الاخبار

“نفوذ تحت البحر”.. الخليج يخوض معركة الهيمنة الرقمية العالمية

الخبير الاقتصادي نبيل جبار التميمي: الدول الخليجية تسعى لتكون موانئ لنقل البيانات حول العالم، أو على الأقل في هذه المنطقة الحساسة التي تربط القارات الثلاث؛ آسيا وأفريقيا وأوروبا.

في أعماق المحيطات، حيث تتوارى الأسلاك المعدنية تحت آلاف الأقدام من المياه المالحة، تدور معركة غير مرئية لكنها حاسمة في رسم خطوط المستقبل الرقمي للعالم.

داخل هذا المشهد العالمي المتسارع نحو الرقمنة، تتحرك دول الخليج بثقة لتعزيز حضورها سعياً منها لكي تكون بوابات بحرية لتمرير الإنترنت عبر العالم.

طموحات جديدة، واستراتيجيات مدروسة، جعلت من هذه المنطقة الحيوية لاعباً أساسياً في ممرات البيانات البحرية، بما يحمله ذلك من مكاسب اقتصادية وسيادية.

وفي نظرة سريعة على أسباب هذا التنافس العالمي سنجد أن الكابلات البحرية مسؤولة عن نقل نحو 97% من بيانات واتصالات العالم، مما يجعلها محوراً أساسياً في عصر الرقمنة.

وبفضل تكوينها المعدني المتين، فإن هذه الكابلات قادرة على نقل 1.5 تيرابايت من البيانات في الثانية، مع عمر افتراضي طويل تحت سطح البحر.

معلومات حول الكابلات البحرية:

  • قادرة على تمرير كميات هائلة من البيانات بسرعة مذهلة، مدعومة بمواد تضمن استدامتها.

  • يبلغ عدد الكابلات 358 كابلاً تمتد لنحو 545 ألف ميل تحت سطح البحر على عمق يصل إلى 8 آلاف قدم.

  • تتولى فرق متخصصة وسفن تحديد أفضل المسارات عبر الأقمار الصناعية لمد الكابلات، وهي عملية تستغرق سنوات وتكلف ملايين الدولارات.

  • تصنع الكابلات من طبقات بلاستيكية وأسلاك فولاذية رفيعة تحميها من العوامل الطبيعية لضمان تشغيلها لنحو 25 عاماً.

  • تشكل الكابلات العمود الفقري لحركة معاملات تريليونية يومياً، مما يجعلها من أهم البنى التحتية الاقتصادية العالمية.

ورغم صلابة تصميمها لكن هذه الكابلات لا تخلو من المخاطر؛ إذ تؤدي العواصف والزلازل والأعطال التقنية إلى انقطاعات مفاجئة قد تكبّد الشركات خسائر بملايين الدولارات.

يضاف إلى ذلك أن البشر أنفسهم يمثلون تهديداً، حيث تشير التقديرات إلى أن نحو ثلثي أعطال الكابلات تعود إلى أنشطة الصيد وحركة السفن.

وعلى جانب آخر، برزت تهديدات أمنية متعمدة، مع تصاعد المخاوف من هجمات تخريبية يمكن أن تصيب كابلاً واحداً بالشلل أو تؤدي إلى توقف شبكات كاملة عن العمل.

مستقبل الكابلات البحرية 

  • يُتوقع تطوير كابلات جديدة بسعة تفوق 300 تيرابايت في الثانية، تلبية للنمو المتزايد في الطلب على البيانات.

  • يُنتظر أن ترتفع القيمة السوقية للكابلات البحرية إلى 32.48 مليار دولار بحلول 2029، مع نمو سنوي قدره 8.63%.

  • تشهد المنطقة العربية نمواً في عدد مستخدمي الإنترنت، مما يدفع لزيادة الاستثمار في مد الكابلات البحرية.

