مختلف المجالات، بما في ذلك التنسيق في القضايا الإقليمية والدولية، ودعم العمل الخليجي المشترك.
تُعد العلاقات بين سلطنة عُمان ومملكة البحرين نموذجاً متميزاً للتعاون الخليجي القائم على الاحترام المتبادل والتكامل في مختلف المجالات.
كما تتمتع الدولتان بتاريخ طويل من العلاقات الوثيقة التي تعود جذورها إلى الروابط التاريخية والثقافية المشتركة، وهي علاقات تم تعزيزها عبر العقود من خلال التعاون السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
وتسعى الدولتان إلى تعزيز التعاون في مختلف المجالات، بما في ذلك التنسيق في القضايا الإقليمية والدولية، ودعم العمل الخليجي المشترك.
زيارة عاهل البحرين
ذلك التقارب المستمر، تعززه زيارات متبادلة لزعماء البلدين، كان آخرها بدء عاهل البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة “زيارة دولة” إلى سلطنة عُمان في 14 يناير 2025، تلبيةً لدعوة السلطان هيثم بن طارق.
تهدف الزيارة إلى بحث سبل تعزيز العلاقات الثنائية والتشاور حول القضايا الإقليمية والدولية، ومن المتوقع أن تسهم في تعزيز التعاون المشترك وفتح آفاق جديدة في مختلف المجالات، بما يعكس الروابط المتينة بين البلدين.
وفي تصريحات له بعيد وصوله إلى مسقط، قال ملك البحرين: “يسرنا في هذه المناسبة العزيزة على قلوبنا أن نشيد بما يحققه التعاون الثنائي بين بلدينا من تطور ونمو في مختلف المجالات، وما يبذله البلدان الشقيقان من جهود ملموسة للارتقاء به إلى مستويات أشمل لما من شأنه تعزيز الروابط المشتركة والمصالح المتبادلة وتحقيق الخير والنفع للبلدين والشعبين الشقيقين”.
كما أشاد بما “تحققه سلطنة عمان الشقيقة من تطور ورقي ونهضة تنموية شاملة في مختلف المجالات تستهدف تحقيق المزيد من المنجزات لصالح الشعب العماني الشقيق، في ظل القيادة الحكيمة لجلالة السلطان المعظم” وفق وكالة أنباء البحرين الرسمية “بنا”.
ووفق وكالة الأنباء العمانية، فإن زيارة العاهل البحريني تبحث جوانب تهم البلدين، فضلاً عن التشاور بشأن مختلف القضايا التي تعزز العمل الخليجي المشترك، والمستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية.
أهمية الزيارة
تحمل الزيارة الجديدة دلالات استراتيجية لكونها “زيارة دولة” في ظل الظروف الإقليمية والدولية، وفق الوكالة التي أكدت أن العلاقات الثنائية تمثل نموذجاً يُحتذى به للتنسيق.
كما تشير الوكالة العمانية أيضاً إلى أن مستوى العلاقات البحرينية العمانية شهد تطوراً ملحوظاً في السنوات الماضية، بهدف توحيد الرؤى ووجهات النظر حيال القضايا والملفات الاستراتيجية، والدفع بآليات التعاون الثنائي في مختلف المجالات، لا سيما الاقتصادية والاستثمارية والتجارية والاجتماعية وغيرها من المجالات الحيوية.
وتطرق اللقاء بين قادة البلدين إلى العمل الخليجي المشترك في ظل التحديات التي تشهدها المنطقة وأهمية تعزيزه بما يحقق مصالح دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وشعوبها الشقيقة ويسهم في تعزيز أمن واستقرار المنطقة.
كما بحثا أهم التطورات المستجدة على الساحتين الإقليمية والدولية وفي مقدمتها الأوضاع في منطقة الشرق الاوسط، بالاضافة الى عدد من القضايا التي تهم البلدين الشقيقين وتبادلا وجهات النظر بشأنها.
وأكدا أيضاً أهمية تضافر الجهود للحفاظ على الاستقرار الاقليمي وتجنيب المنطقة تبعات أزمات جديدة تهدد أمنها واستقرارها إضافة إلى العمل على إيجاد مسار للسلام العادل والشامل والدائم الذي يقوم على أساس “حل الدولتين” ويضمن تحقيق الاستقرار والأمن للجميع، وفق وكالة أنباء البحرين “بنا”.
وفي هذا الصدد يشير عاصم الشيدي، رئيس تحرير صحيفة” عُمان” إلى أن” الملك حمد تعكس عمق العلاقات الأخوية التاريخية الوثيقة بين البلدين”، مشيراً إلى أنها” علاقات لا تقتصر على الجوانب السياسية، بل تتجذر في السياقات الاجتماعية والثقافية المشتركة التي تربط الشعبين الشقيقين”.
وأضاف الشيدي في تصريح لوكالة “بنا” أن” العلاقات التجارية لعبت دوراً محورياً في الماضي، حيث أسهمت في بناء روابط اجتماعية وأسرية متينة بين الشعبين العُماني والبحريني، وقيادتي البلدين عززتا هذه الروابط على أسس متينة من التاريخ المشترك والتعاون”.
وشدد في هذا الصدد على أنه “ننظر في سلطنة عُمان إلى زيارة جلالة الملك المعظم بكثير من التفاؤل في تعزيز العلاقات بين البلدين وتعزيز الروابط الخليجية ومواجهة التحديات التي تمر بها المنطقة العربية في ظل التحولات العالمية”.
من جهته، أكد حميد بن مسلم السعيدي، رئيس تحرير مجلة” إشراق” العُمانية، أن” حاضر ومستقبل العلاقات العُمانية البحرينية يحمل آفاقًا واعدة، معززًا بالقواسم المشتركة بين البلدين، كالتاريخ العريق والثقافة والموقع الاستراتيجي”.
وتابع حديثه لـ”بنا”: “من المتوقع أن تشهد هذه العلاقات مزيداً من التعاون الاقتصادي عبر مشروعات استثمارية مشتركة تعزز التنمية المستدامة، وتوسع التبادل التجاري ليشمل قطاعات جديدة كالتكنولوجيا والطاقة المتجددة”.
ويشير السعيدي إلى أن” جذور العلاقات بين سلطنة عُمان ومملكة البحرين تعود إلى حضارتي مجان ودلمون، حيث شكلتا نموذجًا للتكامل الاقتصادي والحضاري”، مؤكدًا أن” العلاقات تستمر في التطور والازدهار في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مستندة إلى الاحترام المتبادل والتوجيهات الحكيمة لقيادتي البلدين”.
أما الكاتبة البحرينية هيفاء عدوان فقد قالت في مقال لها بصحيفة “الوطن” المحلية إن “زيارة الملك حمد تمثل رسالة حب متجددة بين البلدين والشعبين، وتعكس روح الإخاء والمودة التي جمع البحرين وعمان على مدى قرون من الزمن، تلك العلاقة التي يمكن تشبيهها بشجرة ضاربة الجذور، تمتد عروقها عميقاً في تربة التاريخ المشترك”.
وأضافت: “بين البحرين وعمان قلب نابض بالأخوة ومخطوط بالتاريخ والحضارة، وعندما يلتقي القادة فإننا فصلاً جديداً من قصة جميلة عمرها قرون، قصة تعلمنا منها أن العلاقات الإنسانية الحقيقية لا تبنى على المصالح العابرة، بل تقام صروحها على الاحترام والتاريخ والقيم الأصيلة”.
نمو ملحوظ
وشكلت الزيارة الرسمية الأولى التي قام بها السلطان هيثم بن طارق إلى البحرين في أكتوبر 2022 تجسيداً للعلاقات المتميزة بين البلدين، كما شهدت التوقيع على عدد من مذكرات التفاهم والبرامج التنفيذية المشتركة شملت التعاون بين حكومتي البلدين في مختلف المجالات أبرزها:
- مذكرة تفاهم للتعاون في مجال الطاقة المتجددة.
- اتفاقية لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
- اتفاقيات متعلقة بتسهيل الاستثمارات المشتركة في قطاعات الزراعة والصناعة.
وشهدت العلاقات الاقتصادية بين البلدين نمواً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، فمنذ عام 2015، بلغ إجمالي حجم التبادل التجاري أكثر من 2.16 مليار ريال عُماني (5.6 مليارات دولار) حتى نهاية سبتمبر 2024، حيث تجاوزت الواردات من البحرين إلى عُمان 1.7 مليار ريال عُماني (4.4 مليارات دولار)، بينما بلغت الصادرات العُمانية نحو 450 مليون ريال عُماني (1.16 مليار دولار).
وتركزت الصادرات العُمانية إلى البحرين على المعادن والأغذية، بينما استوردت السلطنة منتجات متنوعة مثل الألمنيوم والمعدات الصناعية.
وبحسب صحيفة “الوطن” البحرينية تبرز الاستثمارات المشتركة بين البلدين من خلال وجود حوالي 500 شراكة بحرينية عُمانية في مختلف المجالات، وما يقارب من 850 مؤسسة تجارية بحرينية عاملة في سلطنة عُمان، معظمها من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
كما يبلغ حجم الاستثمارات البحرينية المباشرة في سلطنة عُمان حوالي 375 مليون ريال عُماني (974 مليون دولار) ما بين القطاع العقاري والأغذية ومواد البناء.
ومن أهم المشاريع القائمة بين البلدين “الشركة البحرينية العُمانية للاستثمار القابضة”، التي تأسست بهدف تعزيز الاستثمارات المشتركة، خاصة في مجالات الأمن الغذائي والقطاع اللوجستي، إلى جانب قطاع المصارف والتأمين والعقارات، وتمتلك مؤسسات بحرينية حصصاً في بنوك وشركات تأمين عُمانية، مما يعزز التعاون في القطاع المالي بين البلدين.