من الطاقة للذكاء الاصطناعي.. الإمارات وفرنسا تعمقان الشراكة الاستراتيجية

– الإمارات وسعت شراكتها مع فرنسا بمجالات الطاقة والتعليم والتكنولوجيا
– في الحوار الاستراتيجي الأخير بين البلدين وقع الجانبان العديد من الاتفاقيات التي تعزز علاقتهما الثنائية
أطلقت الإمارات وفرنسا مساراً استراتيجياً لتعزيز شراكتهما الثنائية وتوسيعها لتشمل مجالات تتجاوز السياسة نحو الاقتصاد والتعليم والذكاء الاصطناعي والطاقة.
وتجلّى هذا التعاون في أعمال لجنة الحوار الاستراتيجي بين البلدين، التي شهدت سلسلة من الاتفاقات والبرامج الطموحة، لترسيخ نموذج شراكة مستدامة ومتكاملة في عالم متغير.
مشاورات وحوار دبلوماسي
وفي ضوء اللقاءات والبرامج المشتركة التي شهدها هذا العام، يتجسد هذا التوجّه عبر جهود ملموسة وخطط طويلة المدى، كان أبرزها الاجتماع الـ17 للجنة الحوار الاستراتيجي بين الإمارات وفرنسا، والذي شكّل نقطة تحول جديدة في مسار العلاقة الثنائية، عنوانها التوسّع والتحديث والتكامل.
وشهدت العاصمة باريس في 21 مايو الجاري، أعمال لجنة الحوار الاستراتيجي، برئاسة خلدون خليفة المبارك من الجانب الإماراتي، وآن ماري ديسكوتيس من الجانب الفرنسي. بحسب بيان وزارة الخارجية الإماراتية.
وأشارت الوزارة بتقرير نشرته عبر موقعها الرسمي في 23 مايو الجاري، إلى أن اللقاء شهد توقيع مذكرة تفاهم حول المشاورات السياسية، في أعقاب جلسات أولى نُظمت في أبريل، بهدف إرساء آلية دورية للحوار الدبلوماسي.
تناولت الجلسات المستجدات الإقليمية، التعاون المتعدد الأطراف، وتقاطعات السياسة الخارجية، مع التركيز على تنسيق الرؤى تجاه قضايا الحوكمة العالمية.
كما جرى التأكيد على تعزيز البنية المؤسسية للعلاقات الثنائية، بما يدعم استمرارية التنسيق في ملفات حساسة تتطلب استجابة مشتركة.
وتقاطع هذا المحور السياسي مع نتائج الزيارة الرسمية لرئيس دولة الإمارات إلى باريس في فبراير 2025، التي مهدت الطريق لتطوير أطر التعاون في الذكاء الاصطناعي والمجالات التقنية المتقدمة، ووضعت أسساً جديدة لتعميق العلاقة الاستراتيجية.
تعاون اقتصادي وتقني
بحث الطرفان سبل تطوير المشاريع المشتركة في قطاعات الاقتصاد والطاقة والتكنولوجيا، مع التركيز على تفعيل الشراكات الاستثمارية الموقعة منذ 2021، والتقدم في المفاوضات نحو اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة مع الاتحاد الأوروبي.
وفي قطاع الذكاء الاصطناعي، تم التطرق إلى استثمارات معلنة خلال قمة “اختر فرنسا”، والتي تهدف إلى توسيع البنية التحتية الرقمية ومجالات الابتكار التقني.
كما شمل الحوار ملفات النقل، الطاقة، والتكنولوجيا، مع الإشارة إلى استمرارية التعاون في الطاقة النووية السلمية، والمشاريع المرتبطة بمفاعلات الجيل الجديد، والهيدروجين المستدام.
وفي مجال الفضاء، ناقش الجانبان سبل تعزيز المنظومة الفضائية بين المؤسسات المختصة، وطرح إمكانية تأسيس مركز فضائي مشترك.
وفي السياق ذاته، زار وفد من دائرة الطاقة في أبوظبي الجمهورية الفرنسية، في 22 مايو الجاري، برئاسة الدكتور عبدالله الجروان، بهدف توسيع التعاون في قطاعي المياه والطاقة.
وجاءت الزيارة بالتوازي مع أعمال القمة العالمية للمياه، وشملت اجتماعات رفيعة المستوى مع صناع القرار ومزودي المرافق في فرنسا، بهدف تسريع تبني الحلول الرقمية وإعادة استخدام المياه، إلى جانب تطوير أطر التمويل المستدام مثل السندات الخضراء.
ونقلت صحيفة العين الإماراتية في 22 مايو، عن الجروان تأكيده بأن العلاقات الإماراتية الفرنسية تعد نموذجاً رائداً للتعاون الثنائي في المجالات الحيوية، لا سيما في قطاعي الطاقة والمياه وأن هذه الزيارة تأتي في سياق هذا التعاون البنّاء.
ونوّه إلى أن الزيارة ناقشت تبادل الخبرات واستكشاف فرص جديدة للابتكار، بما يخدم الأهداف المشتركة في مجالات الطاقة والمياه والاستدامة.
وتأتي هذه الزيارة ضمن المساعي الأوسع لتعزيز التكامل في الملفات البيئية والطاقوية بين الجانبين، وبما ينسجم مع التوجه الاستراتيجي للحوار الإماراتي – الفرنسي نحو الاستدامة والابتكار.
أما في مجال الصحة، فقد تم التركيز على فرص التعاون الأكاديمي والطبي، بما في ذلك الشراكات مع مؤسسات عالمية في علوم الجينوم والذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية.
تعليم وثقافة ومعرفة
توسّع الحوار ليشمل ملف التعليم، حيث أعيد تأكيد الالتزام بتوسيع شبكة المدارس الفرنسية في الإمارات، ودعم اللغة الفرنسية كلغة ثالثة في المدارس الحكومية، كما نُوقشت إمكانية إدخال الفرنسية إلى المرحلة الابتدائية، وتعزيز حضورها في المنهاج التعليمي.
وعلى صعيد التعليم العالي، استعرض الجانبان التعاون القائم مع جامعة السوربون أبوظبي، مع التوجه نحو تمديد الاتفاقية القائمة حتى عام 2036.
في الجانب الثقافي، تم استعراض الشراكة المستمرة حول متحف اللوفر أبوظبي، وبرنامج Museopro لتدريب كوادر المتاحف، بالإضافة إلى التقدم في مشروع ترميم قصر تراينون في فرساي، كما تم التنويه إلى التحضيرات الجارية لعقد مؤتمر البحوث والابتكار في نهاية 2025 في أبوظبي، والذي من المتوقع أن يشكّل نقطة تلاقي جديدة للتعاون الأكاديمي والعلمي بين البلدين.
ومما تقدم نجد أن الحوار الاستراتيجي السابع عشر جاء ليعيد ضبط اتجاه الشراكة الإماراتية – الفرنسية على أساس أكثر تكاملاً، مع التركيز على المشاريع النوعية والقطاعات المستقبلية.
وفي ظل نظام دولي متغير، تمضي العلاقة بين البلدين نحو نموذج أوسع من التعاون، يُبنى على المصالح المشتركة والرؤية طويلة الأمد.
مستقبل واعد
ويوضح الخبير الاقتصادي الدكتور أحمد ذكر الله، أن العلاقات الإماراتية الفرنسية، الممتدة منذ نشأة الإمارات في السبعينات، شهدت ارتقاءً ملحوظاً نحو مستوى “الشراكة الاستراتيجية” منذ عام 2008، تزامناً مع ظهور “الحوار الاستراتيجي الإماراتي الفرنسي”.
ويضيف لـ”الخليج أونلاين” أن لجنة الحوار الاستراتيجي، التي تعقد اجتماعاتها سنوياً، تناقش العديد من المجالات، من الثقافية والتعليمية إلى الطاقة المتجددة وغيرها.
ويشير الخبير إلى أنه في الاجتماع الأخير ركز الطرفان على جانبين مهمين، الأول يتعلق بالمجال التعليمي، حيث توشك الإمارات على الاعتراف باللغة الفرنسية كلغة ثالثة في مناهج التعليم.
كما اتفق الجانبان على زيادة عدد المدارس الفرنسية في التعليم ما قبل الجامعي بدولة الإمارات، وتعزيز التعاون في مجالات التعليم الجامعي، مستفيدين من التجربة الناجحة لجامعة السوربون الإماراتية.
ويلفت الدكتور ذكر الله إلى أن الشراكة تتوسع لتشمل العديد من الاتفاقيات في قطاع الطاقة النووية، بهدف زيادة الإنتاج المستقبلي.
ويضيف بأن الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين تمتد لتشمل مجالات الذكاء الاصطناعي، النقل الجوي، والتكنولوجيا، بالإضافة إلى الصناعات الدفاعية المختلفة، لاسيما طائرات الرافال التي تم الاتفاق عليها سابقاً.
ويختتم بالتأكيد على أن هذه الاتفاقيات يمكن أن تؤدي إلى توطين بعض الصناعات التي تعتمد على التكنولوجيا المتقدمة داخل الأراضي الإماراتية خلال الفترة القادمة.