معلبات بدل الولائم.. رمضان في غزة “جوع وحسرة”

أدى إغلاق الاحتلال لمعبر كرم أبو سالم التجاري، لنقص حاد في المواد الغذائية داخل أسواق قطاع غزة.
داخل خيمة النزوح التي لا تزال عائلة “السيد ماضي” تعيش فيها رغم توقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، تجلس “أم محمود ماضي” على الأرض، تحيط بها علب الفول والتونة، تحاول أن تضفي شيئاً من البهجة على مائدة الإفطار، وكأنها تعد وليمة فاخرة لأطفالها الذين يفتقدون الحد الأدنى من مقومات الحياة الكريمة.
ورغم قسوة الظروف ومرارة الواقع، تبتسم السيدة الخمسينية محاولةً التخفيف من وطأة المعاناة على صغارها، حين يسألون عن الدجاج الذي اعتادوا تناوله في كل رمضان، ولكن استمرار إغلاق جيش الاحتلال الإسرائيلي لمعبر كرم أبو سالم التجاري حرمهم من أبسط حقوقهم الغذائية، حيث لم يعد بالإمكان الحصول على اللحوم أو حتى بعض أنواع الخضروات الأساسية.
تقول أم محمود لـ”الخليج أونلاين”: “في اليومين الأول والثاني من شهر رمضان تمكنا من تناول وجبة إفطار تحتوي على لحوم ودواجن، لكن بعد أن أغلقت سلطات الاحتلال معبر كرم أبو سالم، بدأت الأسواق تفقد مخزونها من المواد الغذائية تدريجيًا حتى اختفت تماماً”.
وبحلول اليوم الثالث وحتى اليوم الثاني عشر من رمضان، حرمت عائلة ماضي، إلى جانب مئات الآلاف من سكان قطاع غزة، من الحصول على وجبة إفطار تليق بالشهر الفضيل، وذلك نتيجة منع الاحتلال إدخال المواد الغذائية والمساعدات الإنسانية، في سياسة ممنهجة تهدف إلى فرض مزيد من الضغوط على سكان القطاع المحاصر.
وأدى إغلاق الاحتلال لمعبر كرم أبو سالم التجاري يوم الأحد 2 مارس الجاري إلى نقص حاد في المواد الغذائية داخل الأسواق، مما جعل الحصول على الطعام أمرًا شبه مستحيل، لا سيما أن 80% من سكان قطاع غزة يعتمدون على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة.
ويهدد وقف تدفق المساعدات الإنسانية حياة أكثر من 289 ألف و824 طفلًا و139 ألف و764 مسنًا، وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، ما يعرضهم لخطر الموت جوعًا في ظل تفاقم الأزمة الإنسانية.
وكان المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان شدد في بيان له على أن المساعدات الإنسانية حق أساسي للسكان المدنيين، ولا يجوز التلاعب بها أو استخدامها كورقة مساومة وفقاً للقانون الدولي الإنساني، إذ لا يوجد أي مبرر قانوني يجيز للاحتلال حرمان الفلسطينيين من الغذاء والدواء.
وأضاف المرصد أن (إسرائيل) لا تكتفي بمنع دخول المساعدات لتحقيق مكاسب سياسية أو عسكرية، بل تنتهج سياسة تجويع متعمدة، تهدف إلى خلق أوضاع معيشية قاسية تجعل من البقاء في غزة أمراً مستحيلاً.
حسرة وجوع
ليس بعيداً عن خيمة “أم محمود” يجتمع “أبو محمود سلامة” مع أبنائه أمام منزلهم الذي تعرض لدمار جزئي جراء العدوان، يتناولون وجبة إفطار تفتقد إلى اللحوم والدواجن وحتى الخضروات، مقتصرين على المعلبات التي حصلوا عليها كمساعدات من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين “الأونروا”.
يقول سلامة لـ”الخليج أونلاين”: “يفترض أن يكون رمضان شهر الخير والبركة، حيث تجتمع العائلات حول موائد عامرة بكل ما لذ وطاب، لكن موائد الإفطار هذا العام باتت عنواناً للحرمان والمعاناة بسبب إغلاق الاحتلال للمعابر ومنع إدخال المواد الغذائية”.
وأصبحت المعلبات المخزنة الغذاء الأساسي لعائلة سلامة، بعدما باتت الخيارات الأخرى غير متاحة، ليجدوا أنفسهم مجبرين على تناولها في وجبتي الإفطار والسحور، في صورة تعكس حجم الأزمة التي يعيشها سكان القطاع.
ويصف سلامة غزة بأنها “فقيرة ووحيدة” خلال شهر رمضان، بسبب عدم قدرة أي جهة على مد يد العون وإدخال المساعدات الغذائية، مشددًا على أن “أهالي القطاع يعيشون ظروفًا غير إنسانية في ظل استمرار الحصار”.
ويضيف بحسرة: “في رمضان الماضي، قضينا الشهر في النزوح والخوف والجوع، وهذا هو رمضان الثاني الذي نعيشه في ظروف صعبة ومجاعة حقيقية، دون أن نشعر بالفرح الذي يشعر به المسلمون حول العالم”.
ظروف مأساوية
مدير المكتب الإعلامي الحكومي، إسماعيل الثوابتة، أكد أن “الاحتلال يواصل إغلاق معبر كرم أبو سالم لليوم الثاني عشر على التوالي، في إجراء غير قانوني وغير إنساني يزيد من تفاقم الكارثة الإنسانية في قطاع غزة”.
وأضاف: “أدى هذا الإغلاق إلى منع دخول المساعدات الغذائية والطبية والوقود، مما يهدد حياة أكثر من 2.4 مليون فلسطيني يعيشون في ظروف قاسية”.
وفي حديثه لـ”الخليج أونلاين”، أوضح الثوابتة أن “استمرار الحصار أدى إلى تفاقم أزمة الجوع، حيث لم يعد هناك بدائل متاحة في ظل شح الإمدادات الغذائية، مما يعمق الأزمة الإنسانية بشكل غير مسبوق”.
كما أشار إلى أن “استخدام سياسة التجويع كأداة حرب يعد انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني، بل ويُصنف كجريمة يعاقب عليها القانون الدولي” محملًا “الاحتلال المسؤولية الكاملة عن التداعيات الكارثية لهذا الحصار”.
ودعا الثوابتة المجتمع الدولي والأمم المتحدة إلى التدخل العاجل والضغط على الاحتلال لإعادة فتح المعبر وضمان تدفق المساعدات الإنسانية بشكل مستدام، تفادياً لحدوث المزيد من الكوارث التي تهدد حياة مئات الآلاف من الأبرياء في غزة.