مع ازدياد توتر المنطقة.. سيناريوهات التصعيد بين تركيا وإيران

المحلل السياسي محمود علوش:
التطورات الحالية ليست بالضرورة مقدمة لتصعيد يهدد قدرة تركيا وإيران على التكيف مع تناقضاتهما الإقليمية.
إيران لا تخفي دعمها لبعض الفصائل في سوريا.
أنقرة تعتبر أن ارتباط طهران بوحدات حماية الشعب الكردية يعزز قدرتها على تقويض النفوذ التركي في المنطقة.
يُشكل تصاعد الخلاف بين تركيا وإيران الذي شهدته الأيام الأخيرة تهديداً خطيراً لاستقرار المنطقة إن لم يحتويه الطرفين، مما يزيد من تعقيد الأوضاع الأمنية ويُفاقم الصراعات القائمة، في وقت تعاني فيه المنطقة من أزمات متشابكة وحساسة.
جاء ذلك عقب تصريحات أدلى بها وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، في حوار تلفزيون، وجه خلالها تحذيراً لإيران من محاولات زعزعة الاستقرار في سوريا.
فيدان أكد أن طهران تكبدت خسائر فادحة للحفاظ على نفوذها في كل من العراق وسوريا، مشيراً إلى أن اعتمادها على الوكلاء في المنطقة يحمل مخاطر كبيرة.
وزير خارجية تركيا حذر خلال تصريحاته، إيران من دعمها المحتمل لـ”وحدات حماية الشعب” الكردية المدعومة من واشنطن، قائلاً: “من يسكن بيتاً من زجاج، لا ينبغي له رمي الحجارة”.
منذ سقوط نظام الأسد في سوريا تشهد العلاقات بين تركيا وإيران توتراً؛ حيث اتهمت طهران أنقرة بدعم الفصائل التي أسقطت بشار الأسد، بينما تشتبه أنقرة بتورط طهران في تحريض بعض الجماعات على التصعيد، خصوصاً في المناطق العلوية.
وفي إيران، يُنظر إلى الإدارة السورية الجديدة، برئاسة أحمد الشرع، على أنها حليفة لأنقرة، بينما تعهد الشرع بإنهاء أي وجود إيراني متبقٍ في سوريا.
غضب في إيران
ذكرت وكالة “إرنا” الإيرانية أن، طهران رأت في تصريحات فيدان تهديداً صريحاً، حيث وصف المتحدث باسم خارجيتها، إسماعيل بقائي، تصريحاته بأنها “وقحة”.
بدوره اعتبر مستشار المرشد الإيراني، علي أكبر ولايتي، أن سوريا قد تواجه خطر اندلاع حرب أهلية في أي لحظة، محذراً أنقرة من “المبالغة في مواقفها”.
من جهتها، وصفت المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية، فاطمة مهاجراني، تصريحات فيدان بـ”غير البناءة”، وأعربت عن أملها في عدم تكرارها.
ورحبت مهاجراني بدعوة زعيم حزب العمال الكردستاني، عبدالله أوجلان، لحل الحزب وإلقاء السلاح، معتبرة أن أي خطوة تؤدي إلى خفض التوتر في المنطقة إيجابية.
بدوره، أكد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، أن هناك تباينات في وجهات النظر بين طهران وأنقرة.
لكن بقائي شدد على أهمية العلاقات الثنائية، عاداً التصريحات التركية الأخيرة “غير بناءة”، وطالب المسؤولين الأتراك بالتركيز على سياسات “إسرائيل” في سوريا بدلاً من انتقاد إيران.
استدعاء السفراء
قوة التوتر ازدادت بين العاصمتين طهران وأنقرة، لتصل إلى استدعاء السفراء، حيث بادرت إيران من خلال وزارة خارجيتها، الاثنين (3 مارس الجاري)، إلى استدعاء السفير التركي لديها للاحتجاج على تصريحات فيدان.
محمود حيدري، المدير العام لشؤون البحر المتوسط وشرق أوروبا في الخارجية الإيرانية، شدد خلال حديثه مع السفير التركي على ضرورة تجنب التصريحات التي قد تؤدي إلى توتر في العلاقات الثنائية، نظراً لحساسية الأوضاع في المنطقة، بحسب وكالة “إرنا”.
في اليوم التالي استدعت وزارة الخارجية التركية، القائم بالأعمال الإيراني لدى أنقرة، احتجاجاً على الانتقادات العلنية الصادرة عن طهران بشأن تصريحات فيدان. وأبلغته أن السياسة الخارجية لا ينبغي أن تكون أداة لخدمة الأجندات الداخلية.
المتحدث باسم الخارجية التركية، أونجو كيتشالي، أفاد بأن القائم بالأعمال الإيراني تم استدعاؤه إلى الوزارة لمناقشة المواقف الإيرانية الأخيرة تجاه تركيا.
وأوضح أن الجانب التركي سبق أن أعد ملفاً حول هذه القضية وأرسله إلى طهران، مؤكداً أن السياسة الخارجية يجب ألا تُستخدم لأغراض السياسة الداخلية، وفق وكالة “الأناضول”.
في الوقت نفسه، أفادت وسائل إعلام تركية مقربة من الحكومة بأن طهران تحاول عرقلة جهود أنقرة لإنهاء ملف حزب العمال الكردستاني وامتداده في سوريا، في تلميح إلى أن إيران تتحرك على غرار الولايات المتحدة و”إسرائيل” في هذا الملف.
تضارب في المصالح
المحلل السياسي محمود علوش الذي تحدث لـ”الخليج أونلاين” يرى أن التصعيد الأخير في الخطاب بين تركيا وإيران يعكس توترات كامنة بشأن علاقات طهران بجماعات تصنفها أنقرة على أنها تهديد لأمنها القومي.
ويشير علوش إلى أن إيران لا تخفي دعمها لبعض الفصائل في سوريا، لافتاً إلى أن أنقرة تعتبر أن ارتباط طهران بوحدات حماية الشعب الكردية يعزز قدرتها على تقويض النفوذ التركي في المنطقة.
في شمال العراق، تحتفظ إيران أيضاً بعلاقات وثيقة مع حزب العمال الكردستاني من خلال فصائل الحشد الشعبي، بحسب ما يقول علوش، من خلال “ارتباط الحزب بعلاقات قوية مع أطراف كردية حولت مدينة السليمانية إلى بيئة نشطة لنشاطاته”.
علوش يعتقد أن هذه التوترات “تكتسب زخماً متزايداً بفعل تضارب المصالح الجيوسياسية بين أنقرة وطهران، ليس فقط في سوريا والعراق، بل في الشرق الأوسط بأسره، إضافة إلى منطقة جنوب القوقاز”.
ومع ذلك، يرى علوش أن البلدين ما يزالان قادرين على إدارة هذه المنافسة مثلما فعلا في السابق، مضيفاً أن التطورات الحالية ليست بالضرورة مقدمة لتصعيد يهدد قدرة الجانبين على التكيف مع تناقضاتهما الإقليمية.
ورغم التوترات، تبقى العلاقات التركية الإيرانية مستقرة في إطار المصالح المشتركة؛ إذ تجمع البلدين حدود طويلة وعلاقات تاريخية معقدة، فضلاً عن قواسم مشتركة على المستوى الإقليمي، وفقاً لعلوش.