من الإعمار إلى الطاقة والأمن.. قطر في قلب تحولات سوريا الجديدة

مثلت زيارة أمير دولة قطر إلى دمشق، كأول زيارة لرئيس دولة عربية بعد سقوط نظام الأسد، نقطة فارقة في سياق العلاقات بين البلدين.
برزت دولة قطر كإحدى الدول الأكثر حضوراً في دعم سوريا الجديدة، عبر رؤية دبلوماسية شاملة تركّز على الاستقرار، التنمية، وإعادة الإعمار.
وتميز التحرك القطري بالسرعة والتنوع لاسيما في ملفات الأمن، الطاقة، الاقتصاد، الطيران، الإعلام، العلاقات الثنائية، مع انفتاح واضح على التعاون مع شركاء إقليميين ودوليين.
ويقوم الرهان القطري في سوريا الجديدة على مساندة مؤسسات الدولة المدنية والأمنية، لتحسين الخدمات الأساسية، ودفع عجلة التنمية، بما يُعيد تثبيت الاستقرار بعد سنوات الحرب الطويلة.
العلاقات الثنائية
مثلت زيارة أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أواخر يناير 2025، إلى العاصمة السورية دمشق، كأول زيارة لرئيس دولة عربية إلى البلاد بعد سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر 2024، نقطة فارقة في سياق العلاقات بين البلدين.
وحملت الزيارة العديد من الرسائل المهمة في ظل المرحلة الدقيقة التي يمر بها الشعب السوري، والتي تتطلب دعماً دولياً واسعاً لإعادة بناء الدولة على أسس تضمن حقوق السوريين وكرامتهم.
وفي أبريل الماضي زار الرئيس السوري أحمد الشرع الدوحة والتقى أمير قطر، ووجه رسالة شكر تداولتها وسائل الإعلام بكثافة حينما قال: “لن ننسى لدولة قطر موقفها الصادق ودعمها الثابت للشعب السوري”.
وكانت قطر الدولة الوحيدة التي اعترفت بالمعارضة السورية خلال سنوات الثورة كممثل وحيد للشعب السوري، وبقي علم المعارضة سابقاً (العلم الحالي لسوريا) هو المرفوع على السفارة، وحافظت على موقفها حتى رحيل الأسد.
كما زار عدد من المسؤولين أبرزهم رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني دمشق، فضلاً عن زيارات مكثفة متبادلة لمسؤولين من البلدين، لبحث إعادة إعمار سوريا.
دعم دولي وأمني
كما كان من اللافت في أبريل الماضي أن جمعت الدوحة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني للمرة الأولى بالرئيس السوري الانتقالي بحضور أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.
وهدفت الخطوة إلى إذابة الجليد بين بغداد ودمشق وإعادة فتح قنوات التواصل وذلك في إطار المساعي لتعزيز الاستقرار الإقليمي، ما يعكس توجهاً واضحاً نحو فتح صفحة جديدة من العلاقات برعاية قطرية.
كما دعمت قطر وبشكل واضح بدبلوماسيتها وتواصلها مع واشنطن والاتحاد الأوروبي في المساهمة برفع العقوبات على سوريا كاملاً.
ومع تعقيدات الوضع الأمني في سوريا بعد سقوط النظام، برز ملف إعادة بناء المؤسسات الأمنية كأحد أهم محاور التعاون القطري-السوري، ففي 10 فبراير الماضي، زار نائب قائد قوة الأمن الداخلي القطرية “لخويا”، اللواء محمد مسفر الشهواني دمشق، حيث التقى وزير الداخلية السوري السابق علي عبد الرحمن كده وأسفر اللقاء عن:
– تنفيذ برامج تدريب مشترك بين لخويا وقوات الأمن السورية.
– إرسال خبراء قطريين للمساهمة في تأهيل الكوادر الأمنية.
– دعم الأجهزة الأمنية السورية بمعدات وتقنيات حديثة.
– بناء منظومة الاستجابة للأزمات والطوارئ.
– تعزيز التعاون الأمني الإقليمي لمواجهة الإرهاب والجريمة المنظمة.
كما سلم الشهواني رسالة خطية من وزير الداخلية القطري الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني، أكدت حرص قطر على المساهمة في بناء جهاز أمني عصري يخدم الاستقرار السوري.
ملف الطاقة
وشهدت دمشق، الخميس 29 مايو (2025)، إبرام أكبر صفقة كهرباء في تاريخ سوريا بقيمة 7 مليارات دولار، بين وزارة الطاقة مجموعة “أورباكون” (يو سي سي)، وهي شركة عالمية مقرها قطر.
ومن المتوقع أن تسهم الصفقة بإحداث تحول مهم في مسار قطاع الطاقة، إذ ستسهم في توليد 5 آلاف ميغاواط، بما يزيد عدد ساعات التغذية الكهربائية، وينعكس إيجاباً على جميع مناحي الحياة.
وفي مارس 2025، باشرت الدوحة توريد مليوني متر مكعب يومياً من الغاز إلى محطة دير علي السورية، تنفيذاً لتوجيهات أمير قطر.
وهدفت الخطوة إلى توليد 400 ميغاواط لرفع التغذية الكهربائية في دمشق وريفها، والسويداء، درعا، القنيطرة، حمص، حماة، طرطوس، اللاذقية، حلب، دير الزور، وتحسين الخدمات الأساسية في القطاعات الصحية والتعليمية، وتقليل ساعات التقنين (من ساعتين إلى أربع ساعات يومياً إضافية).
دعم مالي وإنساني
وبعد سقوط نظام الأسد، كثفت قطر وكثفت من إرسال مساعداتها الإنسانية إلى سوريا عبر الجسر الجوي القطري، بتمويل من صندوق قطر للتنمية وبتنسيق مع الهلال الأحمر القطري، حيث غطت ثماني محافظات رئيسية.
كما ناقشت الدوحة ودمشق إعادة إحياء المشاريع المتعثرة كمشروع الطريقين محور النقل “شمال – جنوب” من باب الهوى إلى الحدود الأردنية ومحور “غرب – شرق” من مرفأ طرطوس إلى الحدود العراقية إضافة إلى اتفاق النقل الطرقي الموحد لتسهيل حركة الشاحنات بين البلدين.
وفي أبريل 2025، أعلن عبد القادر حصرية، حاكم مصرف سوريا المركزي، أن قطر والسعودية تكفلتا بسداد 15 مليون دولار ديون سوريا المستحقة للبنك الدولي.
وكان الهدف من الخطوة، إعادة سوريا إلى المسار المالي الدولي وتعزيز ثقة المؤسسات الدولية فيها، لإصلاح القطاع المالي والمصرفي السوري.
وفي مايو 2025، أعلن وزير المالية السوري محمد يُسر برنية، أن قطر ستقدم منحة شهرية بـ 29 مليون دولار، لمدة ثلاثة أشهر (قابلة للتمديد)، مشيراً إلى أن الهدف منها تغطية جزء من رواتب وأجور موظفي القطاع العام.
والقطاعات المستفيدة، هي الصحة، التعليم، الشؤون الاجتماعية، المتقاعدون المدنيون، فيما ستكون آلية التنفيذ عبر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP، لضمان الشفافية، وبتنسيق مع وزارة الخزانة الأمريكية، التي منحت استثناءات للسماح بتمرير الدعم رغم العقوبات.
تأهيل المطارات والطيران
كما عملت الدوحة على مساعدة سوريا في تأهيل قطاع الطيران، لإعادة ربطها بالمجال الجوي الإقليمي والدولي.
وفي ديسمبر الماضي زار وفد من الخطوط الجوية القطرية دمشق وبحث مع السلطات السورية تطوير أجهزة الملاحة الأرضية، وتحديث أبراج المراقبة الجوية في مطار دمشق الدولي، وتدريب الكوادر الفنية السورية، ودعم الإجراءات الأمنية بالمطار.
ولاحقاً وفي سياق مساعدة السوريين على التنقل والوصول إلى بلادهم، أعلنت الخطوط الجوية القطرية استئناف رحلاتها إلى دمشق في 7 يناير الماضي، ثم زيادتها لاحقاً من ٣ إلى ١٤ رحلة أسبوعياً.
دعم الإعلام
وفي أبريل 2025 أعلنت الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون السورية توقيع اتفاقية مع شركة “سهيل سات” القطرية، لبث قناة الإخبارية السورية بجودة عالية (HD) عبر القمر “سهيل 2” (موقع 26 شرق)، مع توفير سعات إضافية على “سهيل 1” بهدف:
– تعزيز قدرات البث الفضائي السوري.
– الوصول إلى جمهور أوسع داخل وخارج سوريا.
– إدخال تقنيات حديثة إلى قطاع الإعلام الرسمي.