الاخبار

مورّد بارز للقارة.. هل تنفذ قطر تهديدها بوقف صادرات الغاز لأوروبا؟

تسعى قطر، وهي من بين أكبر مصدري الغاز الطبيعي المسال في العالم، إلى الاضطلاع بدور أكبر في آسيا وأوروبا.

تعد دولة قطر واحدة من أكبر مصدري الغاز الطبيعي المسال في العالم، وأصبحت مورّداً مهماً إلى أوروبا في أعقاب الاضطرابات بأسواق الطاقة، الناجمة عن غزو روسيا لأوكرانيا.

لكن يبدو أن خطوة أوروبية جديدة قد أثارت غضب الدولة الخليجية، ما قد يهدد باضطراب في سوق الطاقة، بعدما أعلنت الأخيرة أنها ستوقف شحن الغاز إلى الاتحاد الأوروبي إذا فرضت دوله الأعضاء “بصرامة” قانوناً جديداً يتعلق بالعمالة والضرر البيئي.

وتسعى قطر إلى الاضطلاع بدور أكبر في آسيا وأوروبا مع تزايد المنافسة مع الولايات المتحدة، حيث تخطط لزيادة طاقة تسييل الغاز إلى 142 مليون طن سنوياً بحلول عام 2027 من 77 مليون طن حالياً.

غضب قطري

في تصريحات لافتة أطلقها وزير الطاقة القطري، سعد الكعبي (22 ديسمبر 2024)، قال إن بلاده ستوقف شحن الغاز إلى الاتحاد الأوروبي إذا فرضت بلدان التكتل، على نحو صارم، تشريعاً جديداً من شأنه أن يعاقب الشركات التي لا تلبي المعايير المتعلقة بانبعاثات الكربون وحقوق الإنسان والعمال.

وقال الكعبي في مقابلة مع صحيفة “فايننشيال تايمز”: “إذا كان الأمر ينطوي على خسارة خمسة بالمئة من الإيرادات التي حققتها بسبب (البيع) لأوروبا، فلن أبيع لأوروبا. أنا جاد في ذلك… خمسة بالمئة من إيرادات شركة قطر للطاقة تعني خمسة بالمئة من إيرادات دولة قطر”.

وتابع: “هذه أموال الشعب، لذلك لا يمكنني أن أخسر مثل هذه الأموال، ولا أحد يقبل خسارة مثل هذه الأموال”.

وأشار الكعبي، وهو أيضاً الرئيس التنفيذي لشركة “قطر للطاقة” المملوكة للدولة، إلى أن الاتحاد الأوروبي يجب أن يراجع هذا القانون بشكل شامل.

وسيكون من المستحيل أيضاً على منتج للطاقة مثل “قطر للطاقة”، أن يتوافق مع هدف صافي الانبعاثات الصفري للاتحاد الأوروبي بسبب كمية الهيدروكربونات المنتجة، وفق الكعبي الذي نوه إلى أن التشريع سيؤثر على جميع الصادرات القطرية إلى أوروبا، ومن ضمنها الأسمدة والبتروكيماويات، وقد يؤثر أيضاً على قرارات هيئة الاستثمار القطرية.

قانون أوروبي

بموجب قانون يتعلق بالفحص النافي للجهالة واستدامة الشركات الذي تمت الموافقة عليه هذا العام، مطلوبٌ من الشركات الكبرى العاملة في الاتحاد الأوروبي التحقق مما إذا كانت سلاسل الإمداد الخاصة بها تستخدم العمالة القسرية أو تتسبب في أضرار بيئية، واتخاذ الإجراءات اللازمة إذا خلصت إلى ذلك. وتشمل العقوبات غرامات تصل إلى 5% من إجمالي الإيرادات العالمية.

واعتمد الاتحاد الأوروبي، في مايو الماضي، قواعد جديدة ضمن مجموعة متطلبات أوسع؛ لمواءمة الشركات مع طموح التكتل المتمثل في الوصول إلى انبعاثات كربون صفرية بحلول 2050.

لكن المتطلبات أثارت ردود فعل عنيفة واسعة النطاق من الشركات داخل الاتحاد الأوروبي وخارجه، بسبب القواعد المرهقة التي تضعها في وضع غير تنافسي، وقالت هيئة الصناعة الكيميائية، إن القواعد الأوروبية من شأنها “أن تخلق مخاطر تقاضٍ كبيرة”.

ووعدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، الشهر الماضي، باقتراح تشريع “شامل” من شأنه أن يقلل من متطلبات الإبلاغ عن عديد من قوانين التمويل الأخضر في الاتحاد، وضمن ذلك توجيه العناية الواجبة.

أمام خيارين

يرى الباحث الاقتصادي أمجد خليل، أن التهديد القطري يشكل بداية المتاعب التي يمكن أن يواجهها هذا التشريع بالنسبة للاتحاد الأوروبي في المستقبل. 

ويشير خليل إلى أن الدول الأوروبية ستكون أمام خيارين: “إما أن تضطر إلى التضحية بالمورّد القطري ومن ثم تعويضه بمورّد آخر ضمن شروط جيوسياسية صعبة، أو إجراء تسوية تخفف من صرامة هذا القانون أو تؤجل تنفيذه”.

ووفق حديثه لـ”الخليج أونلاين”، فإنه في كل الحالات “يحتاج هذا القانون إلى إعادة نقاش وتصويت داخل المؤسسات، وربما يؤدي إلى إضعاف مصداقية هذه المؤسسات”.

وأضاف: “فضلاً عن ذلك، فإن القانون لا يستهدف المورّد القطري فقط، بل جميع الشركات الأوروبية أو تلك التي تتعامل مع السوق الأوروبية، ومن ثم ستكون له تداعيات مكلفة على الاتحاد الأوروبي مستقبلاً”.

ويعتقد أن القانون في حال أُقِر “سيعقِّد سلاسل التوريد نحو أوروبا، ويدفع الدول الأخرى إلى فرض قيود وقواعد ضد الصادرات الأوروبية، في ظل توجه عالمي نحو مزيدٍ من الحروب التجارية والحمائية والرسوم الجمركية”.

كما يعتقد أنه من المحتمل أن تذهب قطر والاتحاد الأوروبي نحو تسوية؛ “ذلك أن الاتحاد الأوروبي يريد خلال الفترة الانتقالية ضمن خطة التحول الطاقي (حتى 2050) تأمين إمدادات طاقة مستقرة، ومن المرجح أن يؤدي خفض التوتر في الشرق الأوسط -لا سيما في سوريا وغزة- إلى تعزيز واردات الاتحاد من الغاز”.

وتابع: “تمتلك قطر احتياطيات كبيرة من الغاز الطبيعي، مما يعطيها قوة فائقة في المفاوضات”، مؤكداً أن “التهديد بوقف تصدير الغاز يمكن أن يكون بمثابة ضغط لتعديل القوانين أو تأخير تطبيقها”، ويلفت إلى أن “قطر تستفيد من التنويع في أسواق الطاقة، حيث تستطيع توجيه الغاز إلى مناطق أخرى مثل آسيا، ولديها الورقة الرابحة لتحقيق مطالبها”.

تبعات اقتصادية

من جانبه يؤكد الباحث الاقتصادي أحمد عيد، أن هذا القرار “يحمل تبعات اقتصادية وجيوسياسية، ويعكس تفاعلاً مع التطورات السياسية والاقتصادية العالمية”.

ويوضح عيد بقوله: “الجانب القطري عمل على تجنب فرض غرامات على تصدير الغاز؛ لما لها من تأثير وانعكاس يشكلان عبئاً كبيراً على إجمالي عائدات الدولة، لذا فإن إيقاف التصدير قد يُعتبر رداً استراتيجياً للضغط على أوروبا ليمثل تعزيزاً لموقف قطر التفاوضي”.

ويشير في حديثه لـ”الخليج أونلاين”، إلى أنه مع زيادة الطلب على الغاز في أسواق آسيوية مثل الصين والهند، “قد ترى قطر أن الفرص البديلة أكثر ربحية وأقل قيوداً، حيث تظهر الدوحة في قرارها القوة التي تتمتع بها كواحدة من أكبر مصدري الغاز الطبيعي المسال في العالم. ولا يوجد لديها ما تخسره في ظل تنوع المصادر وتعدد الأسواق”.

وأضاف: “ربما يعتبر هذا الإجراء حراكاً قد يغير التوازنات في سوق الطاقة، كما يمكن أن يؤدي إلى تداعيات طويلة الأمد على علاقات قطر مع شركائها الأوروبيين، إضافة إلى أن قرب قطر من الأسواق الآسيوية والأوروبية يمنحها ميزة جغرافية لتلبية الطلب في كلا الجانبين بكفاءة”.

وتابع: “بالحديث عن الغاز القطري لا بد من الإشارة إلى أنها تمتلك ثالث أكبر احتياطي من الغاز الطبيعي في العالم بعد روسيا وإيران، مما يجعلها مصدراً موثوقاً ودائماً للإمدادات، فضلاً عن جودة الغاز القطري الذي يتمتع بنقاوة عالية ومحتوى طاقة مرتفع، مما يجعله مناسباً للاستخدامات الصناعية والمنزلية”.

ويؤكد أنه “بفضل التنافس مع الولايات المتحدة وأستراليا، والبنية التحتية لدى المستهلكين من الأسواق النامية، ستظل قطر لاعباً رئيساً في سوق الغاز الطبيعي العالمي لعقود قادمة”.

الغاز القطري لأوروبا

استقبلت أوروبا نحو 15% من إجمالي صادرات الغاز القطري في 2023، توجه منها 4.85 ملايين طن إلى إيطاليا، و3.2 ملايين طن إلى بلجيكا.

وحلت قطر في المركز الرابع ضمن قائمة أكبر الدول المصدرة للغاز المسال إلى أوروبا، مع انخفاض صادراتها بوتيرة حادة بلغت 38.3%، لتصل إلى 2.3 مليون طن خلال الربع الثالث فقط من الحالي الحالي، مقارنة بنحو 3.73 ملايين طن خلال المدة نفسها من عام 2023.

وفي أول 9 أشهر من 2024، بلغت صادرت قطر من الغاز المسال إلى أوروبا نحو 7.88 ملايين طن، انخفاضاً بنسبة 33% من 11.77 مليون طن خلال المدة نفسها من عام 2023.

وتتوقع قطر أن تبلغ إيرادات النفط والغاز العام المقبل 154 مليار ريال (42.41 مليار دولار) مقارنة مع 159 مليار ريال (43.79 مليار دولار) في موازنة عام 2024؛ ما يمثل انخفاضاً بنسبة 3.1%.

وفي أكتوبر 2023، توصلت قطر لأكبر وأطول اتفاق لتوريد الغاز لأوروبا من مشروع توسعة ضخم، ما يوفر لفرنسا ما يصل إلى 3.5 مليون طن متري من الغاز الطبيعي المسال سنوياً لمدة 27 عاماً.

بالشهر ذاته عززت قطر الإمدادات التي ستوفرها من الغاز على المدى الطويل إلى أوروبا، إذ توصلت إلى اتفاق توريد مع هولندا لتوفير 3.5 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال سنوياً، لمدة 27 عاماً.

الاتفاقية الثالثة في ذات الشهر جاءت لتوريد ما يصل إلى مليون طن سنوياً من الغاز الطبيعي المسال من قطر إلى إيطاليا، ولمدة 27 عاماً أيضاً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى