الاخبار

نهضة عمرانية.. أبراج ومشاريع عملاقة ترسم مستقبل الرياض

هناك 100 برج قيد الإنشاء في الرياض بقيمة استثمارية تصل إلى 100 مليار ريال (26.7 مليار دولار)

تشهد العاصمة السعودية الرياض، تحولات عمرانية لافتة تعكس الرؤية الطموحة للمملكة في تعزيز مكانتها كواحدة من أبرز المدن العالمية.

ولم يعد التوسع العمراني مقتصراً على المشاريع التقليدية، بل أصبح يتجسد في ناطحات السحاب والمجمعات المتكاملة، مما يضع الرياض على خارطة المدن العالمية ويعزز من تنافسيتها في المجالات الاقتصادية والسياحية.

ارتفاع وتيرة العمران

وتتجسد الطفرة العمرانية السعودية غير المسبوقة، من خلال تسارع وتيرة الإنشاءات، حيث بات أفق العاصمة يتزين بعشرات الأبراج الشاهقة التي تعيد رسم ملامح المدينة الحديثة، وأصبحت جزءاً من هوية الرياض الجديدة.

وفي إطار ذلك، كشفت صحيفة الاقتصادية السعودية بتقرير نشرته في 6 مارس الجاري، عن 100 برج تجاري وسكني يجري العمل على انشائها باستثمارات تُقدَّر بـ100 مليار ريال (نحو 26.7 مليار دولار)، في مراحل البناء النهائية، لتضاف إلى 25 ناطحة سحاب قائمة في العاصمة، ما يعزز حضور الرياض على خارطة المدن العالمية.

ويقول الشريك ورئيس مبيعات وتسويق المشروعات السكنية في شركة نايت فرانك الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ورئيس السوق السعودية، محمد عيتاني إن “الرياض تشهد اليوم تغيرا في أنواع العقارات السكنية والمكتبية، مع توجه المطورين إلى بناء الأبراج وناطحات السحاب في عدة أحياء”.

وبيّن عيتاني في حديثه للاقتصادية، فوائد عديدة يحملها البناء العامودي، أبرزها تركيز الكثافة السكانية في مناطق محددة، وعادة ما تكون هذه الأبراج في مواقع مخدومة يسهل الوصول إليها.

ويشير الخبراء إلى أن الرياض أصبحت وجهة جاذبة للمشاريع العقارية، مع تنوع أنواع العقارات السكنية والمكتبية، وتركز بناء الأبراج في أحياء متعددة مثل حي الصحافة ومدينة الملك عبدالله المالية.

وقد انعكس هذا التطور على تصنيف المدينة، حيث احتلت المرتبة الثالثة في عدد الأبراج على مستوى الشرق الأوسط، بحسب مجلس المباني العالية والموئل الحضري.

ويتميّز هذا التوسع العمراني بفسح المجال لإنشاء ناطحات سحاب دون تقييد في مناطق معينة، مثل طريق الملك سلمان والشريط التجاري، حيث تُحسب مساحة البناء وعدد الأدوار بناءً على معامل البناء المخصص لكل موقع.

وتمثّل هذه الأبراج المرتفعة مراكز متكاملة للسياحة والأعمال، وتضم مكاتب، وشققاً فاخرة، وفنادق، ومجمعات تجارية، ما يسهم في دعم الاقتصاد وتنشيط قطاعات عديدة كالسياحة، الخدمات المالية، والتجزئة.

ويرى الخبير في الهندسة المعمارية، المهندس مشاري الراشد، أن هذه الأبراج توفر بيئة جاذبة للشركات العالمية والمستثمرين من خلال تقديم مساحات مكتبية وتجارية وفق أعلى المعايير، إلى جانب تكاملها مع بنية تحتية متطورة، ما يزيد على ثقة المستثمرين ويدفعهم لضخ رؤوس أموالهم في السوق السعودية.

ويعتقد الراشد في حديثه للاقتصادية بأن تصاعد الطلب على هذه المشروعات يسهم في تحفيز قطاعات اقتصادية متعددة مثل العقارات، البناء، والتكنولوجيا.

ومع تزايد عدد سكان الرياض المتوقع وصولهم إلى 9.5 مليون نسمة بحلول عام 2030، تتعاظم الحاجة إلى هذه المشروعات العمرانية، التي تسهم في تلبية الطلب المتزايد على المساحات السكنية والتجارية.

1

أهمية اقتصادية

ويؤكد الكاتب والمحلل الاقتصادي سعيد خليل العبسي بأن الاستثمار الضخم في بناء الأبراج في السعودية يحقق عوائد وفوائد جمة للاقتصاد الكلي للبلاد.

ويوضح لـ”الخليج أونلاين” أن هذه المشاريع الضخمة تساهم في تحفيز قطاع العقارات والإنشاءات، وزيادة الطلب على مواد البناء والتشييد، وخلق فرص عمل للمهندسين والمقاولين والعمال والمتخصصين في القطاع.

ويضيف العبسي أن المشاريع تساهم في تنويع الاقتصاد بعيداً عن النفط، خاصة من خلال السياحة والاستثمار العقاري، وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، مثل مشروع برج المملكة في جدة ومشروع نيوم.

ويشير إلى أن الأبراج الفاخرة توفر فنادق ومرافق سياحية عالمية المستوى، مما يعزز جاذبية المملكة للسياحة العالمية ويزيد العوائد من قطاع الفندقة والضيافة، خاصة في المدن الكبرى مثل الرياض وجدة ومكة المكرمة.

كما يوضح العبسي أن هذه المشاريع تساهم في رفع قيمة الأراضي والممتلكات المحيطة، وتحفز الاستثمار في المنطقة، وتعزز التطوير العمراني، وتحسن البنية التحتية.

ويؤكد بأن الأبراج تخلق بيئة عمل متطورة، وتوفر مقرات حديثة للشركات والمؤسسات، مما يجذب الشركات العالمية إلى المملكة، ويساعد على نمو قطاع الأعمال والخدمات المالية، ويعزز مكانة السعودية كمركز اقتصادي عالمي.

ويعتبر أن مشاريع مثل “برج جدة” و”برج المملكة” في الرياض تعكس الطموح السعودي في أن تكون مركزاً اقتصادياً وتجارياً إقليمياً وعالمياً، وتعزز رؤية السعودية 2030 من خلال تطوير مدن حديثة ومستدامة.

ويؤكد العبسي بأن المملكة قد أنشأت بالفعل عشرات الأبراج الشاهقة في معظم المدن الرئيسية، وترصد استثمارات تقدر بمئات المليارات لإنشاء مبانٍ شاهقة، مما يعكس التسارع الكبير في وتيرة إنشاء الأبراج في الرياض وغيرها، ويعيد تشكيل ملامح الرياض الجديدة، سواء على الأرض أو في السماء.

المكعب العملاق

وسط هذا الزخم التنموي، يبرز مشروع “المكعب” كرمز للطموح السعودي في إعادة تشكيل ملامح العاصمة، بارتفاع يصل إلى 1300 قدم وعرض 1200 قدم، وسيكوّن المكعب مساحة هائلة تكفي لاحتواء 20 مبنى بحجم “إمباير ستيت”.

وذكرت صحيفة “ذا صن” البريطانية في أكتوبر الماضي، أن المملكة بدأت أعمال تشييد مشروع “المكعب” ليصبح أكبر ناطحة سحاب في العالم بكلفة 50 مليار دولار، وذلك في إطار المشاريع التنموية التي أعلن عنها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.

ولا يقتصر المكعب على كونه تحفة معمارية ضخمة، بل يجمع بين الحداثة والهوية المحلية، حيث يضم مطاعم راقية، ومساحات للبيع بالتجزئة، ومكاتب، إلى جانب 104 آلاف وحدة سكنية و9 آلاف غرفة فندقية، تتناغم مع مساحات خضراء شاسعة.

ولا يتوقف المشروع عند الجانب العمراني، بل يمتد ليقدم تجارب تفاعلية مدعومة بالذكاء الاصطناعي، مع شاشات عملاقة تغطي الواجهات الخارجية، ما يعكس رغبة المملكة في خلق تجربة فريدة لزوار هذا المعلم.

وأما التصميم المعماري، فمستوحى من البيئة المحلية، حيث تحاكي مسارات المكعب المتعرجة الأودية والصخور الصحراوية، بينما يستلهم الشكل المربع الطابع النجدي الأصيل، المعروف بمبانيه الطينية ونوافذه وأبوابه الهندسية.

ومن الناحية الاقتصادية، يُتوقع أن يضيف المشروع أكثر من 51 مليار دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي، ويوفر 334 ألف فرصة عمل، مما يعزز توجه المملكة نحو تنويع اقتصادها بعيداً عن النفط.

وتؤكد شركة “المربع الجديد للتطوير” أن المشروع سيستخدم نحو 900 عامل، مع خطة للانتهاء منه بحلول عام 2030، ليصبح جزءاً جوهرياً من رؤية السعودية الطموحة.

 وتجدر الإشارة إلى أن بيانات قاعدة بيانات مجلس المباني الشاهقة (CTBUH)أكدت في مايو الماضي امتلاك السعودية 26 ناطحة سحاب يتجاوز طولها 200 متر إلى جانب 5 ناطحات أخرى يتجاوز ارتفاعها 300 متر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى