الاخبار

ورد الجبل الأخضر.. عبق الزهور يحرك عجلة الاقتصاد ويستقطب السياحة

إلى جانب الجمال الذي يمثله موسم زراعة الورد في عُمان، فإنه يمثل مورد اقتصادي مهم للسكان

في قلب عُمان، وعلى ارتفاع يقارب 3 آلاف متر عن سطح البحر، ينبسط الجبل الأخضر شامخاً بما يحمله من إرث طبيعي وثقافي فريد، ليشكل لوحة خضراء تزدان كل ربيع بتفتح زهور الورد العماني، الذي يُعد أحد أهم المحاصيل الموسمية في البلاد وأكثرها تأثيراً على حياة الأهالي في الولاية.

لكن قصة الورد هنا ليست مجرد موسم زراعي عابر، بل هي حكاية تمتد جذورها في أعماق الأرض، وفروعها في جوانب الاقتصاد والسياحة والتراث.

لا يقتصر المشهد على لوحة جمالية مبهرة، بل تُعلن الطبيعة موسم اقتصادي وسياحي تزدهر فيه الحياة، ويستعيد فيه الأهالي مهنة متوارثة توارثها الأحفاد عن الأجداد: استخلاص ماء الورد.

حرفة متوارثة

زراعة الورد، وتقطيره، من المهن المتوارثة في ولاية الجبل الأخضر، وهي من المهن التي تعكس العلاقة الوثيقة بين الأرض والإنسان.

يقول علي بن يحيى العمري، وهو مزارع ومنتج لماء الورد في ولاية الجبل الأخضر: “تعد زراعة الورد وتقطيره، المحصول الاقتصادي الثاني للمزارعين في الولاية، وهي حرفة عائلية توارثناها جيلاً بعد جيل. لا نزال نحافظ على التقطير بالطريقة التقليدية باستخدام فرن (الدهجان)، رغم إدخال بعض الأدوات الحديثة التي حسّنت من جودة الإنتاج.”

هذه العلاقة الحميمة بين الإنسان والأرض، صنعت من موسم الورد مصدرا للرزق، ورافداً اقتصاديا هاما، كما أنها حافظت على استمرارية مهنة تقطير ماء الورد رغم التحديات المناخية والتغيرات التنموية.

ماء الورد

تطورت عملية استخراج ماء الورد، في ولاية الجبل الأخضر، من الطريقة التقليدية المعروفة باسم “الدهجان”، وصولاً إلى التقطير البخاري.

ومن أبرز مظاهر موسم الورد بسلطنة عُمان، وتحديداً ولاية الجبل الأخضر، هي عملية استخلاص ماء الورد، والتي تتم عبر طريقتين رئيسيتين:

الطريقة التقليدية (الدهجان):

هذه الطريقة لا تزال تحافظ على طابعها التراثي، وتحمل الكثير من القيمة الرمزية والثقافية للسكان المحليين، ولها عدة مراحل:

تعبئة المرجل:

توضع كمية من الورد في قدر نحاسي داخل “الدهجان”، ويُضاف إليها القليل من الماء، يعلوه إناء لتجميع البخار المتصاعد.

إشعال النار:

تُشعل النار تحت القدر، وتبدأ الزهور في إطلاق أبخرتها الغنية بالزيوت العطرية.

التكثف الطبيعي:

البخار المتصاعد يصطدم بقرص فخاري مثبّت أعلى المرجل، مملوء بالماء البارد. هذا السطح البارد يُحوّل البخار إلى قطرات سائلة.

جمع ماء الورد:

تتساقط القطرات في إناء نحاسي أسفل القرص الفخاري، ويتم تجميعها كماء ورد نقي، في عملية تستغرق ما بين ساعتين إلى ثلاث ساعات.

الترسيب الطبيعي:

بعد اكتمال التقطير، يُفرغ ماء الورد في أوان فخارية كبيرة، ويُترك فيها لعدة أشهر حتى تترسب الشوائب الناتجة عن عملية الاحتراق.

التعبئة:

يُعبأ السائل الصافي في زجاجات بأحجام مختلفة، ويُصبح بعدها جاهزاً للبيع أو الاستخدام المنزلي.

