الاخبار

هل لا يزال المشروع النووي الإيراني يشكل تحدياً لأمن الخليج؟

يؤثر الملف النووي الإيراني على الأوضاع الاقتصادية في الخليج، حيث تؤدي العقوبات الدولية على طهران إلى اضطرابات في الأسواق المالية

ظل المشروع النووي الإيراني أحد أبرز القضايا التي تؤثر على الأمن الإقليمي في منطقة الخليج العربي، إذ يثير قلق الدول الخليجية والمجتمع الدولي على حد سواء. 

فرغم الاتفاق النووي المبرم عام 2015 بين إيران والقوى الكبرى، والذي حد من برنامجها النووي مقابل تخفيف العقوبات، إلا أن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق عام 2018 وما تبعه من تصعيد زاد تعقيد المشهد. 

واليوم، مع استمرار تخصيب اليورانيوم بمستويات متقدمة وسط تحذيرات خليجية، يظل التساؤل مطروحاً: هل لا يزال المشروع النووي الإيراني يشكل تحدياً لأمن الخليج؟.

النووي والخليج

مع تسارع التطورات في البرنامج النووي الإيراني، ثمة مخاوف دولية من أن يؤدي ذلك إلى دفع دول خليجية للنظر في تطوير برامج نووية خاصة بها، إما لأغراض مدنية أو حتى عسكرية، ما قد يؤدي إلى سباق تسلح نووي في المنطقة.

وأدت التوترات حول البرنامج النووي الإيراني إلى زيادة التدخلات العسكرية والسياسية في المنطقة؛ فقد شهدت السنوات الأخيرة هجمات على منشآت نفطية وسفن في مياه الخليج، نسبت إلى إيران أو أذرعها العسكرية، مما عزز المخاوف من اندلاع نزاع عسكري واسع.

وتتحكم إيران في مضيق هرمز، الذي يمر عبره نحو 20% من إمدادات النفط العالمية، لذا فإن أي تصعيد متعلق ببرنامجها النووي قد يدفعها إلى استخدام المضيق كورقة ضغط؛ ما يهدد أمن الطاقة العالمي والاستقرار الاقتصادي للدول الخليجية.

ويؤثر الملف النووي الإيراني على الأوضاع الاقتصادية في الخليج، حيث تؤدي العقوبات الدولية على طهران إلى اضطرابات في الأسواق المالية، فضلاً عن المخاوف من أن تؤدي سياسات إيران الإقليمية إلى زعزعة استقرار اقتصادات المنطقة.

التقارب الخليجي-الإيراني 

ورغم التوترات السابقة، شهدت العلاقات بين الخليج وإيران تحسناً في السنوات الأخيرة، حيث بدأت بعض العواصم الخليجية في تبني سياسة الحوار والانفتاح مع طهران، في محاولة لخفض التصعيد وضمان الاستقرار الإقليمي. 

ومع ذلك، لا تزال العواصم الخليجية تؤكد على ضرورة وقف إيران لأي أنشطة نووية قد تشكل تهديداً لأمن المنطقة، حيث شددت دولة الكويت على أهمية التزام إيران بتنفيذ التزاماتها بموجب اتفاق الضمانات المعقود مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية لضمان الشفافية بشأن سلمية برنامجها النووي. 

جاء ذلك في كلمة ألقاها عضو الوفد الدائم لدولة الكويت لدى النمسا، الملحق الدبلوماسي علي بهبهاني، أمام مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية مطلع مارس 2025. 

وأكد الدبلوماسي الكويتي أهمية الدور الذي تؤديه الوكالة في تطبيق نظام الضمانات الشاملة بموجب معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية.

وأشار بهبهاني إلى ضرورة حل المسائل العالقة بين الوكالة الدولية وإيران بما يسمح للوكالة بتقديم ضمانات ذات مصداقية بشأن سلمية البرنامج النووي الإيراني. كما دعا طهران إلى الاستمرار في التعاون مع الوكالة، وتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في البيان المشترك، وتقديم التفسيرات والمعلومات المطلوبة لحسم القضايا المعلقة.

تهديد مستمر

يقول الباحث في الشؤون الإيرانية، إسلام المنسي، إن المشروع النووي الإيراني يشكل “تهديداً مستمراً” لأمن المنطقة، في ظل سعي طهران إلى ترسيخ هيمنتها، خصوصاً في العالم العربي.

وأوضح أن خطورة هذا المشروع لم تتراجع، بل تتزايد مع مرور الوقت، فـ”المؤشرات تؤكد أن إيران لا تسعى فقط إلى توليد الطاقة الكهربائية، بل تعمل على تطوير سلاح نووي، رغم العقوبات والتشديدات الدولية”.

وأضاف في حديثه لـ”الخليج أونلاين”، أن طهران تتحمل هذه العقوبات والتحديات “ليس من أجل طاقة نظيفة، بل لأنها ماضية في تبني مشروع عسكري نووي يشكل تهديداً لأمن المنطقة والعالم”.

وأشار المنسي إلى أن تطوير إيران لقدراتها الصاروخية، القادرة على حمل رؤوس نووية، يعزز من مصداقية هذا التهديد.

واعتبر أن هذا التطور يزيد من المخاوف الإقليمية والدولية، خصوصاً مع استمرار طهران في تجاوز القيود المفروضة على برنامجها النووي والصاروخي.

مخاوف متزايدة

أما مصطفى النعيمي، الباحث في الشأن الإيراني، فيرى أن إيران تجاوزت جميع التفاهمات المتعلقة بأنشطتها النووية، حيث اتسع نطاق مفاعلاتها النووية وزاد مستوى تخصيب اليورانيوم بشكل غير مسبوق، ما يثير مخاوف أمنية إقليمية ودولية.

وقال النعيمي لـ”الخليج أونلاين”، إن “إيران أعلنت رفع مستوى تخصيب اليورانيوم إلى 60%، وهو ما مكنها من إنتاج ما يقارب 300 كيلوجرام من المادة المخصبة، مما يمنحها القدرة – وفقاً لتقديرات إيرانية – على إنتاج ست قنابل نووية”، مشيراً إلى أن هذه المستويات من التخصيب تتجاوز الاحتياجات المدنية بكثير، وهو ما يعزز الشكوك حول النوايا الحقيقية لبرنامجها النووي.

ويبيّن أن هذا الوضع يستدعي إجراءات مناسبة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مشدداً على ضرورة عودة مفتشيها إلى إيران لمراقبة جميع المنشآت النووية، بما في ذلك مفاعلاتها الرئيسية وسلاسل توريد المعدات التقنية اللازمة لتطوير أجهزة الطرد المركزي، التي تمثل ركيزة أساسية في برنامجها النووي.

كما يؤكد النعيمي أن “التهديدات والمخاطر الناجمة عن الأنشطة الإيرانية تتطلب تعاملاً جاداً يأخذ في الاعتبار إمكانية أن تكون هذه التحركات تمهيداً لامتلاك قدرات نووية عسكرية، وهو ما يفرض على المجتمع الدولي اتخاذ تدابير حازمة لمنع إيران من الوصول إلى التقنيات اللازمة لوسائل الجمع والنقل والإطلاق للصواريخ القادرة على حمل رؤوس نووية”.

وأشار إلى أن “البرنامج النووي الإيراني، رغم الضغوط الدولية والعقوبات المفروضة، لم يتقدم بشكل جوهري إلا في حال حصوله على دعم تقني من دول مناهضة للولايات المتحدة، مثل الصين وروسيا وكوريا الشمالية”.

أما فيما يتعلق بالمخاوف الكويتية، فقد أوضح النعيمي أن “الكويت تنظر بقلق إلى التوسعات الحاصلة في مفاعل بوشهر النووي، الذي يقع على ساحل الخليج العربي ويجاور العراق والمملكة العربية السعودية، حيث يمكن أن يتسبب أي استهداف عسكري للمفاعل في أضرار جانبية جسيمة على الدول المشاطئة لإيران”.

واعتبر أن “هذه المخاوف تزداد في ظل التهديدات الإسرائيلية المتكررة باستهداف المنشآت النووية الإيرانية، خاصة بعد إعلان تل أبيب، قبل ثلاثة أيام، أنها تثمن الدعم العسكري الذي قدمته إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في إشارة إلى نية إسرائيل تنفيذ عمليات عسكرية ضد المفاعلات النووية الإيرانية”.

ويلفت النعيمي إلى أن “إسرائيل نفذت مؤخراً مناورات جوية واسعة النطاق شاركت فيها أكثر من 100 طائرة مقاتلة، شملت مقاتلات قاذفة، وطائرات هجومية متعددة المهام، بالإضافة إلى طائرات تزود بالوقود جوياً، مما يشير إلى استعدادها لشن غارات جوية بعيدة المدى تصل إلى العمق الإيراني، في وقت باتت فيه الدفاعات الجوية الإيرانية عرضة لضربات استباقية قد تؤثر على قدرتها على التصدي لمثل هذه الهجمات”.

وختم بالقول إن “المخاوف الكويتية تستند إلى معطيات واقعية، وإن تزايد التهديدات في المنطقة يتطلب موقفاً عربياً موحداً تجاه المخاطر النووية الإيرانية، والعمل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية للوصول إلى رؤية واضحة حول كيفية التعامل مع التهديدات الناجمة عن التوسع النووي الإيراني، خاصة إذا ما استُخدمت هذه التوسعات كذريعة إسرائيلية لتنفيذ ضربات جوية قد تكون لها تداعيات خطيرة على المنطقة”.

الموقف الخليجي والدولي

تعتمد دول الخليج سياسة مزدوجة تجاه المشروع النووي الإيراني، حيث تسعى بعض الدول مثل السعودية والإمارات إلى تطوير مشاريع نووية مدنية خاصة بها، مع استمرار الضغط على إيران للالتزام بالاتفاقيات الدولية، كما تحدثت الرياض سابقاً عن إمكانية تصنيع قنبلة نووية في حال امتلكتها إيران.

كما أن هناك تنسيقاً متزايداً مع القوى الدولية، خصوصاً الولايات المتحدة وفرنسا، لضمان عدم تحول البرنامج الإيراني إلى تهديد مباشر.

أما على المستوى الدولي، فتسعى الولايات المتحدة خصوصاً مع وصول الرئيس ترامب للسلطة مجدداً، إضافة للقوى الأوروبية، إلى إعادة إحياء الاتفاق النووي بشروط جديدة، تشمل قيوداً أكثر صرامة على تخصيب اليورانيوم، وإجراءات رقابية أكثر تشدداً. 

ومع ذلك، لا تزال إيران تصر على حقها في تطوير برنامجها النووي لأغراض سلمية، وترفض فرض أي قيود إضافية خارج الاتفاق الأصلي.

وبحال نجاح المفاوضات بين إيران والقوى الكبرى، فقد يتم التوصل إلى اتفاق جديد يعيد ضبط البرنامج النووي الإيراني ضمن ضوابط مشددة، مما سيخفف التوترات في منطقة الخليج.

في المقابل فإنه إذا استمرت إيران في تخصيب اليورانيوم بمستويات عالية، فقد يؤدي ذلك إلى رد عسكري من “إسرائيل” أو الولايات المتحدة خصوصاً مع تصاعد التوتر عقب العدوان على غزة، مما سيؤدي إلى تداعيات أمنية خطيرة على دول الخليج.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى