بأول زيارة لستارمر.. اقتصاد بريطانيا يبحث عن دعم سعودي إماراتي
تبدو العلاقات بين حكومة حزب العمال والبلدين الخليجيين مرشحة للاستمرار والتطور الواسع، خاصة مع تركيز بريطانيا على تعزيز مكانتها في المنطقة بعد “بريكست”
تمثل العلاقات البريطانية مع السعودية والإمارات نموذجاً للتعاون الاستراتيجي طويل الأمد الذي يجمع بين المصالح الاقتصادية، والتعاون الأمني، والتنسيق السياسي.
وفي ظل التغيرات العالمية والإقليمية، تبدو هذه العلاقات مرشحة للاستمرار والتطور الواسع، خاصة مع تركيز بريطانيا على تعزيز مكانتها في المنطقة بعد مغادرة الاتحاد الأوروبي “بريكست”، والتزام السعودية والإمارات بتطوير اقتصادهما بما ينسجم مع رؤيتهما.
وحالياً تركز الحكومة البريطانية الجديدة برئاسة رئيس الوزراء كير ستارمر، على الجانب الاقتصادي والاستثمارات بشكلٍ خاص وربما يعتبر ذلك الهدف الرئيسي من زيارته المرتقبة والأولى له إلى منطقة الخليج وتحديداً إلى السعودية والإمارات الشهر المقبل.
زيارة مرتقبة
في الـ5 من يوليو الماضي، تولى زعيم حزب العمال البريطاني ستارمر رئاسة الحكومة البريطانية، بعد فوز تاريخي في الانتخابات التشريعية التي جرت في ذات الشهر، في ظل أزمة مالية واقتصادية صعبة تعيشها بريطانيا.
ويبدو أن ستارمر قد وجد من الخليج طريقاً ربما لمساعدة حكومته في التخفيف من أزمة بلاده الاقتصادية، حيث ذكرت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية إنه من المقرر أن يزور السعودية والإمارات، الشهر المقبل، في محاولة لجذب استثمارات جديدة للمملكة المتحدة.
وأوضحت الصحيفة (20 نوفمبر 2024) أن الزيارة تأتي في إطار الجهود الرامية إلى تعزيز العلاقات الدبلوماسية لبلاده في المنطقة، وأن ستارمر يسعى إلى الحصول على مليارات الجنيهات الإسترلينية من صناديق الثروة السيادية الخليجية لتعزيز أجندة النمو لحكومة حزب العمال.
ووفق الصحيفة، تسعى المملكة المتحدة إلى تأمين الاستثمارات من دول الخليج في قطاعات بين الطاقة والبنية التحتية، بما في ذلك مشاريع مثل محطة الطاقة النووية “سيزويل سي” في شرق إنجلترا.
كما أشارت إلى أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، قد يقوم أيضاً بزيارة لندن العام المقبل، إلا أن الخطط لهذه الزيارة لم يتم الانتهاء منها بعد.
وكان اتصال قد جرى في يوليو الماضي بين الأمير محمد بن سلمان وستارمر، حيث هنأه ولي العهد بمناسبة تعيينه رئيساً للوزراء في بريطانيا.
شراكات كبيرة
تمثل العلاقات بين المملكة المتحدة والمملكة العربية السعودية واحدة من أبرز الشراكات الثنائية في منطقة الشرق الأوسط، حيث تجمعهما مصالح سياسية واقتصادية وأمنية واسعة النطاق، وقد شهدت هذه العلاقة تطوراً ملحوظاً على مدى عقود، لتشمل قطاعات استراتيجية متنوعة.
ويجمع البلدان “مجلس الشراكة الاستراتيجي السعودي البريطاني”، ويهدف إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين، والمساهمة في رفع حجم التبادل التجاري، وخلق مزيد من الشراكات الاستراتيجية، وتبادل المعلومات حول الفرص التجارية والاستثمارية، والعمل على تذليل المعوقات التي تواجه نمو العلاقات الاقتصادية بين البلدين.
وكان آخر اجتماع انعقد في مايو الماضي، حيث اتفقتا على زيادة حجم التجارة الثنائية بين البلدين 72.8% لتصل إلى 37.5 مليار دولار بحلول عام 2030، وتأكيد عزمهما إبرام اتفاقية شاملة للتجارة الحرة بين المملكة المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي.
كما وقعت المملكتان اتفاقية لتوسيع التعاون في مجال الاستثمار بين البلدين، حيث وصلت قيمة الاستثمارات السعودية في المملكة المتحدة إلى 21 مليار دولار منذ 2017.
التركيز على الاقتصاد
يؤكد المحلل السياسي المختص في الشأن الأوروبي محمد فتوح، أن ستارمر يركز منذ وصوله إلى السلطة على الجانب الاقتصادي وهو جزء رئيسي من زيارته إلى دول الخليج، بالتزامن مع سعيه لإعادة التفاوض مع الاتحاد الأوروبي على الاتفاق التجاري.
ويشير في حديثه لـ”الخليج أونلاين”، إلى أن الاقتصاد البريطاني “تأثر كثيراً منذ الانسحاب من الاتحاد الأوروبي وخصوصاً مع تطبيق الاتحاد شروطاً جمركية مشددة على الصادرات البريطانية”.
ولفت إلى أن الإمدادات من الاتحاد واجهت صعوبات وتأخيرات “انعكست على حياة المواطن البريطاني”، مضيفاً: “لهذا الغرض قام ستارمر بعدد غير مسبوق من الزيارات الخارجية خلال الأشهر الأولى من ولايته، بينها زيارتان لألمانيا وزيارتان لفرنسا، وهما دولتان مؤثرتان في الاتحاد، في مسعى على ما يبدو لإصلاح العلاقات مع الاتحاد”.
وفيما يتعلق بجلب الاستثمار الخارجي، أشار فتوح إلى أن رئيس الوزراء البريطاني، سبق أن أقام مؤتمراً استثمارياً الشهر الماضي لتشجيع الاستثمار الأجنبي، بمشاركة شركات خليجية.
وحول بعض الخلافات مع الإمارات، قال: “حينما أغضب وزراء في الحكومة البريطانية شركة موانئ دبي بسبب تصريحات تنتقد الشركة بسبب ما قيل عن انتهاك حقوق العمال في الشركة، ما دفع الشركة لإعلان انسحابها من المؤتمر، سارع ستارمر لإقناع الشركة للاستمرار في المشاركة”.
ولذلك، فإنه يرى أن زيارة ستارمر المرتقبة لدول خليجية “تندرج في إطار هذا المسعى الاقتصادي، وخصوصاً مع وصول دونالد ترامب الى الرئاسة في الولايات المتحدة وما يتوقع معه من فرض قيود تجارية واقتصادية على الشركاء قد تؤثر على بريطانيا وأوروبا”.
ترميم العلاقات
أما العلاقات البريطانية الإماراتية فقد بدأت منذ سبعينيات القرن الماضي، وتعد نموذجاً في شتى المجالات التي امتدت لتشمل الجوانب الأمنية والدفاعية، والاقتصادية، والاستراتيجية، والثقافية وغيرها.
لكن يبدو أن مهمة رئيس الوزراء البريطاني هذه المرة ستكون شاقة، حيث من المفترض أنها تأتي في أعقاب الإحباط المتزايد من المسؤولين الإماراتيين بسبب تعليقات السياسيين البريطانيين بشأن محاولة شركة مرتبطة بالإمارات الاستحواذ على صحيفة “التلغراف”، قبل أن تنسحب الشركة بعد تدخل الحكومة البريطانية في أبريل الماضي.
وقد حظي العرض الذي لم ينجح بدعم نائب الرئيس الشيخ منصور، وشقيق حاكم الإمارات محمد بن زايد. ولم تشارك حكومة الإمارات بشكل مباشر في الصفقة.
وفي الشهر ذاته كشفت وسائل إعلام عن أن العلاقات بين الإمارات والحكومة البريطانية ليست على ما يرام، وعن إلغاء أبوظبي 4 اجتماعات وزارية مع لندن، بسبب توتر يتعلق باتهامات سودانية للدولة الخليجية بشأن الدور المزعوم في الحرب الدائرة في البلد العربي.
وجاءت التوترات في الوقت الذي تسعى فيه المملكة المتحدة إلى الحصول على استثمارات جديدة بمليارات الدولارات في صناديق الثروة السيادية الإماراتية.
وترتبط الدولتان بروابط وثيقة، بما في ذلك صفقة أبرمتها الإمارات عام 2021 لاستثمار حوالي 13 مليار دولار في التقنيات الجديدة والطاقة في المملكة المتحدة.