هل يؤثر إعدام السعودية لإيرانيين على مسار علاقات البلدين؟
– شهدت السعودية خطوة لافتة تبرز مخاوف من أن تؤثر على سير ذلك التقارب، بإعلان السعودية إعدام 6 من الجنسية الإيرانية
– أعلنت إيران أنها استدعت السفير السعودي في طهران عبد الله بن سعود العنزي، وأبلغته احتجاجاً شديداً من قبلها
بعد سنوات من العداء والقطيعة، شهدت المنطقة خلال العامين الأخيرين تغييرات في طبيعة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية بين السعودية وإيران، متجهة للتقارب بعد اتفاق بكين (مارس 2023).
ومع التقارب بين البلدين وتحسن العلاقات الثنائية، شهدت السعودية خطوة لافتة تبرز مخاوف من أن تؤثر على سير العلاقات، بإعلان المملكة إعدام 6 من الجنسية الإيرانية، وما تلاها من إبداء طهران امتعاضها واحتجاجها على تلك الخطوة.
ويفتح هذا التطور المفاجئ باب التساؤلات حول ما إن كان سيؤثر على تداعيات “المصالحة” الإيرانية السعودية، بالنظر إلى شواهد تاريخية مشابهة مرت بها العلاقات بين البلدين، شابها توترات واضطرابات مستمرة وتحسن وتقارب لفترات لم تستمر طويلاً.
إعدام واحتجاج
مع تصعيد السعودية جهودها لمكافحة تهريب المخدرات في السنوات الأخيرة ووصولها إلى حد الإعدام للمهربين والمتاجرين به، أعلنت وزارة الداخلية (1 يناير 2024) تنفيذ حُكم القتل تعزيراً في 6 إيرانيين أقدموا على تهريب مخدرات إلى المملكة.
وبحسب وكالة الأنباء السعودية “واس”، قالت الوزارة إنه “جرى تنفيذ حكم القتل تعزيراً بحق كل من جاسم محمد شعباني، وعبد الرضا يونس تنقاسيري، وخليل شهيد سامري، ومحمد جواد عبد الجليل، ومهدي كنعان غانمي، وحر محمد شعباني، وجميعهم إيرانيو الجنسية، بالمنطقة الشرقية”.
وأضافت أن “الجهات الأمنية تمكنت من القبض على الجناة المذكورين، وأسفر التحقيق معهم عن توجيه الاتهام إليهم بارتكاب جريمة تهريب الحشيش المخدر”.
لكن القرار أثار امتعاض إيران، والتي أعلنت وزارة خارجيتها في ذات اليوم، أنها استدعت السفير السعودي في طهران عبد الله بن سعود العنزي، وأبلغته احتجاجها الشديد، كما سلمته مذكرة رسمية تُطالب بتقديم تفسيرات واضحة بشأن الحادثة، لافتة إلى أن إعدام مواطنيها “يتعارض مع المسار العام للتعاون القضائي بين البلدين”.
ونقلت وكالة “تسنيم” الإيرانية عن كريمي شصتي، المسؤول بوزارة الخارجية الإيرانية، قوله إن “الحكم عليهم (الإيرانيين الستة) صدر منذ سنوات”، مبيناً أن طهران بذلت جهوداً مستمرة “لتقديم خدمات قنصلية لهم والعمل على تخفيف الأحكام الصادرة بحقهم”.
وعَدّ شصتي تنفيذ الإعدام بمواطني بلاده انتهاكاً لـ”قواعد ومبادئ القانون الدولي، بما في ذلك اتفاقية العلاقات القنصلية”.
حادثة بعد عودة
وتأتي الحادثة بعد نحو عام و9 أشهر من إنهاء اتفاق إيراني سعودي، في مارس 2023 بواسطة الصين، سبقه سبع سنوات من القطيعة الدبلوماسية، ليعلن حينها الطرفان استئناف العلاقات الدبلوماسية الثنائية.
واتخذت طهران والرياض حتى اليوم خطوات دبلوماسية ملحوظة من خلال تبادل الزيارات والبعثات الدبلوماسية، ومع ذلك، يهيمن الحذر على عملية التقارب، فضلاً عن عدد من القضايا الهامة التي لم تحسم بعد وفي مقدمتها قضية الحوثيين في اليمن، والتي لا يمكن فصلها عن العلاقات بين البلدين.
ووصل التقارب بين الجانبين إلى مناطق متقدمة في ملفات أخرى كان من أبرزها تعزيز العلاقات العسكرية بعد العلاقات السياسية، حيث اتفق الجانبان على إجراء مناورات بحرية مشتركة في البحر الأحمر، بحسب ما نقلت وكالة أنباء في إيران عن مسؤول عسكري في أكتوبر الماضي.
ومع ذلك يواجه الملف الأمني الثنائي تحديات متعددة تتعلق بأمن مياه الخليج، والاتهامات المتبادلة باستخدام ورقة الأقليات في البلدين، وتهريب المخدرات التي تُتهم بها أطراف تابعة للنظام الإيراني، ومكافحة الإرهاب، ومخاوف الهجمات على الأراضي والمنشآت النفطية والحدود السعودية وغيرها من الملفات الشائكة.
عوامل عدة
يعلق الناشط والمختص بالشأن الإيراني أنس الخطيب، بالقول إن حادثة إعدام الإيرانيين “ستؤثر سلباً على العلاقات بين البلدين”، إلا أنه طرح تساؤلاً عن حجم هذا التأثير السلبي في مسار العلاقات الحالي الذي تحسن بعد الاتفاق المنعقد في بكين.
وللإجابة على ذلك يقول لـ”الخليج أونلاين”، إن حجم تأثير التصرف السعودي مرتبط حالياً بعدة عوامل أهمها “تربع الإصلاحيين على هرم السلطة التنفيذية في إيران، والضربات القاسية التي تلقتها إيران بعد خسارتها لأهم أركان محورها الإقليمي والمخاطر التي تحيط بباقي أذرعها في المنطقة”.
ومن أبرز تلك الأذرع حسب حديثه جماعة الحوثيين التي قال إنها “تتموضع بين فكي كماشة الآن حيث الشرعية اليمنية ومن خلفها السعودية من جهة والتحالف الأمريكي البريطاني من جهة أخرى مع استمرار التصعيد بين الجماعة وإسرائيل”.
كما يزيد الحسابات الإيرانية تعقيداً وفق الخطيب “التهديدات المتلاحقة لبرنامجها النووي وحتى لرأس النظام الإيراني عدا عن الضغوط الداخلية والاقتصادية، بالإضافة إلى وصول الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض بعد أيام، وتطورات الحرب الروسية الأوكرانية، والأزمة مع تركيا بسبب الأحداث الأخيرة في سوريا”.
ويعتقد أن كل هذه المعطيات “ستكون في حسابات صانع القرار الإيراني وهو يعاير الرد على الخطوة السعودية التي ترى طهران أنها تصعيد، وقد تعتبرها جس للنبض يحمل رسائل تستوجب بعض الردود التصعيدية في المقابل.
ومع ذلك لا يستبعد الخطيب ذهاب إيران إلى سياسة “الهروب إلى الأمام عبر تصعيد من نوع ما خاصة إذا تناغم هذا التصعيد مع رغبة ترامب في العودة إلى ابتزاز المملكة ودول الخليج العربي”.
ويضيف: “حتى اللحظة يبدو أننا أمام تصعيد روتيني لا يتجاوز استدعاء السفير والاحتجاج الدبلوماسي، ويبقى الميدان مفتوحاً على احتمالات أخرى إذا تعرضت إيران إلى مزيد من الضغوط”.
أحداث سابقة
كانت شرارة آخر قطيعة بين البلدين قد اندلعت في يناير من العام 2016، حينما أعدمت الرياض 47 محكوماً بينهم رجل الدين الشيعي نمر النمر، لإدانتهم بتهم بينها “الإرهاب”، قوبلت بانتقادات إيرانية، فيما احتج إيرانيون بالاعتداء على سفارة الرياض في طهران وقنصليتها بمدينة مشهد (شرق)، احتجاجاً على إعدام النمر.
وعلى الفور قطعت السعودية علاقاتها مع إيران، خلال مؤتمر صحفي لوزير خارجيتها آنذاك عادل الجبير، حيث طالب البعثة الدبلوماسية الإيرانية الموجودة على أراضي المملكة بمغادرة البلاد خلال 48 ساعة، وكانت تلك القطيعة، هي الأكبر في تاريخ البلدين، إذ استمرت 7 أعوام إلى عام 2023.
وسبقتها قطيعتان، الأولى في عام 1943، حيث شهدت العلاقات الإيرانية-السعودية أزمة حادة أدت إلى قطع العلاقات لأربع سنوات، على خلفية إعدام حاج إيراني اتهم بتلويث الكعبة، وقالت إيران إنه كان يتقيأ بسبب المرض.
أما عام 1987 فقد أحدثت فجوة عميقة بين البلدين الإسلاميين بعد اشتباكات عنيفة وقعت أثناء موسم الحج بين حجاج شيعة، غالبيتهم إيرانيون، وقوات الأمن السعودية. وذهب 402 شخص ضحية تلك الاشتباكات، منهم 275 حاجاً إيرانياً و85 شرطياً سعودياً. وقبل هذه الأحداث بعام، اتهمت السعودية إيران بشحن متفجرات في حقائب الحجاج.
وأدت حوادث حج 1987 إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وتقليل الرياض عدد الحجاج الإيرانيين ثم قيام طهران بمقاطعة الحج لثلاث سنوات قبل أن يتفق الطرفان على استئناف العلاقات عام 1991، لكن مع ذلك، ظلت تداعيات حوادث 1987 قائمة ولم يؤد استئناف العلاقات إلى انفراجه سياسية حقيقية بينهما، إلا بعد مرور سنوات طويلة.