من الهجمات إلى الابتكار.. السعودية ترسم ملامح الاقتصاد السيبراني العربي

– طرحت السعودية استراتيجية تهدف إلى تحقيق فضاء سيبراني عربي آمن وموثوق، يحقق النمو والازدهار لجميع الدول الأعضاء.
– وسام مكي سالم مختص بالذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني:
الاستثمار في هذا القطاع يفتح آفاقاً واعدة أمام الاقتصادات العربية عبر توليد وظائف جديدة واستقطاب رؤوس الأموال.
في زمنٍ بات الأمن السيبراني خط دفاع أساسياً عن الدول والمؤسسات وحتى الأفراد تبرز السعودية بصفتها قوة دافعة تسعى إلى توحيد الجهود العربية لمواجهة هذا الخطر المتصاعد.
يأتي ذلك عبر قيادة المملكة لمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب، الذي اجتمع، الأربعاء (28 مايو الجاري)، في العاصمة الرياض، لوضع استراتيجية عربية شاملة للأمن السيبراني.
المبادرة السعودية، التي تأتي ضمن رؤية المملكة الأشمل للتحول الرقمي والأمن الوطني، ليست فقط استجابة للتهديد، بل محاولة جريئة لتحويل التحدي إلى فرصة اقتصادية عربية كبرى.
تهديدات متصاعدة
وفق صحيفة الغارديان، فإن العالم مضطر لتحديث قواعد بياناته بحلول 2028، مع ضرورة إتمام إصلاحات أمنية محورية بحلول 2031، والانتقال إلى أنظمة تشفير جديدة قبل 2035، لمواجهة التهديدات الرقمية المتصاعدة.
وتفيد الصحيفة بأن عام 2023 شهد دفع ضحايا هجمات الفدية أكثر من مليار دولار، لكن عام 2024 كان الأعنف على الإطلاق، إذ ارتفعت وتيرة الهجمات بنسبة 65%، مستهدفة قطاعات حساسة مثل الصحة والتعليم والحكومات، مع تزايد لافت في استهداف التجزئة والخدمات.
بدوره وصف موقع “مينا تيك” عام 2024 بأنه “الأسوأ تاريخياً”، ليس فقط بعدد الهجمات بل بتنوع البرمجيات الخبيثة وتطور أساليب القراصنة.
وبحسب “BlackFog” المختصة بمكافحة تسريب البيانات ومنع برامج الفدية، تم رصد 48 مجموعة قرصنة نشطة في 2024، أكثر من نصفها ظهرت للمرة الأولى خلال العام، وشكلت وحدها غالبية الهجمات شهرياً.
أما في منطقة الخليج فقد أظهرت دراسة حديثة من “بوزيتف تكنولوجيز” أن هجمات حجب الخدمة الموزعة (DDoS) زادت بنسبة 70%.
ولفتت إلى أن الإمارات في صدارة الدول الخليجية المستهدفة وتليها السعودية، حيث تمثلان 66% من إجمالي الهجمات في المنطقة، مما يبرز أهمية تعزيز البنية التحتية للأمن السيبراني.
نحو صناعة الفرص
انطلاق أعمال اجتماع مجلس وزراء الأمن السيبراني العرب في الرياض، جاء استكمالاً لرؤية سعودية تقود التحول الرقمي بوعي استراتيجي.
بحسب وكالة الأنباء السعودية (واس)، تهدف الاستراتيجية المقترحة إلى “تحقيق فضاء سيبراني عربي آمن وموثوق، يحقق النمو والازدهار لجميع الدول الأعضاء”.
الاستراتيجية ترتكز على محاور متكاملة تشمل:
-
تعزيز التعاون العربي السيبراني لمجابهة الهجمات العابرة للحدود.
-
تنمية القدرات البشرية والصناعة المحلية.
-
مواءمة التشريعات وتنسيق المواقف في المحافل الدولية.
وتمثل هذه المبادرة استمراراً لجهود السعودية منذ إطلاقها الهيئة الوطنية للأمن السيبراني، وتطويرها بنية تحتية رقمية متقدمة، تدعم التحول من مجرد رد فعل دفاعي إلى بناء صناعة سيبرانية مستدامة.
اقتصاد منتج
ولم يعد الأمن السيبراني مجرد ملف أمني أو تقني، بل أصبح قطاعاً اقتصادياً عالمياً مزدهراً.
وتفيد التوقعات بأن يحقق سوق الأمن السيبراني في الشرق الأوسط إيرادات تصل إلى 16.15 مليار دولار في عام 2020، وأن يصل إلى 32.26 مليار دولار بحلول عام 2026، بمعدل نمو سنوي مركب قدره 12.23% خلال الفترة المتوقعة.
هذا التوسع لا يعني فقط فرصاً للاستثمار، بل إمكانية خلق آلاف الوظائف المتخصصة، وتنمية قاعدة معرفية عربية، قد تتحول لاحقاً إلى مصدر تصدير للخدمات والخبرات السيبرانية.
أما على المستوى العربي الأوسع، فإن إنشاء مجلس وزراء الأمن السيبراني العرب في 2023 بمبادرة سعودية، كان خطوة محورية لتنسيق الجهود ومأسسة التعاون، ووضع الأمن الرقمي ضمن أولويات الأمن القومي العربي.
عالم اليوم الذي تتشابك فيه السياسة والاقتصاد والمعلومات، لم يعد الأمن السيبراني ترفاً أو خياراً، بل ضرورة وجودية.
والسعودية، بحركتها النشطة ووعيها العميق بأهمية الأمن الرقمي، تقود اليوم مشروعاً عربياً طموحاً قد يحوّل العالم العربي من ساحة مستهدفة إلى كتلة سيبرانية آمنة ومبدعة.
فرصة اقتصادية
يرى الباحث المتخصص في الذكاء الاصطناعي وأمن الشبكات، وسام مكي سالم، أن الأمن السيبراني لم يعد مجرد جدار حماية رقمي، بل تحوّل إلى ركيزة استراتيجية للنمو الاقتصادي والاستقرار في زمن التحول الرقمي المتسارع.
وفي حديث لـ”الخليج أونلاين، أكد سالم أن الأمن السيبراني اليوم يمثل أحد أعمدة الابتكار والنهضة الاقتصادية، مشيراً إلى أن الاستثمار الذكي في هذا القطاع لا يقتصر على صدّ الهجمات والاختراقات، بل يفتح آفاقاً واعدة أمام الاقتصادات العربية عبر توليد وظائف جديدة واستقطاب رؤوس الأموال.
ويعتقد سالم أن تحويل الأمن السيبراني إلى فرصة اقتصادية ليس ضرباً من التنظير، بل مسارٌ واقعي له شروط واضحة، تبدأ بتعزيز البنية التحتية الرقمية، والاعتماد على تقنيات وقائية حديثة تقلّل من احتمالية الهجمات.
ويشير إلى أن ثقة المستثمرين والعملاء تُبنى على أساس متين من الأمان الرقمي، ما يعني أن تطبيق استراتيجيات قوية في هذا المجال لا يرفع فقط من مستوى الثقة، بل يساهم في تقليص التكاليف الناتجة عن الأضرار السيبرانية.
وعن إمكانية بناء صناعة سيبرانية عربية قادرة على المنافسة، يشدد سالم على أهمية “رؤية استراتيجية شاملة”، تنطلق من الاستثمار في العقول والمهارات، ولا تكتفي بالأجهزة والبنى التقنية.
ويلفت إلى أن فجوة معرفية توجد داخل المجتمع العربي، “يمكن أن تتحول إلى نافذة ابتكار إذا ما تم استثمارها بذكاء عبر دعم الكفاءات، وتفعيل مراكز البحوث المشتركة بين الجامعات والشركات، إلى جانب صياغة بيئة تنظيمية مرنة تدعم ولادة شركات أمنية ناشئة”، على حسب قوله.
ولا يخفي سالم أهمية الاستفادة من التجارب العالمية الناجحة، داعياً إلى بناء شبكات شراكة إقليمية ودولية تساعد على تبادل الخبرات وتحقيق التكامل في سلاسل القيمة الصناعية السيبرانية.
ويلخّص الخبير في الذكاء الاصطناعي وأمن الشبكات، المتطلبات الأساسية لتحقيق هذه الرؤية في خمسة محاور رئيسية تشمل؛ التعليم والتدريب، والبنية التحتية الرقمية، والإطار التشريعي والتنظيمي، والشراكات والتعاون الدولي، والبحث والتطوير.
ويؤكد سالم على أن تحويل الأمن السيبراني إلى فرصة اقتصادية “ليس حلماً بعيد المنال، بل ضرورة تنموية”.
وأوضح أن الأمر يتطلب سياسات استثمارية رشيدة، وبيئة تنظيمية محفزة، وتعليماً يواكب العصر، ليولد في النهاية نظام بيئي رقمي متكامل يضمن للعالم العربي موطئ قدم في الاقتصاد السيبراني العالمي، بحسب سالم.