ما تقدم ذكره يكشف سرّ السعي الحميم لدول الخليج لتكون فاعلة وبوابة لمرور الإنترنت إلى العالم، وإذا ما نجحت دول الخليج في تثبيت أقدامها كعقدة أساسية لهذه الشبكات، فإنها لن تغير فقط خريطة الطاقة في العالم، بل خريطة الاتصالات والسيادة الرقمية أيضاً.

كما لم يكن غريباً أن تتحول دول الخليج إلى فاعل رئيسي في هذه المعادلة، فبنى الإمارات المتقدمة، على سبيل المثال، أسهمت في ربط الدولة بأكبر شبكة كابلات بحرية إقليمياً، مما جعلها مركز جذب لشركات مراكز البيانات العالمية، ومكّنها من تعزيز مكانتها كقوة رقمية صاعدة.

أما السعودية، فقد حملتها رؤية 2030 إلى توسيع استثماراتها بشكل طموح. أبرز مشاريعها، نظام “نظام”، يربط أوروبا بالهند مروراً بمصر والأردن، واضعاً المملكة على طريق التحول إلى عقدة رئيسية في شبكة الإنترنت العالمية.

وفي قطر، تسير الاستراتيجية على خطى مدروسة عبر شراكات مثل الاتفاقية بين مجموعة “Ooredoo” وشركة “ألكاتيل للشبكات البحرية” عام 2024، لتبني الدوحة جسوراً رقمية جديدة مع ست دول خليجية وعربية، داعمة طموحها لأن تكون مركزاً إقليمياً متقدماً للاتصالات.

سلطنة عُمان أيضاً لم تتخلف عن الركب بموقعها الجغرافي الفريد حيث أصبحت محطة رئيسية للكابلات البحرية.

وفي عام 2024، عززت موقعها عبر اتفاقية لإنزال كابل “2Africa”، أضخم كابل بحري في العالم، بما يعزز ارتباط المنطقة رقمياً بقارات العالم.

ترسيخ النفوذ الرقمي

الخبير الاقتصادي نبيل جبار التميمي الذي تحدث لـ”الخليج أونلاين” يرى أن ما يجري في المنطقة لم يعد مجرّد استثمار في قطاع الاتصالات، بل تحوّل استراتيجي يستهدف تثبيت موقع الخليج بصفته ممراً عالمياً رئيسياً لنقل البيانات.

يشير التميمي إلى أن نقل البيانات عبر الكابلات هو نوع من أنواع “الترانزيت” الذي من خلاله تكسب الدول واردات إضافية.

ولكون أن هذه الإيرادات لا تقتصر على الجانب المالي فقط، بل تتعداه إلى ترسيخ النفوذ الرقمي للدول وتحسين موقعها التفاوضي في الاقتصاد العالمي الجديد، يلفت التميمي إلى أن دول الخليج مثل بقية الدول تطمح إلى أن تكون لها قدرات كبيرة في هذا المجال.

ويضيف أن الدول الخليجية تسعى لتكون موانئ لنقل البيانات حول العالم، أو على الأقل في هذه المنطقة الحساسة التي تربط القارات الثلاث؛ آسيا وأفريقيا وأوروبا.

دول الخليج ، وفق ما يذكر التميمي، تتنافس اليوم فيما بينها لتكون كل واحدة منها محطة أساسية على مستوى العالم في مجال نقل البيانات، كما هو الحال في بقية وسائل النقل البحري ونقل الطاقة.

ذلك يشير إلى أن هذا التحول في التفكير الاقتصادي الخليجي، من التركيز التقليدي على النفط إلى الاستثمار في البنية التحتية الرقمية، يُظهر مدى إدراك دول المنطقة لأهمية تنويع مصادر الدخل وبناء مستقبل أكثر استدامة في عصر الاقتصاد الرقمي.

وهذا التنافس الخليجي – والحديث للتميمي – يعكس أيضاً جانباً من الصراع التجاري الإقليمي والدولي للسيطرة على ممرات الإنترنت، خاصة في ظل ازدياد أهمية أمن البيانات وحركة المعلومات في اقتصادات العالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى