هل ينجح “الشرع” في الخروج من قائمة الإرهاب قبل أول مارس؟
ماذا قال أحمد الشرع عن تصنيفه وهيئته في قائمة المنظمات الإرهابية؟
أشار في تصريح لشبكة “سي إن إن” قبل يوم من سقوط الأسد، إلى أن القرار مسيس وغير دقيق.
كيف يمكن أن تتعامل الإدارة السورية الجديدة مع ملف التصنيف؟
عقد سلسلة لقاءات واتصالات لإزالة مخاوف المجتمع الدولي.
مراقبون يرون أن الشرع قد يلجأ لحل “هيئة تحرير الشام” مستقبلاً.
في غضون أيام معدودة، تمكن أحمد الشرع، المعروف سابقاً بـ”أبو محمد الجولاني”، قائد هيئة تحرير الشام، من قيادة معركة أطاحت بنظام بشار الأسد، ليفتح بذلك الباب أمام الكثير من الأسئلة والتكهنات حول مستقبل سوريا، ومصير الهيئة المصنفة على قائمة الإرهاب الأممية.
مهمّة حساسة وحاسمة تنتظر قائد سوريا الجديد أحمد الشرع، الذي رصدت واشنطن في 2017، مكافأة قدرها 10 مليارات دولار لمن يدلي بمعلومات تقود إليه، فمستقبله ومستقبل سوريا الجديدة، مرهون بشطب اسمه وهيئته من تلك القائمة.
حتى اللحظة، ليس ثمة خطوات عملية باتجاه رفع اسم الهيئة وقائدها من قائمة الإرهاب التابعة للأمم المتحدة، لكن الولايات المتحدة ودول أخرى، ترى أن الأمر مرهون بأفعال الهيئة، وليس بأقوال قائدها، ما يعني أن الأمر سيخضع لاعتبارات عديدة، ربما تنجح فيها الهيئة، وربما لا.
ويزداد الأمر تعقيداً مع اقتراب تولي الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب مقاليد السلطة في يناير القادم، ومعها يبدو أن الشرع أمام اختبار صعب، لانتزاع اعتراف دولي بإدارته للمرحلة الانتقالية خلال الأشهر الثلاثة القادمة قبل تشكيل حكومة جديدة، فهل ينجح في ذلك؟.
تصنيف مسيس
قبل يوم واحد فقط من سقوط نظام بشار الأسد، وتحديداً في 7 ديسمبر، قال الشرع في حوار مع شبكة “سي إن إن” الأمريكية، إن “قرار تصنيف هيئة تحرير الشام منظمة إرهابية، مسيّس وغير دقيق”، في إشارة ضمنية منه إلى احتمالية رفعها من تلك القائمة.
الشرع الذي خرج لأول مرة باسمه الحقيقي ليخاطب العالم، تحدث عن تحولاته، وتجاربه التي أفضت إلى هذا المستوى من العقلانية في التعامل مع الآخر، مؤكداً على أهمية الحفاظ على التنوع في سوريا، واحترام كل الأطراف، ومتبرئاً من الأساليب الوحشية التي تنتهجها بعض التيارات الجهادية الأخرى.
وحرص الشرع على إظهار صورة مختلفة كلياً خلال الأيام الأولى من سقوط الأسد، وتوليه إدارة المرحلة الحالية في سوريا، إذ ظهر في أكثر من خطاب وهو يدعو للتعايش واحترام الأقليات، والحفاظ على الممتلكات، ومنع أي سلوكيات انتقامية.
وشرعت الإدارة السياسية بالتواصل مع الأطراف الدولية، بما في ذلك الولايات المتحدة وبريطانيا، وحتى روسيا، ودول أخرى، حول استئناف نشاط سفارات تلك الدول في دمشق، لما لهذا الإجراء من رمزية مهمة في المرحلة الحالية.
لكن الإدارة الأمريكية وحكومات أخرى، تضع شروطاً عديدة، تتعلق باحترام الأقليات، وضمان انتقال سلس وسلمي للسلطة، ومواجهة الإرهابيين، والمساعدة في العثور على الأسلحة الكيميائية والبيولوجية، وهذا ما أكده وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن.
وأدرجت “هيئة تحرير الشام” في قائمة العقوبات عام 2014، بعد أن خلصت لجنة مجلس الأمن المسؤولة عن الإشراف على العقوبات المتعلقة بتنظيمي “داعش” و”القاعدة” والمرتبطين بهما، إلى أن الهيئة “جماعة إرهابية لها روابط بتنظيم القاعدة”، بينما أدرج الجولاني في القائمة عام 2013، وفق موقع “الأمم المتحدة”.
وقال كيهو تشا، أحد كبار مسؤولي الشؤون السياسية بإدارة الأمم المتحدة للشؤون السياسية وبناء السلام، إن “هيئة تحرير الشام” تخضع بموجب ذلك لثلاثة تدابير للعقوبات، هي “تجميد الأرصدة، الحظر على السفر، وحظر التسلح”، ما يعني أن جميع الدول ملزمة بالامتثال لتلك التدابير.
تعامل أمريكي حذر
وبالرغم من براعة الشرع في دفع الآخر على إعادة النظر في مواقفه، من خلال سلوكه وخطاباته ولقاءاته، وأوامره الحازمة فيما يتعلق بالتعامل مع المخالفين، وأنصار النظام السابق ممن لم تتلطخ أياديهم بدماء السوريين، إلا أن المخاوف لا تزال تخيم على الأوساط الغربية، وبعض الأوساط العربية.
ورحبت واشنطن بسقوط بشار الأسد، كما أكدت إدارة جو بايدن أنها تتواصل مع المعارضة السورية التي نجحت بالإطاحة بالنظام، لكن لا تزال تصريحات البيت الأبيض والمؤسسات الأمريكية المعنية، محفوفة بالكثير من الحذر.
ويوم الاثنين (16 ديسمبر)، قالت الخارجية الأمريكية إنها تواصلت مع “هيئة تحرير الشام” بشأن المبادئ التي أعلنها بلينكن بخصوص الانتقال في سوريا، مشيرةً إلى أن إزالة الهيئة من قائمة الإرهاب، ورفع العقوبات، ستكون “بناءً على الأفعال لا الأقوال”.
وفي اليوم التالي، قال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية مايكل ميتشل، إن موقف واشنطن من الهيئة سيعتمد على سلوكياتها وأفعالها على الأرض.
ونقلت قناة “الحرة” عن ميتشل، قوله إنه من المبكر جداً مناقشة هذه التفاصيل، خاصة وأن سقوط نظام الأسد حدث قبل أسبوع فقط.
وتنتظر واشنطن مؤشرات عملية وواضحة لرفع الهيئة من قوائم الإرهاب، كما أنها كما يبدو تسعى لضمان الاستقرار في المناطق التي تتواجد بها قواتها شرق سوريا، وأن يكون هناك التزام واضح من حكومة دمشق الحالية فيما يتعلق بالأقليات والمرأة والحريات، ومواجهة تنظيم القاعدة.
وقال الرئيس الأمريكي بايدن عشية سقوط الأسد: “سنظل يقظين، ولا يراودكم الشك في أن بعض الجماعات المتمردة التي أطاحت بالأسد لها سجلها الخاص من الإرهاب وانتهاكات حقوق الإنسان، لاحظنا تصريحات قادتها في الأيام الأخيرة وهم يقولون الأشياء الصحيحة الآن. ولكن مع توليهم مسؤولية أكبر، سنقيّم ليس فقط أقوالهم، بل أفعالهم أيضاً”.
ووفق قناة “الجزيرة”، فإن أمام الإدارة السورية الجديدة، ثلاث قضايا يمكن أن تساهم في رفع اسم الهيئة من قوائم الإرهاب، وهذه القضايا هي “كيفية تعامل الهيئة مع تنظيمي القاعدة وداعش، وتعامل الهيئة مع حلفاء الولايات المتحدة الإقليميين، خصوصاً إسرائيل والأردن وتركيا والعراق ولبنان، وكذا علاقة الهيئة بخصوم واشنطن، وخصوصاً روسيا وإيران، ومعضلة الأسلحة الكيميائية السورية، وأخيراً قضية الأقليات والنساء”.
مقاربة عربية
ولا يبتعد كثيراً موقف بعض الحكومات العربية عن موقف واشنطن تجاه “هيئة تحرير الشام”، التي تتصدر المشهد حالياً بعد سقوط الأسد، وهذا ما عكسه بيان لجنة الاتصال العربية بشأن سوريا في ختام اجتماعها يوم السبت (14 ديسمبر) في مدينة العقبة الأردنية.
اللجنة أكدت وقوفها إلى جانب الشعب السوري، لكنها اشترطت منها ضرورة إجراء حوار وطني شامل لبناء سوريا، معلنةً دعمها لعملية انتقال سلمي تمثل كل القوى السياسية السورية، مشيرة إلى ضرورة تنفيذ القرار 2254، وهو القرار الذي أصبح بلا قيمة وفق محللين، كون النظام لم يعد موجوداً، وهو طرفاً في ذلك القرار.
البيان تطرق أيضاً إلى ما تراه واشنطن شرطاً أساسياً، وهو التزام الحكومة السورية بتعزيز جهود مكافحة الإرهاب، الذي يمثل بحسب البيان، “خطراً على سوريا وأمن المنطقة والعالم، ويشكل دحره أولوية جامعة”.
مجلس التعاون الخليجي بدوره رحب ببيان لجنة الاتصال، وأكد دعم المجلس لكافة الجهود الرامية للحفاظ على وحدة وسيادة وأمن واستقرار سوريا، والوقوف بجانب الشعب السوري.
ولعل الأردن الأكثر تخوفاً من تداعيات سقوط الأسد، ووفق صحيفة “الشرق الأوسط”، فإن لدى عمّان مخاوف من عودة الفوضى إلى سوريا، في ظل سيطرة “هيئة تحرير الشام” على المشهد، خصوصاً مع وجود فصائل في الجنوب السوري ليست على وفاق مع الهيئة.
ونقلت الصحيفة عن مصدر مطلع قوله، إن الأردن “تحتاج إلى اختبار صدقية الشرع، من خلال ضمانات تحييد الإسلام السياسي في معادلة الحكم السوري لصالح دولة تقبل الجميع”.
حلّ الهيئة
وبالرغم من تأييد المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسن، الأحد (15 ديسمبر)، لرفع العقوبات عن “هيئة تحرير الشام” وقائدها أحمد الشرع، ولقائه بالأخير في دمشق، وبالرغم من سلسلة النقاشات الدبلوماسية بين دمشق الجديدة والحكومات الغربية، إلا أن الإدارة الانتقالية كما يبدو تواجه تحدياً كبيراً في قادم الأيام، خصوصاً أن الأمر سيخضع أيضاً لاعتبارات خارجية ومساعي إقليمية ودولية للحصول على نفوذ في سوريا.
ويبدو أن لا خيار أمام الشرع، إلّا حل “هيئة تحرير الشام”، وهذا ما ذهب إليه عمار قحف، المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية.
وقال قحف في تصريح لـ”الخليج أونلاين”: “قد يلجأ الشرع لحل الهيئة ودمجها في ضمن حكومة الإنقاذ أو المؤسسة العسكرية الرسمية لتجاوز مسألة التصنيف”.
وأوضح أنه بالرغم من أن الحديث عن ملف رفع التصنيف لا يزال مبكراً إلا أنه يمكن القول إنه “أقرب من أي وقت مضى”، في إشارة منه إلى إمكانية رفع الهيئة وقائدة من قائمة الإرهاب الدولية.
واستطرد قحف قائلاً: “سيبقى ملف التصنيف يحمل بعداً سياسياً وبعداً حقوقياً قانونياً أيضاً”، لافتاً إلى أن “مسألة الخروج من التصنيف تحمل عدة أبعاد، منها تصنيف المجموعة ومنها تصنيف الأفراد ومنها العقوبات المرتبطة بسجل حقوق الإنسان”.
ويلفت إلى أن الموقف العربي سيكون أساسياً في جميع الملفات المرتبطة بسوريا بما فيها مسألة تصنيف الهيئة، مشيراً إلى أن “المقاربة العربية الحالية يبدو بأنها مشروطة، أي أن التعاون مع الحكومة الجديدة في سوريا مشروط بخطوات انسجام مع النظام الإقليمي المتشكل وتجاوب حقيقي من السلطة الناشئة في دمشق”.