الاخبار

من التجارة للهيمنة.. السويس وبنما ساحة جديدة لأطماع نفوذ ترامب

– يمر عبر قناة السويس 12% من إجمالي حجم التجارة البحرية العالمية، ويعبرها سنوياً ما يقرب من 20 ألف سفينة. 

– تربط قناة بين المحيطين الأطلسي والهادي وتسيطر على 3% من إجمالي التجارة البحرية العالمية.

فتح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب باباً جديداً للسجال الدولي بعدما طالب بمرور السفن الأمريكية مجاناً عبر قناتي السويس وبنما، في موقف يعيد خلط الأوراق حول أدوار السيادة والمصالح الاستراتيجية في الممرات المائية العالمية. 

وفي منشور عبر منصته “تروث سوشيال”، لم يكتف ترامب بإطلاق تصريح عابر، بل ذهب أبعد من ذلك حين اعتبر أن “القناتين ما كانتا لتوجدا لولا الولايات المتحدة”، في استعادة لتاريخ معقد يتداخل فيه النفوذ الأمريكي مع السيادة الوطنية لدول أخرى.

سياسياً، تثير مطالبة ترامب تساؤلات حساسة عن حدود النفوذ الأمريكي، وقدرته على فرض رؤيته في مناطق تعتبرها دولها ركائز لاستقلالها الوطني.  

اقتصادياً، يهدد الطرح بضرب عائدات حيوية لدولتي الممرين في توقيت يتسم بضعف الاستقرار المالي عالمياً، فيما تتداخل الأبعاد الجيوسياسية في لحظة فارقة من احتدام المنافسة بين الولايات المتحدة والصين.

السويس وبنما

تعد قناة السويس ممراً حيوياً للتجارة العالمية، ومعلماً استراتيجياً ذو تأثير كبير في الاقتصاد المصري والعالمي، ويبرز ذلك من خلال: 

  • ربطها بين البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط، فتسهم بذلك في تسهيل التجارة بين آسيا وأوروبا.

  • يمر عبرها 12% من إجمالي حجم التجارة البحرية العالمية، ويعبرها سنوياً ما يقرب من 20 ألف سفينة.

  • وصلت إيراداتها في العام المالي 2023-2024 إلى 7.2 مليارات دولار.

أما قناة بنما فيمكن تلخيص أهميتها بما يلي:

  • تعدّ أصغر الممرات المائية، وتربط بين المحيطين الأطلسي والهادي.

  • تسيطر على 3% من إجمالي التجارة البحرية العالمية.

  • افتتحت في عام 1914، وتمتد على مسافة نحو 82 كيلومتراً.

  • تتيح للسفن تجنب الرحلة الطويلة حول أمريكا الجنوبية.

  • يمر عبر القناة 14 ألف سفينة سنوياً.

  • تحقق إيرادات بنحو 4 مليارات دولار في السنة.

تاريخ طويل من الهيمنة

عند البحث عن القناتين “السويس” و”بنما” نجد أنهما لطالما ارتبطتا بذاكرة نفوذ الدول العظمى وهيمنتها في العالم، سواء عبر دعم المشاريع أو بسط السيطرة العسكرية والإدارية.

وبينما خضعت قناة السويس للهيمنة البريطانية والفرنسية حتى تأميمها، كانت قناة بنما تحت السيطرة الأمريكية حتى عام 1999، عندما تم تسليمها إلى بنما بموجب معاهدة بين البلدين.

هذا التاريخ الطويل من الهيمنة سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، يطرح تساؤلات حول دوافع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في دعوته لمرور السفن الأمريكية مجاناً عبر القناتين.  

ويتزامن طرح ترامب مع التقلبات الاقتصادية العالمية واحتمال توسع الصين في مجالاتها البحرية.

أما من الناحية الجيوسياسية، تكشف تصريحات ترامب عن لعبة أكبر من مجرد إلغاء رسوم مرور السفن الأمريكية؛ فالقناتان، السويس وبنما، ليسا فقط معابر مائية، بل هما مفاتيح للنفوذ العالمي في مجالات الاقتصاد والسياسة والأمن.

إذا ما جرى النظر من زوايا أخرى نحو ما يشهده العالم من ارتفاع حدة المنافسة بين القوى الكبرى، لاسيما مع تصاعد قوة الصين في التجارة العالمية، سيكشف الضوء المسلط على هذا المساحة عن أن دعوة ترامب محاولة لتوسيع النفوذ الأمريكي في مواجهة التوسع الصيني في البحرين الأحمر والكاريبي. 

التوجه نحو الشرق

المحلل السياسي مسار عبد المحسن راضي، الذي تحدث لـ”الخليج أونلاين” يقول في إطار حديثه حول شخصية الرئيس ترامب، إنه “مذ عرفناهُ سياسياً يتصرف إعلامياً مثل قادة كوريا الشمالية. يلقي الطعام – تغريداته- على وجه الآخرين مثل الأطفال ليلتقطوه ثم يعاود رميه مرِّة تلو أخرى”. 

تصريح ترامب الأخير فيما يخص قناة بنما و السويس يراه عبد المحسن راضي أنه لا يختلف في شيء عن السعي الأمريكي التقليدي وفق سياسة “التوجه نحو الشرق”.

وأوضح أن هذه السياسة تسري من خلال “إيجاد تحالفات عسكرية بحرية و بحجة القراصنة سابقاً، الفواعل السياسية اللاحكومية “الميليشيات” الآن لمحاولة تطويق سلاسل الإمدادات الصينية”.

يرى راضي أن ترامب يحاول زج القاهرة في هكذا تحالف على اعتبار أنها تمتلك قوات بحرية فاعلة، في حماية المضائق البحرية في البحرين الأبيض والأحمر.

ولفت إلى أن الهدف الأساس من هذا فإنهُ وبسبب تحالفات مصر مع بروكسل وواشنطن فهو يعطي الأخيرة ثقلاً أكبر وحليفتها “إسرائيل”، ويعطي الولايات المتحدة قدرة نسبية أوسع بالضغط على الاتحاد الأوروبي. 

تشكيل تحالف بحري

في خلفية مشهد صراع النفوذ التجاري والسياسي، تواجه القناتان -السويس وبنما- تحديات متصاعدة؛ فقناة السويس تضررت بشدة عام 2024 بسبب الهجمات الحوثية على السفن في البحر الأحمر، ما أدى إلى تراجع إيراداتها بشكل حاد.

أما قناة بنما، فتكافح للحفاظ على عائداتها وسط اضطرابات مناخية وسياسية متزايدة، حيث انخفضت نسبة عبور السفن بنسبة 29% خلال 2024، وانخفض عبور الغاز الطبيعي المسال بنسبة 66%، في حين انخفض عبور البضائع السائبة الجافة بنسبة 107%.

وبينما تحاول مصر وبنما حماية مصدر دخل حيوي، تُعقد مطالب ترامب المهمة أكثر، خاصة إذا تحولت إلى توجه أوسع تتبناه واشنطن رسمياً، في إطار إعادة تعريف علاقاتها التجارية بالعالم. 

وسط هذا كله يُطرح تساؤلاً شديد الأهمية مفاده: هل سيقبل العالم بتغيير المعادلات القائمة منذ عقود، أم ستظل القناتان مؤسستان ذات سيادة تابعة لدول حاكمة؟ 

في هذا الصدد يشير مسار عبد المحسن راضي إلى أن الولايات المتحدة -وخاصة مع عودة ترامب للسلطة- تسعى إلى تخفيف كلفة تحكمها بالممرات البحرية الدولية.

ويوضح راضي أن واشنطن تحاول عبر “بوارج ترامب اللفظية” أن تدفع نحو تشكيل تحالف بحري جديد من الدول الراغبة، بهدف تقاسم عبء حماية الطرق التجارية البحرية، بدل أن تتحمله الولايات المتحدة منفردة.

في هذا السياق، يرى راضي أن الهدف الأعمق لترامب خلال ولايته الثانية سيكون تعزيز النفوذ الأمريكي عبر بناء شراكات استراتيجية لا تقوم على شروط الديمقراطية والليبرالية التقليدية، بل تركز على المصالح الواقعية البحتة.

وبحسب تحليله، يجد راضي أن السياسة الأمريكية تتجه إلى التخلي عن الضغوط القيمية مقابل تثبيت شراكات مرنة تخدم مصالحها التجارية والجيوسياسية؛ ما يفرض تغييرات محتملة في معادلات السيطرة البحرية العالمية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى