وفق مخرجات قمة الرياض.. هل يستجيب الغرب لرفع العقوبات عن سوريا؟
– أكدت مخرجات اجتماع الرياض على أهمية رفع العقوبات الأحادية والأممية المفروضة على سوريا.
– مخرجات الاجتماع: استمرار العقوبات يعرقل طموحات الشعب السوري في تحقيق التنمية.
تعرقل العقوبات الدولية المفروضة على سوريا إعادة بناء الاقتصاد المدمر جراء الحرب، في وقتٍ يتطلع السوريون إلى عهدٍ جديد من الاستقرار والتعافي، بعيداً عن العقوبات التي تلاحق كل خطوة نحو إعادة الإعمار والتنمية.
وبينما تعمل القوى الغربية على مساعدة الشعب السوري الذي عانى على مدى أكثر من عقدٍ من الحرب والفوضى، لا تزال تلك القوى ترفض التخلي عن حذرها حيال الحكام الجدد، فلا تريد الولايات المتحدة وحلفاؤها كما يرون أن يغامروا باستعجال رفع العقوبات قبل التحقق من مآلات الأوضاع في سوريا.
ولأهمية هذا الملف الأبرز في مرحلة سوريا ما بعد بشار الأسد، كان التأكيد واضحاً من المشاركين في اجتماع الرياض الذي انعقد في 12 يناير الجاري، على ضرورة رفع العقوبات المفروضة على البلد العربي، ومناقشة ما يمكن تقديمه لإعادة الاستقرار في سوريا ومساعدة المواطنين على تجاوز أكبر معاناة مرت عليهم في تاريخهم، فهل يتحقق هذا الأمر أخيراً؟.
اجتماع الرياض
لا يزال التغيير الذي شهدته دمشق بسقوط نظام الأسد في ديسمبر الماضي، يشغل حيزاً كبيراً لدى الدول العربية والغربية، ومن ذلك المنطلق اتسعت الاجتماعات واللقاءات والزيارات حول سوريا ومستقبلها في ظل حكم جديد يتخوف منه الغرب.
وكان من بين تلك الاجتماعات، قمة الرياض (12 يناير 2025)، والتي أكدت مخرجاتها التي أعلن عنها الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي، على أهمية رفع العقوبات الأحادية والأممية المفروضة على سوريا، لافتاً إلى أن استمرارها يعرقل طموحات الشعب السوري في تحقيق التنمية.
وقال الأمير فيصل إن معالجة أي تحديات أو مصادر للقلق تكون عبر الحوار، وتقديم الدعم والمشورة، بما يحترم استقلال سوريا وسيادتها، مع الأخذ في الاعتبار أن مستقبلها شأن سوري، ويصوغه السوريون.
وأوضح أن المشاركين في اجتماعات الرياض بشأن سوريا رحبوا بالخطوات الإيجابية للإدارة الجديدة في دمشق؛ للحفاظ على مؤسسات الدولة، واتخاذ نهج الحوار مع الأطراف السورية، والتزامها بمكافحة الإرهاب، وبدء عملية سياسية تضم مختلف مكونات الشعب، بما يكفل استقرار البلاد، وسيادة ووحدة أراضيها، وألا تكون مصدراً لتهديد الدول المجاورة.
وشارك في الاجتماع وزراء خارجية تركيا وسوريا والدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، والعراق ولبنان والأردن ومصر وبريطانيا وألمانيا، في حين شاركت الولايات المتحدة وإيطاليا على مستوى نائب وزير الخارجية.
وتدعو الإدارة السورية الجديدة إلى رفع العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة ودول غربية على دمشق في عهد الرئيس المخلوع بشار الأسد، وتشدد على أن سوريا الجديدة ستحظى بعلاقات جيدة جداً مع دول المنطقة.
خطوات أوروبية
قبل ذهابها إلى الرياض للمشاركة في الاجتماع بشأن سوريا، صرحت مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي كايا كالاس، بأن وزراء خارجية الاتحاد الذين يمثلون 27 دولة سيجتمعون في بروكسل بنهاية الشهر لمناقشة رفع العقوبات عن دمشق.
وقالت: “نعمل من أجل أن تكون لدينا القدرة على اتخاذ قرارات في ذلك الوقت بشأن ما إذا كنا قادرين على القيام بذلك”، وفقاً لما ذكرته وكالة “رويترز”.
وأتى هذا الإعلان بعدما اقترحت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، فرض نهج ذكي للعقوبات الغربية المفروضة على البلاد، “حتى يحصل الشعب السوري على الإغاثة وجني ثمار سريعة من انتقال السلطة”.
فيما شددت على أن العقوبات ستبقى على “المتواطئين مع الرئيس السابق بشار الأسد الذين ارتكبوا جرائم خطيرة” خلال الحرب.
وعقب يوم من الاجتماع، قالت وكالة “رويترز” إن ألمانيا وفرنسا وهولندا وإسبانيا وفنلندا والدنمارك دعت للشروع في تعديل نظام العقوبات على سوريا.
رفع أمريكي جزئي
وبعد مطالبات ومناشدات برفع العقوبات الأمريكية المفروضة، كانت واشنطن أعلنت في الـ6 من يناير الجاري، عن رفع جزئي لهذه العقوبات لمدة 6 أشهر، مشيرة إلى أنها تهدف إلى تسهيل حياة السكان في سوريا.
وأصدرت وزارة الخزانة الأمريكية، ترخيصاً عاماً جديداً لتوسيع الأنشطة والمعاملات المسموح بها مع سوريا، “للمساعدة في ضمان عدم عرقلة العقوبات للخدمات الأساسية واستمرارية وظائف الحكم في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك توفير الكهرباء والطاقة والمياه والصرف الصحي”.
وأكدت الوزارة الأمريكية أنها لم ترفع الحظر عن أي ممتلكات أو مصالح أخرى لأشخاص أو كيانات مدرجة حالياً على لائحة العقوبات.
ويسمح القرار الأمريكي بإجراء معاملات مع المؤسسات الحاكمة في سوريا، بما فيها الإدارات والوكالات ومقدمو الخدمات العامة التي تديرها الحكومة، بما في ذلك المستشفيات والمدارس والمرافق، وإجراء المعاملات لدعم بيع الطاقة، بما في ذلك البترول والكهرباء، أو توريدها أو تخزينها أو التبرع بها إلى سوريا.
رفع العقوبات.. أولوية سورية
يقول محمد السكري باحث في مركز حرمون للدراسات لـ”الخليج أونلاين” في هذا السياق:
- قد يكون من المبكر الحديث عن رفع العقوبات عن سوريا في ظل محاولة استعادة سوريا في البداية العلاقات الدبلوماسية مع الإقليم وعلى المستوى الدولي.
- الحكومة السورية مستمرة بترتيب الوضع الجديد لسوريا واستعادة دورها الإقليمي من حيث التواصل التقني مع الدول العربية، وتعزيز التواصل مع الدول الغربية وتأكيد الاعتراف بالقيادة السورية الجديدة على الصعيد الإقليمي والدولي.
- الحكومة السورية تضع على أولوياتها مسألة رفع العقوبات لأنها تؤثر بشكل مباشر على الكثير من القضايا الاقتصادية والاجتماعية في سوريا، بعد التحول من النظام السوري السابق الذي في الأساس فرضت عليه العقوبات (وليس على الدولة).
- اجتماع الرياض يأتي في سياق استعادة سوريا لدورها فيما يرتبط بالتنسيق الإقليمي والتواصل، وكذلك محاولة بناء علاقات ثنائية أو ثلاثية ومع دول الإقليم وتقديم تطمينات لها، فيما يتعلق بالملف الأمني بدرجة أساسية، وأيضاً مرتبط بمعالجات الملف السوري الداخلي وتحدياته الكثيرة.
- هذا كله يدفع للقول أننا ما زلنا في المرحلة الأولى حقيقة من أجل استعادة سوريا لدورها على المستوى الدولي والإقليمي، لكن نشاط الخارجية السورية كبير جداً وملفت بذات التوقيت لكنه يحتاج أن يرتبط أيضاً بمتغيرات عملياتية داخل الملف السوري.
- ما يطلبه الكثير من الدول العربية والأوروبية مرتبط بتغيير النهج والسلوك في عملية احتكار العنف ومركزية السلاح في الدولة وإيقاف الفوضى وإجراء التحول السياسي.
- هناك الكثير من الملفات المرتبطة في تعريف كيف ستتقدم سوريا على مستوى العلاقات، هل سترفع من مستوى التواصل الثنائي إلى التنسيق الثنائي ومن ثم إلى العلاقات المشتركة، القائمة على التوافقات السياسية وتوافقات أمنية وتوافقات اقتصادية؟.
- هذا يحتاج إلى الوقت ويحتاج إلى وجود تغييرات حقوقية حقيقة على مستوى الداخل السوري، لكن الحكومة تبذل قصارى جهدها من أجل محاولة تفهم المطالبات الدولية دون أن يكون هناك “تدخل سافر” في الشؤون الداخلية السورية، ودون أن يكون هناك هيمنة بالوكالة السياسية على القرار السوري.
العقوبات الأمريكية
وبدأت العقوبات الأمريكية على سوريا في ديسمبر 1979، عندما صُنفت سوريا “دولة داعمة للإرهاب”؛ وأدى ذلك إلى فرض حظر على الصادرات والمبيعات الدفاعية، وبعض الضوابط على تصدير المنتجات ذات الاستخدام المزدوج المدني والعسكري على حد سواء، إضافة إلى قيود مالية مختلفة.
وفي مايو 2004 طُبقت قيود إضافية على الواردات والصادرات مع تنفيذ القانون الأمريكي “قانون محاسبة سوريا واستعادة السيادة اللبنانية”.
ومع اندلاع الحرب في سوريا عام 2011 أصبحت العقوبات أكثر شمولاً، وكانت الخطوط الرئيسية لها هي الحظر التجاري على قطاعات الطاقة والمالية التي توفر الدخل لنظام بشار الأسد، وتجميد أصول كبار المسؤولين ومنع الشركات الأمريكية من التعامل مع سوريا.
واتسع نطاق العقوبات مع إصدار “قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا”، الذي وقعه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في ديسمبر 2019 ودخل حيز التنفيذ في يونيو 2020.
وطالت العقوبات الأمريكية، قطاعي البناء والطاقة، وكان البنك المركزي السوري أيضاً هدفاً للعقوبات المفروضة على الحكومة من أجل إعاقة القدرة التمويلية لنظام الأسد.
وتم تمديد “عقوبات قيصر” ضد سوريا، مؤخراً لمدة 5 سنوات أخرى حتى عام 2029.