الطريقة الحديثة (التقطير البخاري):

في السنوات الأخيرة، سعى بعض المنتجين إلى استخدام أجهزة تقطير كهربائية حديثة، تسمح باستخلاص ماء الورد وزيته العطري بكفاءة أعلى، وقد ساهمت هذه الأجهزة في التالي:

  • زيادة الإنتاج وتحسين الجودة.
  • استخلاص دهن الورد، الذي يُعتبر من المواد العطرية الفاخرة ومرتفعة السعر.
  • تحقيق الاستدامة البيئية من خلال تقليل الفاقد في عملية التقطير.

تسويق الماء

يُعبأ ماء الورد في زجاجات من الزجاج أو البلاستيك، ويوزع في الأسواق المحلية أو يُشحن إلى الأسواق الخليجية والعربية.

 كما يُستخدم ماء الورد، كمكوّن أساسي في صناعة الحلوى العمانية، والمستحضرات التجميلية والعلاجية.

أثر اقتصادي

يمثل موسم الورد فرصة اقتصادية ثمينة لأهالي الجبل الأخضر، إذ يتحول إلى موسم عمل ونشاط تجاري متكامل.

وحول هذا يقول ضاوي بن سالم بن محمد الفلاحي، أحد أبناء الولاية، إن لهذا الموسم انعكاسات اقتصادية مباشرة وغير مباشرة على الأسر.

وأضاف: “الورد مصدر دخل رئيسي للعديد من الأسر، حيث يعمل أفرادها في زراعته وقطفه وتقطيره. حتى الأسر التي لا تمتلك معدات تقطير تكتفي ببيع الورد لمن يقوم بهذه العملية”.

واستطرد قائلاً: “هناك دعم للصناعات المحلية المرتبطة به مثل صناعة الحلوى العمانية والزيوت العطرية، بالإضافة إلى دور التعاونيات الزراعية التي تنظم عمليات التوزيع والتسويق.”

ومن أبرز الانعكاسات الاقتصادية لموسم الورد:

  • زيادة دخل الأسر المنتجة.
  • تحفيز التعاونيات الزراعية على التنسيق والتسويق.
  • خلق فرص عمل موسمية للرجال والنساء على حد سواء.
  • تمكين المرأة اقتصاديا من خلال مشاركتها في الإنتاج المنزلي والتسويق.
  • تشجيع المشاريع الصغيرة مثل تعبئة ماء الورد، وتصنيع منتجات تجميلية تقليدية.

ازدهار السياحة

وليس الاقتصاد وحده من يستفيد من موسم الورد، بل السياحة أيضا، إذ يتحول الجبل الأخضر خلال هذه الفترة إلى مقصد سياحي رئيس، يجتذب الزوار من داخل السلطنة وخارجها.

ويرتبط الموسم بسلسلة من الأنشطة السياحية، منها:

  • زيارة مزارع الورد ومتابعة مراحل التقطير التقليدية.
  • شراء المنتجات المحلية مثل ماء الورد، دهن الورد، الصابون العطري.
  • الإقامة في النزل الريفية والاستمتاع بالأجواء الطبيعية والمناخ المعتدل.

ويؤكد الفلاحي أن هذه الأنشطة تعود بالنفع المباشر على الاقتصاد المحلي، حيث تُنشط الفنادق والمطاعم والنقل والخدمات السياحية، وتُعزز من مكانة الجبل الأخضر كوجهة متميزة.

نمو الإنتاج

وشهد موسم الورد في ولاية الجبل الأخضر، خلال العام الزراعي المنصرم (2024) نمواً لافتاً في حجم الإنتاج، ليؤكد الدور المتصاعد لهذا القطاع في الاقتصاد المحلي للولاية.

وتشير أحدث الإحصائيات الرسمية الصادرة عن مركز الأعمال والحاضنات بهيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، إلى أن إجمالي إنتاج الورد في 2024 بلغ حوالي 20 طناً، مسجلاً ارتفاعاً ملحوظاً بمقدار 9 أطنان مقارنة بموسم 2023، فيما قُدّرت القيمة السوقية لهذا الإنتاج بنحو 200 ألف ريال عُماني (520 ألف دولار).

وتُظهر البيانات أن عدد أشجار الورد في الجبل الأخضر تجاوز 5 آلاف شجرة، موزعة على مدرجات زراعية في قرى مثل سيق، العين، الشريجة، القشع، وغيرها من المناطق التي تشتهر بزراعة الورد.

وتُقدّر المساحة المزروعة بين 7 إلى 10 أفدنة، ما يعكس اتساع نطاق هذا النشاط الزراعي وارتفاع مردوده الاقتصادي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى