خارطة جديدة للمال.. “ثور ة الهايتك” تقود استثمارات الخليج بعهد ترامب

– دول الخليج تعيد توجيه استثماراتها نحو التقنيات المتقدمة لتقليل الاعتماد على النفط
– سياسات ترامب تُسرّع ضخ الاستثمارات الخليجية في شركات التكنولوجيا الأمريكية
– استثمارات بمليارات الدولارات في الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية تعزز تحول الخليج إلى مركز تكنولوجي عالمي
يشهد العالم تحولاً جذرياً في طبيعة الاقتصاد مع صعود شركات التكنولوجيا المتقدمة (الهايتك)، التي أصبحت تقود الابتكار وتعيد تشكيل الاستثمارات العالمية.
وفي ظل هذا التحول أعادت دول الخليج، الغنية بالنفط، توجيه استثماراتها نحو التكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي، في خطوة تهدف إلى تنويع اقتصاداتها وتقليل الاعتماد على النفط ومواكبة تطور الاقتصاد العالمي.
وتزداد أهمية هذا التوجه مع السياسات الاقتصادية لإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التي دفعت الدول الخليجية إلى تعزيز استثماراتها في التكنولوجيا الأمريكية.
دعم كبير من ترامب
وبعد يومين من تنصيبه رئيساً في 22 يناير الماضي، أعلن ترامب استثمار القطاع الخاص ما يصل إلى 500 مليار دولار لتمويل البنية التحتية للذكاء الاصطناعي.
وبحسب تقارير أمريكية اقتصادية فإن شركات “أوبن إيه آي” و”سوفت بنك” و”أوراكل” تخطط لمشروع مشترك مقره تكساس يسمى “ستارغيت”، وتعهدت بأن تستثمر فيه 100 مليار دولار في البداية ثم ما يصل إلى 500 مليار على مدى السنوات الأربع المقبلة.
وهيمنت شركات التكنولوجيا الأميركية على قائمة أعلى 100 شركة من حيث القيمة السوقية، وفق قائمة أعدتها شركة التدقيق والاستثمارات “إي واي”.
وذكرت شركة “إي واي” في بيان صحفي في 5 يناير الماضي، أن شركات التكنولوجيا الأميركية العملاقة “آبل”، و”نفيديا”، و”ماكروسوفت” كانت الشركات الأعلى قيمة عالمياً في العالم بنهاية عام 2024.
وبلغت قيمة شركة “آبل” نحو 3.78 تريليونات دولار، فيما شركة نفيديا بلغت 3.28 تريليونات دولار، أما مايكروسوفت فوصلت قيمتها إلى 3.13 تريليونات دولار.
ويعود هذا النمو إلى تسارع الابتكار في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، والحوسبة السحابية، وتكنولوجيا الجيل الخامس، فضلاً عن تحول المستهلكين نحو الخدمات الرقمية.
وأصبحت شركات الهايتك مصدراً رئيسياً لنمو الأسواق المالية، حيث شكّلت نسبة كبيرة من المؤشرات الاقتصادية مثل مؤشر ناسداك وستاندرد آند بورز 500.
استثمارات خليجية عملاقة
وحفزت هذه الطفرة زيادة الاستثمارات الخليجية المؤسسية في التكنولوجيا، حيث بدأت الصناديق السيادية وشركات رأس المال الاستثماري في دول الخليج العربي بضخ مليارات الدولارات في هذا القطاع.
وحسب تقرير نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية في ديسمبر الماضي، فإن السعودية تملك استثمارات بقطاع التكنولوجيا تبلغ قيمتها 100 مليار دولار.
وفي فبراير 2024، أنشأت المملكة شركة “آلات” وهي شركة متخصصة في التكنولوجيا المتقدمة مملوكة لصندوق الاستثمارات العامة السعودي.
ويعتزم السعوديون استثمار ما يقرب من 100 مليار دولار في هذه الشركة بحلول عام 2030، مع التركيز على التقنيات المتقدمة مثل: الذكاء الاصطناعي، وأشباه الموصلات، والحد من الانبعاثات، والروبوتات، والمدن الذكية، وفق “نيويورك تايمز”.
وتسعى السعودية لتصبح قوة عظمى في مجال الذكاء الاصطناعي كما ذكرت الصحيفة بعيدا عن كونها اقتصاداً قائماً على النفط فقط، مما من شأنه أن يؤثر بشكل كبير على السياسة الخارجية والداخلية للمملكة.
وفي هذا السياق، ضم الصندوق السيادي السعودي 18 استثماراً جديداً لحيازته بقيمة 587 مليون دولار في الربع الثالث من العام الماضي، ما بين استثمار في أسهم بشركة وحيدة وهي “دور داش” (DoorDash)، وعقود خيارات أخرى.
وبحسب بيانات الصندوق المنشورة في 16 فبراير الجاري، فقد أضاف الاستثمارات العامة عقود خيار جديدة لنحو 17 شركة إلى محفظته معظمها شركات تعمل في قطاعات التكنولوجيا ومنها “أمازون” و”مايكرون تكنولوجي”، و”إنتركونتيننتال إكستشينج”.
أما في قطر فقد خصصت الدولة 9 مليارات ريال (2.5 مليار دولار) كحوافز لتحقيق برامجها في الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا والابتكار.
وبلغ حجم سوق الذكاء الاصطناعي في قطر 428.40 مليون دولار أميركي في عام 2024، ومن المتوقع أن يصل إلى 1.9 مليار دولار في عام 2030 بمعدل نمو سنوي مركب قدره 28.7% خلال هذه الفترة، وفق ما ذكرت منصة “ستاتيستا” الألمانية المختصة بيانات السوق والمستهلكين.
ووفق تقرير آخر لوكالة “بلومبيرغ” الاقتصادية الأمريكية فإن الدوحة ستعمل على تنويع اقتصادها بدعم من القطاع الخاص في البلاد والعالم، إلى جانب دوافع الاستثمار وحوافز مرحلة التنمية الوطنية لتصبح من بين أفضل عشر دول للأعمال خاصة بمجال التكنولوجيا الفائقة.
وهذه الاستثمارات تعد جزءا من نهج قطر الأوسع لبناء اقتصاد ذكي، حيث من المتوقع أن تصل الاستثمارات الرقمية إلى 5.7 مليارات دولار (20.77 مليار ريال قطري) بحلول عام 2026، ارتفاعا من 1.65 مليار دولار (6.01 مليارات ريال قطري) في عام 2022 وفق ما ذكرت صحيفة “ذا بينينسولا” القطرية.
والإمارات أعلنت العام الماضي عن استثمارات بقيمة 3 مليارات دولار ستنفقها سنويا في مجال الابتكار، ومن المتوقع أن يسهم الذكاء الاصطناعي بنحو 98 مليار دولار أميركي في اقتصاد الإمارات بحلول عام 2030، وفق تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز”.
وحسب بيانات نشرها المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في ديسمبر الماضي، فإن التوقعات تشير إلى أن سوق مراكز البيانات في الإمارات سيتضاعف حجمه بأكثر من الضعف بحلول عام 2029 ليصل إلى 12.9 مليار دولار أميركي.
كما تسير الكويت على خطى بقية الدول الخليجية وقد بلغت قيمة سوق تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في البلاد 22.48 مليار دولار في عام 2023 ومن المتوقع أن تصل إلى 39.83 مليار دولار في السنوات الخمس المقبلة.
وتعتبر صناعة الاتصالات في الكويت متقدمة بخدمات الجيل الخامس والسادس، وكابلات الألياف الضوئية، والاتصال عبر الأقمار الصناعية، وإمكانية الوصول إلى شبكة “الواي فاي” في جميع أنحاء البلاد.
كما أن 99.4% من السكان لديهم اتصال بالإنترنت في المنزل، وتصل شبكة الجيل الخامس إلى حوالي 97% من السكان وفق الموقع الإلكتروني لـ”إدارة التجارة الدولية”.
طفرة ودوافع وفوائد
وفي تعليقه على هذا التوجه الخليجي بالتزامن مع خطط ترامب للصعود باستثمارات هذا القطاع، يقول المحلل الاقتصادي أحمد أبو قمر، إن “دول الخليج توجه أموالها نحو التكنولوجيا المتقدمة بسبب الصعود الكبير الذي يشهده هذا القطاع في طفرة غير مسبوقة خاصة مع دعمه بقوة من الرئيس الأمريكي”.
ويضيف أبو قمر في حديثه لـ”الخليج أونلاين”، إن “من أبرز دوافع هذا التحول البحث عن عائدات استثمار مرتفعة مقارنة بالقطاعات التقليدية، والتقليل من الاعتماد على النفط، وفق خطط مثل رؤية السعودية 2030 واستراتيجية أبوظبي 2050”.
وأشار إلى أن دول الخليج تحاول التكيف مع الاتجاهات العالمية التي تشير إلى أن الذكاء الاصطناعي سيعيد تشكيل الاقتصادات المستقبلية.
وأوضح أن دول الخليج غيرت بالسنوات الأخيرة طريقة استثمارها حيث تزايدت استثماراتها في الذكاء الاصطناعي مع توقعات بأن يساهم بنحو 320 مليار دولار في اقتصادات الشرق الأوسط بحلول عام 2030.
وأشار المحلل الاقتصادي إلى أن بلدان الخليج توسعت كذلك في استثمارات الحوسبة السحابية والسيارات الكهربائية والأمن السيبراني.
ولفت إلى أن سياسات ترامب ستزيد من الاستثمارات الخليجية بالتكنولوجيا الأمريكية.
وقال إن “فرض ترامب عقوبات تجارية على الصين سيجعل المستثمرين الخليجيين يتجنبون ضخ أموال في الشركات الصينية الناشئة”.
ورأى أن التوقعات تشير إلى أن دول الخليج ستواصل الاستثمار في الذكاء الاصطناعي، والحوسبة السحابية، والتكنولوجيا الحيوية.
واعتبر أنه يمكن للبلدان الخليجية الاستفادة من الدعم الأمريكي لشركات التكنولوجيا من خلال تنويع استثماراتها بهذا القطاع وبناء منظومة تكنولوجية محلية تدعم الابتكار وريادة الأعمال، وتعزيز الشراكات مع الشركات الأوروبية والآسيوي وليس الأمريكية فقط.