مهرجان “سنيار”.. حماس وتنافس يُحيي الموروث البحري في قطر والخليج

تسهم فعاليات مهرجان “سنيار 2025” في تعزيز الثقافة وحماية البيئة البحرية وتعميق ارتباط القطريين بهويتهم وتراثهم.
في أجواء يملؤها الحماس وروح التنافس، أعلنت المؤسسة العامة للحي الثقافي كتارا، اليوم السبت، عن الفائزين في بطولتي “الحداق” و”اللفاح”، ضمن فعاليات النسخة الحادية عشرة من مهرجان “سنيار 2025″، خلال حفل استقبال نُظّم للصيادين على شاطئ كتارا بعد عودتهم من رحلات الصيد والمنافسة.
وصيد “الحداق” يتم من موقع ثابت، حيث يختار الصياد منطقة معينة ويمارس الصيد دون تحريك المحمل، على عكس صيد “اللفاح” الذي يعتمد على مدّ الخيط أثناء تحرك المحمل لاصطياد الأسماك الكبيرة، ويعتمد النجاح في كلا النوعين على مهارة وخبرة المتسابقين.
وشهد المهرجان هذا العام مشاركة 55 فريقاً تنافسوا في صيد 17 نوعاً من الأسماك، ضمن ضوابط دقيقة تراعي الحجم والطول والنوع، مستخدمين أدوات وأساليب صيد تراثية، في مشهد أعاد إحياء روح البحر والموروث القطري الأصيل.
وتأهل 16 فريقاً إلى المرحلة النهائية “بطولة بالمسان”، بواقع 8 فرق من كل مجموعة، إضافة إلى الفريق الفائز بمسابقة “أكبر سمكة”، ومن المقرر أن تُحسم نتائج المهرجان وتُعلن أسماء الفائزين خلال احتفالية “القفال” في الثاني من مايو المقبل، على شاطئ كتارا، وسط حضور جماهيري وفعاليات تراثية مصاحبة.
أهازيج وذكريات
“يا ربنا سهل علينا… يا عاطي الأرزاق يا الله” بهذه الأهازيج الشعبية التي تعود إلى فنون البحر، ردد البحارة ألحان الماضي الجميل خلال منافسات بطولتي “الحداق” و”اللفاح”، مستحضرين حياة الآباء والأجداد، بكل ما فيها من تحديات وذكريات، رغم ما شهده الحاضر من تطور وازدهار.
المتسابق عبدالله أحمد البكري، أحد أعضاء فريق “شط العرب” الفائز بالمركز الثالث في مسابقة “أكبر سمكة” بوزن 10.2 كيلوغرام، تحدث عن أهمية مهرجان “سنيار” باعتباره تجسيداً لهوية أهل قطر وعمق ارتباطهم بالبحر منذ القدم، الذي يُعد من أبرز الموروثات والتقاليد التي يحرص عليها الآباء وينقلونها إلى الأبناء، جيلاً بعد جيل.
وأكد البكري في تصريح لـ”الخليج أونلاين”، أن هذا المهرجان يسهم في إبقاء هذا الإرث حياً في الذاكرة والممارسة، واصفاً مهرجان “سنيار” الذي انطلقت النسخة الأولى منه عام 2012، بأنه من أبرز الفعاليات المعنية بالتراث البحري على مستوى دول مجلس التعاون.
ولفت إلى أن المهرجان استطاع نقل صورة حيّة لرحلات الصيد التقليدية، مجسداً جانباً مهماً من التاريخ البحري لدولة قطر، مستدلاً بنجاحه في جذب القطريين وأبناء الخليج للمشاركة في إحياء الموروث الشعبي.
وتطرق البكري إلى الأجواء التنافسية التي شهدتها بطولتي “الحداق” و”اللفاح”، معتبراً أن الحماسة وروح التحدي أضفتا طابعاً من الجمال والتألق على هذه النسخة من المهرجان، والتي ما زالت في طور التصاعد، مع ترقب منافسات “بطولة بالمسان” النهائية المقررة الأسبوع المقبل.
علامة بارزة
من جانبه، يستعرض المتسابق ناصر إبراهيم بوهندي، من فريق “أم الحول” الفائز بالمركز الرابع في المجموعة الأولى، أبرز ما يميز النسخة الحادية عشرة من مهرجان “سنيار 2025″، مشيراً إلى أنه يسهم في الحفاظ على البيئة البحرية.
وأوضح بوهندي، في تصريح لـ”الخليج أونلاين”، أنه يتم تقسيم المشاركين إلى مجموعتين للتنافس في التحدي النهائي “بطولة بالمسان”، إلى جانب تحديد أنواع محددة من الأسماك المسموح بصيدها وكميات معينة، في خطوة تهدف إلى الحفاظ على البيئة البحرية، حسب قوله.
وحول الأثر الثقافي للمهرجان، يشير بوهندي، إلى أن مهرجان “سنيار” أصبح علامة بارزة في ذاكرة العديد من الأسر، ووسيلة فعالة لربط الجيل الجديد، بما فيهم الأطفال، بتراثهم البحري، إذ يثير فضولهم للتعرف على تفاصيل هذا الموروث، من ملابس ومراكب الصيد، إلى أسماء الأسماك وأساليب الصيد التقليدية.
وأوضح أن أهمية مهرجان “سنيار” تتزايد عاماً بعد عام، نظراً لما تبذله كل نسخة من جهد ملموس في إحياء تقاليد الأجداد وتجسيد كفاحهم، إلى جانب دوره في تعريف الأطفال والشباب بهذا الموروث، الذي يستحق اهتماماً أكبر وتسليط الضوء عليه من قِبل المؤسسات الثقافية في دول الخليج.
تعزيز الهوية
مهرجان “سنيار” يعزز الهوية القطرية من خلال تسليط الضوء على طرق صيد السمك التقليدية، بهدف توثيق هذا الموروث التاريخي الذي كان يشكّل وسيلة حياة للأجداد في الماضي.
وأكد المواطن محمد خليفة المهندي لـ”الخليج أونلاين”، أن الفعالية تجاوزت إطار الحفاظ على الثقافة والتراث، لتصبح أيضاً ساحة للتنافس والحماس، حيث بات لكل فريق جمهور من الأهل والأصدقاء يتابعونه ويشجعونه.
وعن أهمية مهرجان “سنيار” في ترسيخ الموروث الثقافي القطري، قال الدكتور سيف الحجري، رئيس برنامج ومركز حماة الطبيعة القطري، إن التراث هو ذاكرة الأمم، لافتاً إلى أن “نقله كما كان يمارس في الماضي، يُسهم في تعزيز هوية النشء الجديد، لأن الإنسان بطبيعته يعيش هويته ويفتخر بعاداته وتقاليده”.
وأضاف الدكتور الحجري في تصريح لـ”الخليج أونلاين”: “إن الاحتفاء بالتراث الثقافي البحري يُعد في جوهره تعبيراً عن التقدير والوفاء للآباء والأجداد، الذين خاضوا غمار البحر رغم قلة الإمكانيات، وتركوا لنا إرثاً غنياً يستحق الحفظ والتخليد”.
وأكد أن هذا الإرث لا يقتصر فقط على أساليب الصيد وطرقه، بل يشمل أيضاً ما ارتبط به من فنون وأهازيج وقيم جميلة، تُجسد احترام الإنسان للبحر وحرصه على الحفاظ على بيئته البحرية.
بحسب رأيه، فإن الدوحة أصبحت اليوم وجهة سياحية بارزة لمواطني دول مجلس التعاون الخليجي، لما تحتضنه من مهرجانات ثقافية تعبّر عن بيئة الخليج العربي، والتي تعتبرها الأوساط الخليجية ضرورية لتعريف الأبناء بتراث الأجداد، ونقل صورة واقعية عن أساليب معيشتهم وما رافقها من صعوبات وتحديات.