هل تفتح زيارة الوفد الروسي لسوريا صفحة جديدة في العلاقات؟
بحث الوفد الروسي في دمشق العدالة الانتقالية وسبل عودة العلاقات الثنائية.
مصادر تحدثت عن مطالبة دمشق لموسكو بتسليم الرئيس المخلوع بشار الأسد.
الوفد الروسي أكد دعم موسكو الثابت لوحدة وسلامة أراضي وسيادة سوريا.
عند الحديث عن المشهد السوري عقب سقوط نظام الأسد، لا بد من الإشارة إلى روسيا كأبرز الخاسرين مما حدث خصوصاً أنها كانت الداعم الرئيسي لبقاءه منذ العام 2015.
وبعد أكثر من شهر ونصف على طي صفحة الأسد، زار وفد روسي برئاسة نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف دمشق (28 يناير)، وعقد مشاورات مع الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، في أول تواصل دبلوماسي بعد سقوط النظام السابق.
وبحسب وكالة “سانا” السورية الرسمية، فقد بحث الجانبان قضايا رئيسية، بما فيها احترام سيادة سوريا وسلامة أراضيها، مشيرةً إلى أن الوفد الروسي أكد دعمه للتغيرات الإيجابية الجارية حالياً في سوريا.
وقالت إن الجانبان بحثا “دور روسيا في إعادة بناء الثقة مع الشعب السوري من خلال تدابير ملموسة مثل التعويضات وإعادة الإعمار والتعافي، وآليات العدالة الانتقالية التي تهدف إلى ضمان المساءلة وتحقيق العدالة لضحايا الحرب الوحشية التي شنها نظام الأسد”.
رسائل إيجابية
الخارجية الروسية في بيان لها قالت إن موسكو أكدت دعمها الثابت لوحدة وسلامة أراضي وسيادة الجمهورية العربية السورية، مشيرةً إلى أن الوفد الروسي أكدت أن الزيارة تأتي في لحظة حاسمة بالنسبة للعلاقات الثنائية بين البلدين.
ويبدو أن النقاشات بين الجانبان تركزت أيضاً على مصير الرئيس المخلوع بشار الأسد، وفي هذا السياق نقلت وكالة “رويترز” عن مصدر سوري مطلع قوله، إن “الشرع طلب من موسكو تسليم الأسد”.
إلا أن المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، رفض التعليق على ما إذا كانت دمشق قط طلبت من روسيا تسليم الأسد ودفع تعويضات.
وبالرغم من أن روسيا كانت الحليف الأبرز لنظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، ولعبت دوراً بارزاً في إبقاءه في السلطة، إلى جانب اشتراك الجيش الروسي في جرائم حرب بحق السوريين، وفق تقارير العديد من المؤسسات الحقوقية السورية والدولية، إلا أن دمشق أبدت موقفاً موضوعياً تجاه روسيا.
فقد أكد الجانب السوري أن “استعادة العلاقات مع موسكو يجب أن تعالج أخطاء الماضي وتحترم إرادة الشعب السوري وتخدم مصالحه”.
وسبق قال الشرع في تصريحات أدلى بها في 19 ديسمبر الماضي، لشبكة “بي بي سي” البريطانية إن :روسيا ثاني أقوى دولة في العالم ولها أهمية كبيرة، وأنه من الصعب على سوريا الفكاك من روسيا ببساطة”.
وأضاف حينها أن لدمشق مصالح استراتيجية مع موسكو، مضيفاً: “لدينا مع روسيا علاقات استراتيجية طويلة الأمد، ولا نريد لها أن تخرج بطريقة لا تليق بعلاقتها الطويلة مع سوريا”.
وحينها أشاد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، بالرسائل الإيجابية التي أطلقتها القيادة السورية الجديدة، مشيراً إلى أن بلاده تتفق مع مضمونها.
عدم اصطدام
كما أكد لافروف أن موسكو “لم تسحب دبلوماسييها من دمشق، والسفارة هناك تعمل بشكل طبيعي”، مؤكداً استمرار التواصل مع السلطات السورية الجديدة، واستعداد بلاده لمساعدة سوريا في العملية الانتقالية في البلاد.
وربط النظام السابق سوريا باتفاقيات ثقيلة مع موسكو أهمها إقامة قاعدة عسكرية في الساحل السوري لخمسين عام، وإبرام سلسلة اتفاقيات اقتصادية أبرزها حق التنقيب عن الغاز في المياه الإقليمية السورية.
ومع سقوط نظام الأسد نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” عن مسؤولين أمريكيين وليبيين قولهم إن روسيا تسحب عتاداً عسكرياً متطورا\ص من قواعدها في سوريا وتنقله إلى ليبيا، فيما سبق وأكد الكرملين أن مصير القاعدة لايزال قيد النقاش.
كما أشار بوغداف بعد لقاء الشرع، أن بقاء قواعد بلاده العسكرية في سوريا يحتاج إلى مزيد من المفاوضات مع الإدارة الجديدة.
وسبق أن قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مؤتمر صحفي عقده في موسكو يوم 19 ديسمبر الماضي أن “سقوط الأسد لا يمثل هزيمة لموسكو” موضحاً أن بلاده “قدمت اقتراحات للقيادة السورية الجديدة بخصوص الإبقاء على القاعدتين العسكريتين في اللاذقية وحميميم، وإمكانية استخدامها لأغراض إنسانية”، لافتاً إلى أن “النقاشات حول هذا الأمر مستمرة”.
وبالنظر للتصريحات المتبادلة، يتضح أن هناك رغبة في سوريا وروسيا لعدم التصادم، وعن هذا يقول المحلل السياسي السوري أحمد كامل، إن هناك رغبة واضحة من الطرفين ذلك
وأضاف في تصريح لـ”الخليج أونلاين”: “العهد الجديد في سوريا لا يريد أن يتصادم مع دولة عظمى برغم الجراح الكبيرة، في قلب كل سوري مما فعله الروس في سوريا، العهد الجديد والشعب السوري، ليس الآن بحاجة لعداوة روسيا، بالعكس من مصلحته تحييد روسيا في المرحلة المقبلة”.
ولفت كامل إلى أن هناك انطباع إيجابي بأن روسيا لم تقاتل لصالح النظام، وتركته يسقط، لافتاً إلى أن ذلك يساعد على إقامة علاقات مقبولة إلى حد ما معها.
واستطرد قائلاً: “لا أقول علاقات ودية ولا تحالف، ولكن علاقات مقبولة، روسيا خففت نوعاً ما، مما فعلته من جرائم فظيعة في سوريا، لتركها النظام يسقط، هذا إن تركته، وهناك احتمال أنها أرادت إنقاذه لكنها لم تستطع”.
مستقبل الوجود الروسي
كما يرى أحمد كامل بأن موسكو هي الأخرى لا تريد أن تصطدم بالعهد الجديد في سوريا، لأن لديها قاعدتين على الساحل السوري، وتأمل ربما أن تجد صيغة للحفاظ عليهما ولو بالحد الأدنى مضيفاً في هذا السياق:
-
الوجود العسكري الروسي في سوريا تراجع كثيراً بعد سقوط نظام الأسد، فلا يوجد دوريات روسية مع أنه كان هناك في سباق في كل أنحاء البلاد.
-
الوجود العسكري الروسي بات محصوراً في قاعدتين وهما غير فعالتين، حيث تم سحب الأسلحة المتقدمة والمهمة منهما ويقال أنها نقلت إلى ليبيا، لكي يشعر الروس ببعض الراحة، بأنه خسرنا موقعاً استراتيجياً على البحر المتوسط، ولكننا كسبنا موقعاً في ليبيا وسط البحر المتوسط أكثر أهمية.
-
أستبعد أن تبقى القواعد الروسية فاعلة وكبيرة لكن إغلاقها أيضاً مستبعد، لذلك أتوقع أن تصبح قواعد صغيرة كما كانت في البداية عبارة عن مواقع لوجستية للتزود وتصليح السفن.
-
من الصعب جداً على روسيا أن تسلم بشار الأسد، ربما يتم الحديث عن الأموال المنهوبة وهي كثير جداً.
-
روسيا خسرت خسارة شنيعة بسقوط بشار الأسد حيث فشلت في حمايته، وكانت تقدم نفسها لحماية كافة الحكام المستبدين، لذلك من المستحيل أن تسمح بتسليمه لأن هذه الخطوة إهانة كبيرة لموسكو ولستفسد علاقاتها مع الأنظمة المستبدة.