الاخبار

من النمو للاستدامة.. كيف تقود الموازنات الإماراتية التحول الاقتصادي؟

– أكثر من 572 مليار دولار حجم الانفاق الحكومي بالإمارات خلال 5 سنوات الماضية

– سبب الزيادة في الإنفاق الحكومي خلال السنوات الأخيرة يتمثل في التوسع في المشاريع التنموية، والاستثمار في القطاعات الاستراتيجية.

يشكل الإنفاق الحكومي في الإمارات ركيزة أساسية لدفع عجلة التنمية الاقتصادية وتعزيز استدامتها، إذ يشهد توسعاً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة، ما يعكس التزام الدولة بدعم القطاعات الحيوية مثل البنية التحتية، والصحة، والتعليم، والطاقة المتجددة.

 وتتجه الميزانية الاتحادية لعام 2025 إلى تعزيز هذا النهج عبر سياسات مالية توسعية تستهدف تحقيق التنويع الاقتصادي، وتقليل الاعتماد على النفط، وجذب الاستثمارات، بما يتماشى مع رؤية الإمارات المستقبلية.

نمو الإنفاق الحكومي

شهدت النفقات الحكومية في دولة الإمارات نمواً ملحوظاً خلال السنوات الخمس الماضية، حيث تجاوز إجمالي الإنفاق الحكومي المجمّع – الذي يشمل الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية- حاجز 2.1 تريليون درهم إماراتي (نحو 572 مليار دولار) خلال الفترة الممتدة من عام 2020 إلى 2024.

وتكشف البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة المالية أن النفقات الحكومية سجلت نمواً بنسبة 11% خلال هذه الفترة، إذ ارتفعت من 399.5 مليار درهم (نحو 109 مليار دولار) في عام 2020 إلى 443.8 مليار درهم (نحو 121 مليار دولار) في عام 2024، وهو أعلى مستوى إنفاق في تاريخ الدولة.

وتُظهر تفاصيل الإنفاق الحكومي والتي نشرتها صحيفة “الخليج” الإماراتية في 26 مارس الماضي، أن الزيادة السنوية جاءت بشكل تدريجي، حيث سجلت النفقات 402.3 مليار درهم (نحو 110 مليارات دولار) في عام 2021، ثم ارتفعت إلى 427.1 مليار درهم (116 مليار دولار) في عام 2022، وواصلت الصعود إلى 434.9 مليار درهم (118 مليار دولار) في عام 2023، وصولاً إلى الرقم القياسي المسجل في عام 2024.

وتوزعت هذه النفقات على عدة قطاعات رئيسية تدعم التنمية المستدامة، حيث شملت المصروفات التشغيلية مثل الرواتب والأجور، وتكاليف استخدام السلع والخدمات، والتحويلات المالية بما في ذلك المنح والإعانات والمساهمات الاجتماعية.

 إلى جانب ذلك، شملت النفقات الحكومية المصروفات الرأسمالية التي تستهدف تعزيز البنية التحتية والتنمية الاقتصادية، من خلال الاستثمار في الأصول غير المالية، مثل المباني، والمعدات، والبرمجيات، إضافة إلى الأصول غير المنتجة مثل الأراضي والثروات الطبيعية.

وتعكس هذه الزيادة في الإنفاق الحكومي التزام الدولة بتعزيز التنمية الاقتصادية وتحقيق الاستدامة المالية، حيث تسهم هذه النفقات في دعم المشاريع الوطنية الكبرى، وتطوير القطاعات الاستراتيجية مثل التعليم، والصحة، والبنية التحتية، والذكاء الاصطناعي، والطاقة المتجددة.

ومع ذلك، فإن هذا التوسع في الإنفاق يطرح تساؤلات حول مدى تأثيره الفعلي على تحفيز النمو الاقتصادي، وزيادة الإنتاجية، وتحقيق الاستدامة المالية في ظل التغيرات الاقتصادية العالمية.

خطوة إيجابية

ويؤكد الخبير الاقتصادي جلال بكار، على أهمية الإنفاق الحكومي في تحفيز النمو الاقتصادي، وتحسين مستوى المعيشة، وخلق فرص العمل، وتطوير البنية التحتية، وتعزيز الاستقرار الاقتصادي، خاصةً عندما يوجه هذا الإنفاق نحو الاقتصاد المحلي عبر الدفعات المباشرة.

وفي حديثه مع “الخليج أونلاين” يحذر بكار من المخاطر المحتملة للإنفاق الحكومي المفرط، والتي تتضمن عجز الموازنة، وتراكم الديون العامة، واحتمالية ارتفاع التضخم، بالإضافة إلى مخاطر سوء التخصيص والفساد في حال غياب الرقابة والضوابط.

واستشهد الخبير الاقتصادي بتجارب دولية مثل الأرجنتين، حيث أدت بعض الإنفاقات غير المنضبطة إلى آثار سلبية على الاقتصاد.

ويشدد بكار على أن الأهم من حجم الإنفاق هو الحوكمة الرشيدة والحكمة في توجيهه، مشيراً إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة تتميز في هذا الجانب.

وفي سياق التهديدات المتزايدة بالركود العالمي، يرى بكار أن الإنفاق الحكومي في هذا التوقيت يعتبر خطوة إيجابية، لكنه أكد على ضرورة أن يتم بتوازن دقيق وحكمة وحوكمة لضمان أن يكون عاملاً محفزاً للاقتصاد وليس عبئاً عليه.

ويختتم بكار بالإشارة إلى دعم الاقتصاديين لهذه الخطوة، مع التأكيد على أهمية اتباع استراتيجيات إنفاق حكيمة لتحقيق الأثر الإيجابي المنشود على الاقتصاد.

1

أكبر موازنة إماراتية

وتعكس الميزانية الاتحادية لدولة الإمارات لعام 2025 نهجاً مالياً متوازناً، حيث بلغت الإيرادات 71.5 مليار درهم (19.47 مليار دولار)، وهو نفس حجم النفقات التقديرية.

ويؤكد هذا التوازن التزام الحكومة بالاستدامة المالية دون الحاجة إلى عجز، مع استمرار دعم القطاعات الحيوية التي تعزز التنمية الاجتماعية والاقتصادية.

وبحسب بيانات البوابة الرسمية لحكومة دولة الإمارات توزعت الميزانية على عدة قطاعات رئيسية، حيث حصل قطاع التنمية الاجتماعية والمعاشات على الحصة الأكبر بنسبة %39 من إجمالي الميزانية، بما يعادل 27.859 مليار درهم (7.59 مليار دولار).

وشمل هذا القطاع مخصصات لبرامج التعليم العام والعالي، والرعاية الصحية، والشؤون الاجتماعية، والمعاشات التقاعدية، والخدمات العامة، بما يضمن تعزيز جودة الحياة للمواطنين والمقيمين.

كما خُصص 25.570 مليار درهم (6.97 مليار دولار) لقطاع الشؤون الحكومية، ما يعكس اهتمام الدولة بتطوير السياسات العامة وتحسين كفاءة الأداء الحكومي.

أما قطاع البنية التحتية والشؤون الاقتصادية، فقد حصل على 2.581 مليار درهم (704 ملايين دولار) لدعم المشاريع التنموية، في حين تم توجيه 2.864 مليار درهم (782 مليون دولار) نحو قطاع الاستثمارات المالية لتعزيز العوائد المالية وتنويع مصادر الدخل الحكومي.

وبلغت مخصصات النفقات الاتحادية الأخرى 12.624 مليار درهم (3.44 مليار دولار)، مما يوفر مرونة مالية لتلبية الاحتياجات المختلفة وضمان استدامة الإنفاق الحكومي.

وتُعد هذه الميزانية الأكبر في تاريخ دولة الإمارات، وتأتي ضمن الخطة المالية متعددة السنوات (2022-2026)، التي تهدف إلى تحقيق النمو المستدام، وتعزيز الاستقرار الاقتصادي، والاستثمار في القطاعات الاستراتيجية بما يتماشى مع رؤية “مئوية الإمارات 2071”.

تعزيز النمو الاقتصادي

وتمثل الموازنة الحكومية لعام 2025 في الإمارات ركيزة أساسية لدعم النمو الاقتصادي، حيث تعتمد على التوسع في الإنفاق الاستثماري، وتحفيز القطاعات غير النفطية، وتعزيز بيئة الأعمال.

وتهدف هذه السياسات إلى تنويع مصادر الدخل، وتحقيق الاستدامة المالية، وزيادة التنافسية الاقتصادية، مما يعزز مكانة الدولة كمركز اقتصادي عالمي.

ونقلت صحيفة الإمارات اليوم في 5 يناير الماضي عن مركز “إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية” في أبوظبي تأكيده أن موازنات إمارات الدولة لعام 2025 تستهدف تعزيز النمو الاقتصادي عبر زيادة الإنفاق الحكومي على البنية التحتية، وتحفيز القطاعات غير النفطية، وتعزيز الخدمات الاجتماعية، والاستثمار في التكنولوجيا والصناعة والطاقة النظيفة.

وتهدف هذه السياسات إلى تقليل الاعتماد على النفط وتحقيق استدامة النمو الاقتصادي، إلى جانب تحقيق فائض مالي يعزز استقرار الاقتصاد الكلي ويزيد من ثقة المستثمرين.

ووفقاً لتقارير صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، من المتوقع أن تحقق الإمارات معدل نمو اقتصادي بين 4 و6% في عام 2025، مدفوعاً بالسياسات التوسعية في الموازنات الحكومية.

كما رفع صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي إلى %5.1، بينما يتوقع صندوق النقد العربي نمواً بنسبة %6.2، مما يعكس تفاؤلاً دولياً بأداء الاقتصاد الإماراتي.

ويرجع هذا النمو المتوقع إلى التوسع في القطاعات غير النفطية، مثل السياحة، والنقل، والخدمات المالية، والتأمين، والعقارات، ما يسهم في تنويع الاقتصاد وزيادة التبادل التجاري وجذب الاستثمارات.

كما تواصل الإمارات التركيز على تطوير التكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي، بهدف رفع الإنتاجية وتحفيز النمو الاقتصادي على المدى الطويل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى