اتفاق الشرع – عبدي.. تحوّل استراتيجي في مشهد سوريا السياسي

اتفاق دمج قوات “قسد” ضمن الدولة السورية يمنح الحكومة السورية انتصاراً جديداً.
الاتفاق ينهي إحدى أكثر الأزمات المعقدة التي كانت تواجه الحكومة الجديدة بسوريا.
اتفاق تاريخي أنهى أحد أكبر التحديات التي كانت تواجه السلطة الوليدة في دمشق، إذ توصلت القيادة السورية إلى اتفاق مع قوات سوريا الديمقراطية “قسد” ينص على دمجها ضمن مؤسسات الدولة.
اتفاقٌ من شأنه أن يخلق معادلة سياسية جديدة في سوريا، خصوصاً أنه تزامن مع تطورات دامية عصفت بسوريا خلال الأيام الثلاثة الماضية، وأسفرت عن مقتل وإصابة المئات.
كما ينهي حالة خلاف قائمة منذ أكثر من عقد في سوريا، لكنها أصبحت أكثر خطراً بعد سقوط نظام بشار الأسد، ودخول قوى إقليمية ودولية في خط التلاعب بالمعطيات في سوريا، في مسعى لإفشال الحكومة السورية الجديدة.
ويبدو أن الحكومة بقيادة الرئيس أحمد الشرع، نجحت في اختبار المرحلة، فبعد نجاحها في امتصاص صدمات هجمات الفلول في الساحل السوري، أهدت للسوريين الاتفاق مع “قسد”، ليتنفس الملايين الصعداء وتعم الاحتفالات أرجاء سوريا.
اتفاق تاريخي
في دمشق، وبينما كان السوريون يتنفسون الصعداء على إثر أحداث غرب سوريا الدامية، أطل الشرع، وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، وهما يوقعان اتفاقاً تاريخياً ينهي فصلاً خطراً من الخلاف.
نص الاتفاق على دمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية التابعة للإدارة الذاتية الكردية في إطار الدولة السورية، وفق ما أعلنت الرئاسة.
وتضمن الاتفاق ثمانية بنود هي كالآتي:
- ضمان حقوق جميع السوريين في المشاركة في العملية السياسية وكافة مؤسسات الدولة بناءً على الكفاءة، بغض النظر عن خلفيتهم الدينية أو العرقية.
- الاعتراف بالمجتمع الكردي كجزء أصيل من الدولة السورية، وضمان حقوقه في المواطنة والحقوق الدستورية.
- وقف إطلاق النار على جميع الأراضي السورية.
- دمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا ضمن إدارة الدولة السورية، بما فيها المعابر الحدودية والمطارات وحقول النفط والغاز.
- تأمين عودة جميع المهجرين السوريين إلى مدنهم وقراهم، وضمان حمايتهم من قبل الدولة السورية.
- دعم الدولة السورية في مواجهة فلول الأسد وجميع التهديدات التي تستهدف أمن سوريا ووحدتها.
- رفض دعوات التقسيم وخطاب الكراهية ومحاولات بث الفرقة بين كافة مكونات المجتمع السوري
- تعمل اللجان التنفيذية على تطبيق الاتفاق بما لا يتجاوز نهاية العام الحالي.
ولم تكتف الحكومة السورية بالاتفاق مع “قسد”، بل مضت في طريق توحيد كل الفصائل والقوى، الثلاثاء (11 مارس)، أفادت مصادر أن الحكومة عقدت اتفاقاً مع أهالي ووجهاء السويداء بدمج كامل المحافظة ضمن مؤسسات الدولة.
كما نص الاتفاق على إلحاق الأجهزة الأمنية في السويداء بوزارة الداخلية السورية، وأن يكون عناصر الشرطة المحلية من أبناء المحافظة، وأن تعيّن الحكومة السورية محافظاً وقائداً للشرطة لا يشترط أن يكونا من المدينة.
مفاوضات سابقة
ولم يكن الاتفاق وليد اللحظة، وفق مدير مكتب “الجزيرة” في أنقرة، عبدالعظيم محمد، والذي أشار إلى أن المفاوضات امتدت لأكثر من شهرين، قبل التوصل لاتفاق.
ومن المتوقع أن تبدأ قوات وزارة الدفاع السورية بالدخول إلى مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، لاستلام مؤسسات الدولة، وكذا استلام السجون التي تحوي المئات من عناصر تنظيمي “القاعدة” و”داعش”.
وقال عبدي إن المرحلة الحالية تتطلب عملاً مشتركاً لضمان مرحلة انتقالية تعكس تطلعات الشعب السوري في العدالة والاستقرار.
وأضاف عبدي في منصة “إكس”: “في هذه الفترة الحساسة، نعمل سوياً لضمان مرحلة انتقالية تعكس تطلعات شعبنا في العدالة والاستقرار”، معتبراً الاتفاق فرصة حقيقية لبناء سوريا جديدة تحتضن جميع المكونات السورية.
ويرى الخبير العسكري حاتم الفلاحي، أن انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة شكّل فراغاً أمنياً كبيراً، مما جعل “قسد” تعيد حساباتها، كونها أصبحت تواجه تحديات وجودية في هذه المرحلة.
انعكاسات إيجابية
ويبدو أن هذا الاتفاق سيكون له انعكاسات مهمة ومباشرة على المشهد السياسي والأمن والعسكري في سوريا، وفقاً للباحث السياسي السوري محمد بقاعي.
وأضاف بقاعي في تصريح لـ”الخليج أونلاين”، أنه على المستوى الأمني والعسكري، فإن الاتفاق نجح في تحييد احتمال عودة الصراع العسكري، أو المعارك بشكل كبير جداً.
وعلى المستوى السياسي، قال إن الاتفاق سيسهم في زيادة شرعنة الحكومة الحالية، لافتاً إلى أنه يمثل رسالة للداخل وللإقليم وللبُعد الدولي، أن هناك رضا من المجتمع السوري عن الإدارة الجديدة.
واستطرد بقاعي قائلاً: “يمكن أن نرى انعكاسات هذا الاتفاق حتى على الدول التي كان لديها بعض التحفظات على الإدارة الجديدة، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، هذا الاتفاق لم يكن ليتم لولا رضا واشنطن، وبالتالي فهو مؤشر مهم جداً على طبيعة الخطوات القادمة، التي يمكن أن تقدم عليها واشنطن، خصوصاً على مستوى العقوبات”.
وأشار إلى أنه على المستوى الداخلي، فإن هذا الاتفاق “يعزز من قدرة الإدارة الجديدة في مواجهة الفلول، خاصة في منطقة الساحل، وهذا سيعزز أيضاً من تلاحم المجتمع خلف القيادة لمواجهة هذه التحديات”.
عوائق بسيطة
ويرى الباحث السياسي بقاعي أن الاتفاق وضع إطاراً عاماً للتنفيذ بناء على مجموعة من النقاط، مشيراً إلى أنه غالباً عند التنفيذ ما يكون هناك بعض الاختلاف في وجهات النظر.
وتابع قائلاً: “أعتقد أن العقدة الأساسية، تكمن في كيفية إخراج عملية دمج قوات سوريا الديمقراطية، في المؤسسة الأمنية والعسكرية، أعتقد أن يكون هناك اختلافات في وجهات النظر حولها وأيضاً حول بعض الملامح العامة حول شكل وهوية الدولة السورية”.
ولفت الباحث بقاعي إلى أنه من الطبيعي جداً ألا يكون هناك تطابق في وجهات النظر، لافتاً إلى أن هذا الأمر يمكن أن يؤخر أو يصعّب العملية، لكنه لا يمكن أن يلغي أو يعرقل تنفيذ الاتفاق بالمطلق.
موقف متقدم
وسارعت المملكة العربية السعودية وقطر والكويت ومجلس التعاون لدول الخليج العربية، وأيضاً الأردن إلى مباركة الاتفاق على دمج قوات “قسد” ضمن مؤسسات الدولة السورية، وشددت على أهمية احتكار السلاح في يد الدولة، وأبدت دعمها للحكومة والشعب السوري.
وقال الباحث السياسي محمد بقاعي، إن الموقف الخليجي والعربي من الاتفاق كان سبّاقاً جداً، مشيراً إلى أن هناك رغبة إقليمية على مستوى الدول العربية، لوصول سوريا إلى حالة استقرار، وهذا مهم جداً للدولة السورية وللدول العربية في المنطقة.
وبيّن إلى أن “سوريا كانت خلال الفترة الماضية مصدّرة للمشاكل إلى هذه الدول، وبالتالي فهناك إرادة وتوجه عام نحو استقرارها”.
واختتم حديثه بالقول: “أعتقد أن الدول العربية تدرك أن هذا الاتفاق أتى نتيجة توافقات داخلية وأيضاً نتيجة توافقات إقليمية ودولية، وبالتالي من الذكاء السياسي أن تتعامل الدول العربية بإيجابية مع التطورات الحاصلة في سوريا”.